الزعيم محمد فريد .. عاش مناضلاً ومات وحيدًا في المنفى

ولد محمد فريد عام 1866 لأبوين مصريين من أصول تركية،، ولد بمدينة القاهرة يوم الإثنين 20 يناير 1868م، وكان والده أحمد فريد باشا ناظراً للدائرة السنية سنة 1886م، وقد ألحقه والده بمدرسة خليل أغا الابتدائية عام 1875م، ثم التحق بمدرسة الحقوق عام 1882م، ونال منها شهادة الحقوق في مايو 1887م.

التحق بمدرسة الحقوق، ثم عمل محاميًا بجانب دوره كمؤرخ حيث صدرت له مجموعة من المؤلفات غلب عليها الجانب التاريخي الذي اختاره فريد في مشواره ليكون رفيقه مع المحاماة.
كان محمد فريد ينتمي لأسرة ثرية، فريد بمجرد أن انضم للحراك السياسي للتحرر الوطني، ألا يتأخر في إنفاق هذه الثروة على حراك الوفود المصرية في المؤتمرات الدولية للمطالبة بحق مصر في الاستقلال، وقد كان لتلك المساهمات الثرية أثر كبير في استقرار الحراك بشكل عام، ونجاحه في التغلب على مصاعب الأزمات المالية والتضييق السياسي الذي واجهته الوفود المصرية.

صورة تجمع بين الزعيم مصطفى كامل ورفيق دربه الزعيم محمد فريد
صورة تجمع بين الزعيم مصطفى كامل ورفيق دربه الزعيم محمد فريد

محمد فريد والحراك السياسي

نجح فريد في أن يُحدث طفرات هامة في الحراك السياسي والمجتمعي في مصر، خلال فترة مشاركته في العمل العام، حيث كان فريد أول من أنشأ نقابة للعمال في مصر عام 1909، وأنشأ معها أول اتحاد تجاري، ودعا لوضع مجموعة من القواعد القانونية لحقوق العمال، وقد كانت «نقابة عمال الصنائع اليدوية» هي النواة التي بدأ منها التاريخ النقابي في مصر وكان مقرها بولاق، وبلغ عدد أعضائها 800 عضو، لتكون تلك باكورة العمل النقابي المطالب بحقوق العمال في تاريخ مصر الحديث، وفي السياق نفسه كان فريد مهتمًا بالجانب المجتمعي من الأزمة المصرية إبان الاحتلال الإنجليزي، وهي أزمة التعليم، فعمل على إنشاء مدارس تعليم ليلية في مختلف الأقاليم المصرية وكذلك الأحياء الشعبية، وذلك لنشر العلم بين الفئات الأكثر فقرًا آنذاك بالمجان، وعلى نفقته الخاصة.

محمد فريد وبداية الجهاد الوطني

ظهرت ميول محمد فريد الوطنية منذ حصوله على شهادة الحقوق، فاتجهت نفسه أول الأمر إلى خدمة الوطن بالكتابة والتأليف، وقد راسل الصحف منذ تخرجه من مدرسة الحقوق، فكان يكتب سنة 1887م و1888م المقالات في مجلة “الآداب” للشيخ على يوسف. وله إلى جانب ذلك عدة مقالات أكثرها في “المؤيد” ثم في “اللواء”.
وفى نوفمبر 1898 أنشأ مجلة “الموسوعات” بالاشتراك مع الأستاذين أحمد حافظ عوض ومحمود أبى النصر، وهى مجلة علمية نصف شهرية، صدر العدد الأول منها في 15 نوفمبر 1898م، وله فيها عدة مباحث تدل على سعة إطلاعه وميله إلى البحث والتمحيص والإحاطة بالموضوعات التي كان يكتبها.

صورة تجمع بين الزعيم مصطفى كامل ورفيق دربه الزعيم محمد فريد

زعامة فريد للحركة الوطنية

وعندما توفي مصطفى كامل في 10 فبراير 1908م أصبح محمد فريد في موقع القيادة الوطنية، وتم انتخابه رئيسًا للحزب الوطني، فكان أول ما فعله محمد فريد هو اقتراح مشروع إقامة تمثال مصطفى كامل، وتجديد الاحتجاج على الاحتلال البريطاني عبر برقية يرسلها الحزب إلى وزير خارجية انجلترا.

الأمة مصدر السلطات

كما قام بمطالبة الخديو عباس حلمي الثاني بالدستور، فتلقى توقيعات من أفراد الأمة من العاصمة والأقاليم يؤيدون مطلبه، فثارت سلطات الاحتلال، فكانت هذه المطالبة عاملاً قوياً شاركت بنصيب كبير فى تفتيح الوعي الثوري من جديد لدى المصريين، وشجعهم على تكرار المطالبة بحقوقهم، وإعلان كراهية النفوذ الاستعماري والاستبداد، والتمسك بالمبدأ الذي صار أساس نظام الحكم في مصر، وهو  “الأمة مصدر السلطات”.

تأسيس مجلة الموسوعات

وفى نوفمبر 1898 أنشأ مجلة “الموسوعات” بالاشتراك مع الأستاذين أحمد حافظ عوض ومحمود أبى النصر، وهى مجلة علمية نصف شهرية، صدر العدد الأول منها في 15 نوفمبر 1898م، وله فيها عدة مباحث تدل على سعة إطلاعه وميله إلى البحث والتمحيص والإحاطة بالموضوعات التي كان يكتبها.

استقالته من منصبه سنة 1896م

في يولية 1896م أرسل اللورد كتشنر سردار الجيش المصري تلغرافاً سرياً من السودان إلى وزير الحربية بالقاهرة يخبره عن وقائع حملته على دنقلة وخسائر قواته، ويشكو من تأخر وصول الإمدادات لمواجهة المقاتلين السودانيين، كما يخبره عن تفشى وباء الكوليرا بين الأهالي. ففوجئت الحكومة- في مصر- بنشر نص البرقية في اليوم التالي بجريدة “المؤيد”، فجرى تحقيق سريع غاضب أسفر عن اتهام “توفيق أفندي كيرلس” الموظف بمكتب تلغراف الأزبكية- الذي تلقى البرقية- لأنه أبلغ أسرارها إلى الجريدة، كما اتهم أيضا “الشيخ على يوسف” صاحب الجريدة بالاشتراك في إفشاء أسرار الدولة، وكان محمد فريد وكيل نيابة الاستئناف، شهد القضية عند نظرها أمام محكمة عابدين، وأظهر بوضوح ميوله الوطنية وتعاطفه مع صاحب ” المؤيد” وجاهر بمعارضته للاحتلال وسياسته.

 

قضى الحكم الابتدائي ببراءة الشيخ على يوسف، وحبس توفيق كيرلس ثلاثة أشهر، ثم برأته محكمة الجنح المستأنفة، فاستشاط رجال الاحتلال غيظًا وسخطًا، وطلبوا من النائب العام نقل قاضى المحكمة إلى مرتبة أقل، وطلبوا أيضا نقل محمد فريد إلى نيابة بني سويف، على أن يكون مقره في مركز مغاغة الذي يبعد كثيراً عن المدينة، فلم يقبل محمد فريد أمر النقل، ورأى فيه تعدياً على استقلال القضاء، كما أنه يحمل إهانة شخصية وتعسفاً ومساساً بالمشاعر الوطنية، فقام بتقديم استقالته من منصبه، وقبلت على الفور فى22 نوفمبر 1896، واشتغل فترة قصيرة بالمحاماة ثم اعتزلها في أواخر عام 1904م ليتفرغ تماماً للعمل والجهاد ضد الاحتلال، وذلك بعد لقائه بالزعيم مصطفى كامل.
أمجد المحمدي

Exit mobile version