سوجاتا ميترا .. وبيئات التعلم ذاتية التنظيم تنضج الأفكار

 

سوجاتا ميترا .. وبيئات التعلم ذاتية التنظيم

بقلم : د . مجدي سعيد

تنضج الأفكار وتكتمل النظريات إلى كانت في حوار دائم مع التجريب في أرض الواقع، هذا ما أتبينه يوما بعد يوم من قراءة التجارب الإبداعية الخلاقة التي تسعى لتغيير الواقع عبر تلبية الاحتياجات أو حل المشكلات، فإذا أردت تغيير الواقع فما عليك إلا أن تتأمله، وتتفكر فيه، حتى تخرج بأفكار فرضية لتغييره، عبر أفكار إبداعية خلاقة، ثم عليك بأن تختبر تلك الأفكار في أرض الواقع، من خلال النقاش مع المعنيين بالمشكلة أو الاحتياج، وعبر اختبار وتجريب ما توصلت إليه من خلال النقاش، حتى  تصل إلى أفكار أكثر نضجا، وأكثر اكتمالا، فتتنزل بها على أرض الواقع مرة أخرى، وهكذا حتى تثبت الأفكار جدواها. لا تختلف تجربة البروفيسور سوجاتا ميترا Sugata Mitra أستاذ تكنولوجيا التعليم بكلية التعليم والتواصل وعلوم اللغة بجامعة نيوكاسل في هذا عن تجربة البروفيسور محمد يونس سواء في القروض متناهية الصغر أو الشركات الاجتماعية، كلها نضجت على نار هادئة عبر سنوات من الفكر والعمل.

ولد الدكتور سوجاتا عام 1952 لأسرة بنغالية تعيش في كلكتا بالهند، وحصل على الدكتوراه في فيزياء المواد الصلبة من المعهد الهندي للتكنولوجيا، عمل بالبحث العلمي والابتكار في مجالات نظم تخزين الطاقة، وأشباه الموصلات العضوية، وشبكات الكمبيوتر، والعلوم المعرفية وتكنولوجيا التعليم. وقد قاده اهتمامه بالعقل البشري إلى مساحات التعلم والذاكرة. بداية من عام 1999 بدأ تطبيق بعض أفكار الخاصة بـ “التعليم الأقل تدخلا”، وقد بدأ تحديدا بمبادرة “ثقب في الجدار”، حيث وضع جهاز كمبيوتر في كشك محفور له في جدار ليكون متاحا أمام الأطفال في أحد المناطق العشوائية الفقيرة في الهند (وهي التجربة التي كررها بعد ذلك في 23 مكانا آخر بالهند، ثم كررها في كمبوديا)، وقد أثبتت تجربته أن مجموعات الأطفال أيا كانوا وأيا كان مكانهم قادرون بمفردهم ودون الحاجة إلى معونة من أحد، على تعلم الكمبيوتر والإنترنت في حالة وجود أجهزة كمبيوتر عامة في أماكن مفتوحة كالطرق والملاعب، حتى دون أن يعرفوا كلمة واحدة باللغة الإنجليزية، وقد حاز سوجاتا على جائزة ديوانج ميهتا Dewang Mehta Award في الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات على ورقته البحثية التي نشرها عام 2005 حول تجاربه في هذا المجال.

تعرضت تجربة ونظرية سوجاتا ميترا للانتقادات على اعتبار أن ترك أجهزة الكمبيوتر في القرى هكذا لن يعلم الأطفال الرياضيات ولا المهارات الأخرى، وأن الأجهزة إذا وضعت هكذا ستكون إما عرضة لسيطرة الأولاد الكبار عليها واستبعاد الفتيات منها، أو أنها ستكون معرضة للعطب ومن ثم الهجران إلا إذا وضعت في داخل بعض المؤسسات كالمدارس مثلا، إلا أن تلك الانتقادات لم تمنع فوز تلميذ في الثانية عشرة من عمره بالمركز الأول في الرياضيات على مستوى المكسيك، حينما طبقت إحدى المعلمات طريقة سوجاتا التعليمية الثورية في فصلها الذي حقق باقي تلاميذه نتائج باهرة في ذلك الامتحان.

لم يمنع ذلك سوجاتا أيضا من أن يطور أفكاره وطريقته من “ثقب في الجدار” إلى مدارس في السحاب” وذلك خلال الفترة من عام 1999 حتى عام 2014، وتبقى الحقائق الثابتة في تلك الطريقة:

لا ينبغي أن تتوقف أفكارنا وتجاربنا في إصلاح وتطوير أساليب وطرق وبيئات التعلم، بحثا عن مردود أفضل لأطفال أكثر قدرة على ريادة وقيادة سفينة الحياة المعاصرة بنجاح.

 

لمزيد من المعلومات:

صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيسبوك

Exit mobile version