تاريخ علم التشريح قديمًا وحديثًا

ما هو التشريح ؟

دراسة الجسم ، هو مصطلح شائع يدل على التشريح. والمصطلح الحقيقي مشتق من الفعل اليوناني «anatomine»، وهو يدل حرفيًا على فعل القص والكشف عن داخل الجسم للشرح عنه. والوصف الأساسي لهذا الفعل يدل على فتح وتصنيف أجزاء الجسم الفردية لدراستها ووصفها. في الإسكندرية وتحديدًا مع بدايات القرن الثالث قبل الميلاد، أجري أول توثيق عملي لعملية التشريح على جسم الإنسان ما يدل على أنه أقدم علم في الطب. حتى ذلك الوقت كان علماء التشريح يستكشفون هذا العلم عن طريق تشريح الحيوانات وخاصة الخنازير والقرود.

كلوديوس غالين «١٢٩-١٩٩» كان الطبيب الأبرز في اليونان القديمة، والذي كانت تستند كل استنتاجاته على تشريح الحيوانات، وكانت له نظريات خاطئة عن تشريح جسم الإنسان لكن هذه النظريات كانت مسيطرة حينها حتى عصر النهضة، أي على مدار ١٠٠٠ عام.

شرح الصورة: تصوير محاضرة حول التشريح ، ١٤٩٣.

شرح الصورة: تصوير محاضرة حول التشريح ، ١٤٩٣.

كان تشريح الجسم البشري أمرًا نادرًا و استثنائيًا حينها، إذ كان الأستاذ يقرأ مراجع طبية في التشريح للطبيب الأرسطي الإغريقي غالين Galen «١٣١-٢٠١» بينما يشرّح المساعدون أو التلاميذ عمليًا دون الاهتمام بالنتائج. وعلى الرغم من أن الكنيسة لم تكن تمنع التّشريح بشكل واضح، إلا أنه كان من غير المقبول تشريح الجثة البشرية، إذ كانت ترفض السلطات الاجتماعية ذلك، هذا في القرن الثاني عشر وحتى الثالث عشر، وهو ما سبب تراجعًا في الأبحاث الطبية التشريحية.

أما في القرن الثالث عشر ومع بداية القرن الرابع عشر حدث تغير في النظرة لهذا العلم. ومع ذلك، كان التدريس في هذا المجال يعتمد بشكل أساسي على أعمال غالين دون التأكد من خلال التشريح الفعلي أو العملي.

شرح الصورة: أحد أشهر أعمال جون أرديرني John Arderne المختص في الفن وجراحة الجسد، وتظهر صورة تشريحية لجسم الإنسان في عام ١٤١٢م.

الحقبة المعاصرة : القرن الخامس عشر – السادس عشر

أحد أشهر رموز هذا العصر ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci، وهو أشهر فنان ومخترع في عصر النهضة وهو معروف حتى يومنا هذا، أجرى العديد من عمليات التشريح التفصيلية لجسم الإنسان والتي كانت الأساس في رسوماته التفصيلية والدقيقة في الإشارة إلى الجسم والأعضاء.

شرح الصورة: صورة تشريحية للفنان ليوناردو دافنشي سنة ١٥١٠م.

التشريح و الفن

ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci

المسكن الرخو والهزيل للروح، هكذا كانت النظرة للجسد في العصور الوسطى. لكن وخلال عصر النهضة، تعاظمت مكانة الجسد لجماله، وأصبح مصدرًا مهمًّا لإلهام الفنانين في ذلك العصر، فمن أجل الفن درس العديد من فناني عصر النهضة جسم الإنسان.

ولم يكتفوا بمراقبة المختصين في التشريح أثناء عملهم فحسب، بل استخدموا المشرط مباشرة لرؤية جمال وروعة وتفاصيل الجسم، وليس فقط الجسم والعضلات المصورة بطريقة أكثر واقعية بل بنية العظام والهيكل العظمي والجلد أيضًا. أهم هؤلاء ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci ومايكل أنجلو Michelangelo.

درس ليوناردو دافنشي بكل حماسة جسم الإنسان، ولم يكتفِ بالقليل فكان تحت جنح الظلام يتسلل إلى المقبرة ويسرق الجثث ليشرّحها ويستكشفها لتكون نموذجًا لتماثيله ولوحاته.

شرح الصورة: مايكل أنجلو وهو يقوم بعملية التشريح بنفسه.

شرح الصورة: من أعمال مايكل آنجلو جدارية في كنيسة روما، يظهر فيها شكل جلد الإنسان.

من القرن السادس عشر فصاعدًا

أندرياس فيزاليوس Andreas Vesalius، الاسم اللامع في عالم التشريح، تطور علم التشريح في عصر النهضة مع بدء أعمال هذا الجراح الشهير. يصف فيزاليوس ما يلاحظه أثناء عملية تشريح الجثث البشرية، العضلات والأوتار والأعصاب وصولًا إلى أصغر التفاصيل، واستطاع فيزاليوس إثبات أكثر من ٢٠٠ خطأ في أعمال غالين التشريحية. مع دراساته العلمية الشاملة عن الأجسام البشرية، لم يحدث الطبيب الشاب ثورة في علم التشريح فقط بل في علم الطب كله.

خلال عصر النهضة، لم يكن التشريح مهمًا بالنسبة للمجمع الطبي فحسب، بل كان مهمًا لشريحة واسعة من الناس أيضًا. ويظهر هذا واضحًا في الرسم التوضيحي في مقدمة الصفحة لكتاب أندرياس فيزاليوس المكون من ٧ مجلدات، بعنوان (إضاءة على بنية جسم الإنسان) سنة ١٥٤٣م. يظهر فيزاليوس في أداء تشريح في مسرح مزدحم. وكانت حياته في الحقبة بين ١٥١٤-١٥٦٤م.

تشريح جسم الإنسان

المسارح التشريحية في القرن السابع عشر

بنيت المسارح التشريحية في العديد من المدن، إذ سمحت للأغنياء والفقراء على حد سواء بمشاهدة التشريح مباشرة. كل ذلك كان بسبب زيادة الشغف بما يخص علم التشريح، بين الفنانين في عصر النهضة وحتى عامة الناس والأطباء، الجميع يريدون رؤية جسم الإنسان بأعينهم. تشريح الجثث autopsy وهو مصطلح متحدر من عبارة يونانية تعني: «أن ترى بأم عينك».

شرح الصورة: أحد مسارح التشريح في إيطاليا في أواخر القرن السادس عشر.

علم التشريح في القرن الثامن عشر

استخدم بعض علماء التشريح طرقًا فنية تشريحية متميزة حولت عينات من أعمالهم إلى تماثيل فريدة من نوعها. مثال على ذلك ما قدمه الطبيب والرسام هونوري فراغونارد Honoré Fragonard، إذ قدم عينات فنية فريدة كان يضخ مادة شمعية ملونة داخل الأوعية الدموية، وتجفف باقي الأنسجة وتعالج بالورنيش.
ولا تزال أعماله الفنية معروضة في مدرسة ألفورت الوطنية البيطرية Ecole Nationale Vétérinaire d‘Alfort بالقرب من باريس في فرنسا.

شرح الصورة: التماثيل التشريحية للطبيب و الفنان هونوري فراغونارد

في القرن الثامن عشر، أنشأ الفنانون التشريحيون أول عينات كاملة من الجسم، وهي مجففة وملونة، بعض تلك العينات تحتوي على الخلائط المعدنية التي تذوب وتحقن في الشرايين بينما لا تزال ساخنة.

التشريح الحديث : القرن التاسع عشر – العشرين

سمح بدراسة تشريح الأعضاء البشرية بعد وضع مبادئ التشريح البشري المجهري، بهذا أصبح علم التشريح أكثر تخصصًا، والتشريح المجهري فتح الباب لإنجازات ومنح تشريحية عالميًا.

الاهتمام العام بعلم التشريح لم يتبدد على مدى القرون، فحتى القرن التاسع عشر، عندما أصبح علم التشريح علمًا متخصصًا، استبعد الجمهور من مشاهدة التشريح بشكل علني.

هنا ظهر الدور الناجح لمعارض عوالم الجسم والتي انتشرت حول العالم في إحياء ثقافة التشريح العلني، وإلهام الملايين من الناس بالاهتمام بهذا العلم عن طريق عرض المجسمات التي تحاكي عمليات التشريح الحقيقية.

المصدر

Exit mobile version