مارك زوكربيرغ.. الملياردير صاحب “القميص الواحد”!

 

 

 

مارك زوكربيرغ، مؤسس وصاحب “فيسبوك” موقع التواصل الاجتماعي الأول عالميا، واحد من أشهر الشخصيات في العالم الآن، وأكثرهم غرابة وتواضعا وإثارة للجدل، فقد بلغت ثروته بحلول منتصف هذا العام نحو 35 مليار دولار، ولكن الملياردير الشاب بلغ من التقشف و”الزهد” حد إصراره على ارتداء قميص قطني “تي شيرت” واحد في معظم المناسبات، وكأنه لا يملك غيره، بدعوى أن هذا القميص البسيط يوفر له بعض الوقت في الصباح!

وعندما سُئل عن السبب الذي يدفعه لارتداء القميص الرمادي نفسه في كل مرة يخرج فيها للعلن، قال إن “أكثر ما أحبه هو أن أضع خططا وحلولا تقنية تساعد الناس في تبسيط حياتهم، لذلك لا أشغل نفسه بأمور ثانوية وغير مفيدة مثل ملابسي”.

نجح زوكربيرغ” في التغلب على الصعوبات التي واجهته  على مدار أعوام طويلة، حيث بدأ الموقع في صورة شبكة صغيرة مغلقة للتواصل بين طلاب جامعة “هارفارد”، ليصير في غضون أعوام قليلة الموقع الأكثر عالمية على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” والذي يضم حاليًا أكثر من 1.5 مليار مستخدم على مستوى العالم.

بذرة “فيسبوك”

ولد “زوكربيرغ” في 14 مايو “آيار” 1984م بمدينة نيويورك الأمريكية، لأسرة يهودية، وكان أبوه طبيب أسنان وأمه طبيبة نفسية، وله ثلاثة أخوات هن “راندي ودونا وآريال”.

تطورت اهتمامات “مارك” بالكمبيوتر منذ طفولته المبكرة وخاصة وسائل الاتصال والألعاب، حيث قام عام 1996 وكان عمره وقتها 12 عاما بتطوير العديد من الألعاب والبرامج، كان أولها برنامج للتواصل سماه “زوكنت” نسبة إلى لقبه، وهو يعد بمثابة بذرة “فيس بوك” التي بدأت تتشكل في عقل الصبي النابه، حيث ابتكر آنذاك شبكة تواصل بـ”مقياس مصغر” كما وصفها فيما بعد، لمساعدة والده طبيب الأسنان في عمله، ولكي يوفر عليه عناء الصعود والنزول من عيادته في الطابق السفلي من المنزل إلى الطابق الأعلى، وكانت أسرته تستخدم هذه الشبكة في التواصل فيما بينها.

بدأ “مارك” ” هوايته التي تحولت إلى عمل في مجال المعلوماتية والبرمجة، عندما كان طالبا فى المرحلة الإعدادية بابتكار مشغل موسيقى يدعى “الوصلة العصبية” يستخدم الذكاء الاصطناعي لمعرفة عادات المستخدم في الاستماع. وحاولت شركة “مايكروسوفت” أن تشتري منه هذه الوصلة بمبلغ كبير، وأن توظفه لديها، لكنه رفض الصفقة والعمل، وفضل أن يتيح تحميلها للجميع بالمجان.

وأثناء دراسته الثانوية، طوَر “مارك” وزميل له يدعى آدم ننجلو برنامجاً جديدا يعمل كميزة اضافية لمشغل الصوتيات “إم بي 3” المشهور باسم “وينام”، وبعد نشرهما للبرنامج مجانا على الانترنت فأثار الابتكار اهتمام كبرى الشركات الأمريكية العاملة في هذا المجال وعلى رأسها “مايكروسوفت” التي حاولت شراء حق تصنيعه تجاريا، لكن “مارك” وزميله رفضا هذا العرض أيضا.

وعندما لاحظ والد “مارك” شغف ابنه بالتكنولوجيا، جلب له أستاذ متخصصا في هذا المجال، كان يأتي مرة كل أسبوع لتعليم الصبي وتطوير موهبته. وقد صرح معلم “مارك” الخصوصي لأحد المحررين فيما بعد، أنه “كان من الصعب البقاء مع هذا الطفل العبقري وتعليمه، لكونه منذ طفولته كان سباقاً دائما إلى كل جديد”.

وفي عام 2002، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية، التحق “زوكربيرغ” بجامعة “هارفارد” الشهيرة، الجامعة رقم واحد في العالم، حيث طور برنامجا إلكترونيا تحت اسم “فيس ماش” لمساعدة الطلاب على اختيار صفوفهم الدراسية بناء على اختيارات وتوصيات من الطلبة السابقين في الجامعة.

وكانت وظيفة هذا البرنامج هو مقارنة صور الطلبة واتاحة التصويت لهم بناء على “جاذبية” صاحب أو صاحبة الصورة، وزادت شهرة “الفيس ماش” في الجامعة بصورة كبيرة إلى أن تم إلغاؤه نهائيا من قبل إدارة الجامعة لأسباب تأديبية!

وعمد الشاب بعد انتهاء دراسته الجامعية لتغيير اسم موقعه إلى “فيس بوك”، بمعنى “كتاب الوجوه”. وبدلا من أن يكون مخصصا للطلبة فقط، أتاح الدخول عليه لجميع الناس، ويقول “مارك” عن موقعه هذا إن “فيس بوك لم ينشئ في الأصل ليكون شركة، لقد وُجد لإنجاز مهمة اجتماعية وهي جعل العالم أكثر انفتاحا (…) لقد بدأت إطلاقه من غرفة نومي، واستأجرت السيرفر الخاص بالموقع مقابل 85 دولارًا شهريًا، وقمت بتمويل نفسي عن طريق وضع إعلانات على الموقع”.

وفي يونيو “حزيران” من عام 2004، تخرج “مارك” في الجامعة وقرر إنشاء شركته الخاصة في ولاية كاليفورنيا تحت نفس الاسم “فيس بوك”، وذلك بعد أن وصل عدد مستخدمي الموقع إلى مليون شخص، وأصبح يدر عائدا إعلانيا كافيا لأن يصبح شركة ذات طابع تجاري.

وتلقى الشاب في عام 2005 عونا هائلا لشبكته على شكل استثمار بقيمة 12 مليون دولار من شركة “آسيل”، فازداد عدد المستخدمين الى 5.5 مليون حول العالم.

بليونير بالصدفة

ولقي “زوكربيرغ” صعوبات وعراقيل كبيرة، كما لقي انتقادات حادة خلال مسيرته من طالب جامعي إلى ملياردير، ففي عام 2009  نشر الكاتب الأمريكي بن مزريتش كتابا بعنوان “بليونير بالصدفة” هاجم فيه مؤسس “فيسبوك” بضراوة،  وادعى في هذا الكتاب أن “مارك” لا يمتلك أي مقومات للنجاح، وأنه أصبح غنيا ومشهورا بمحض المصادفة!

غير أن الشاب لم يلتفت يوما إلى أي هجوم عليه، بل واصل مسيرته الناجحة حتى صار واحدا من أهم الشخصيات وأكثرها تأثيرا على كوكب الأرض، خصوصا بعدما تحول “فيس بوك” على مدار الأعوام الماضية منذ انطلاقه من مجرد موقع تواصل اجتماعي إلى أداة  تفاهم ذات طابع عالمي، بل أسهم في إحداث تغييرات سياسية كبرى في بعض بلدان العالم.

وعلى الرغم مما فعله من انتهاك لخصوصية الجديد عبر شبكة فيس بوك، مارك زوكربيرج في النهاية يحب خصوصيته، مثل معظم كبار التقنيين الآخرين، هو أيضاً يتمتّع بالعيش في منازل عادية نسبيّاً في إحدى الضواحي العادية أيضاً – هو عادي بالنسبة لأولئك الذين يقطنون في وادي السيليكون! – إنّه في واحدٍ من أجمل الأحياء في بالو ألتو، حيث انتقل إلى هُناك منذ بضعِ سنوات مضت.

لنخمّن معاً، ما الذي فكّر فيه زوكربيرج عندما اكتشف أن واحداً من المنازل المجاورة له على وشك أن يتم هدمها، وسيتم بناء منزل آخر مكانه؟ حسناً، إذا كنتم تفكرون بقيامه لشراء جميع المنازل الموجودة حوله، أهنّئكم، أنتم على حقّ!

قرَّرَ زوكربيرج أنه بدلاً من أن يتعامل مع هذا الصَّخَب الذي سيدور حوله ولا يدري متى ينتهي، قال إنه سيقوم بشراء كافَّة المنازل الأربعة المُحِيطة به، وذكر أنه لا يُخطِّط لفعل أي مشاريع بها، بل سيقوم بتأجيرها إلى أصدقائه السابقين، لكنه سيكون بذلك حظي ببعضٍ من راحة البال.

زوكربيرج دفع مُقابل بيته 7 ملايين دولار، ولكنه سيدفع أكثر من 30 مليون دولار للأربعة الأخرى، وتم بيع واحداً منهم بالفعل له مُقابل 14 مليون دولار، إنه أغلى منزل في هذا الحي بالرغم من كونه لا يستحق كل ذلك المال، إلا أنه على ما يبدو أن زوكربيرج سعيداً بذلك.

وهو يقول عن نفسه “هناك أشخاص لديهم موهبة الإدارة، وهم الذين يستطيعون إدارة منظمة كبيرة، ثم هناك أناس لهم قدرات تحليلية أو رؤية استراتيجية، وأنا أضع نفسي في المعسكر الأخير”.

وعن أبرز المعوقات التي واجهته في تأسيس “فيس بوك” قال أنه حينما بدأ بالعمل، لم يكن في نيته تأسيس شركة، إلا أن ما دفعه للتفكير في الشركة، هو آراء المحيطين به. إذ إن الشركات التي يؤسسها أكثر من شخص واحد هي الأنجح، ولم يعتقد يوما أنه قادر على إدارة شركة كهذه لوحده.

وفي سنة 2010، صنفت مجلة “فانيتي فير” موقع “فيسبوك” كأفضل شركة جديدة، كما اختارت مجلة “تايم” الأمريكية “زوكربيرغ” كـ “شخصية العام”، ورأت المجلة أنه ساهم من خلال موقع “فيسبوك” الشهير في تغيير حياة مئات ملايين البشر والمجتمع بالكامل، وفي خلق نظام جديد لتبادل المعلومات والتواصل، فلم يعد “فيسبوك” موقعاً للتواصل الاجتماعي فحسب وإنما تحول إلى منصة إخبارية عالمية واسعة ومنبراً للتعبير عن آمال الشعوب ومطالبها.

وطرح “زوكربيرغ” أسهم شركته للاكتتاب العام، حيث ارتفعت أرباح الشركة حوالي 16 مليار دولار على الفور، ما جعلها أكثر شركة في العالم تتخطى حاجز 10 مليارات دولار من الطرح العام الأولي لأسهمها في البورصة الأمريكية.

وفاجأ زوكربيرغ أصدقاءه عام 2011 عندما عقد قرانه على صديقته لمدة تسع سنوات “بريسيللا تشان” صينية الأصل، في حفل زفاف متواضع يعكس شخصيته في منزله بمدينة بالو ألتو في كاليفورنيا أمام 100 شخص فقط من المدعوّين، الذين جاؤوا أصلاً للاحتفال بتخرج صديقتهم “تشان” من كلية الطب، إلا أنهم فوجئوا أن اليوم هو يوم زفافها!

ومن الطريف أن “مارك” طالب بالحصول على راتب بقيمة دولار واحد فقط مقابل عمله، الذي لا يشمل بالطبع الحوافز الأخرى التي يحصل عليها وتقدر بـ653,164 دولار، والتي تغطي معظمها فواتير الطائرات الخاصة التي يستأجرها.

وحل “زوكربيرغ” خلال العام الماضي في المركز الحادي والعشرين في قائمة أغنى أغنياء العالم بثروة بلغت قيمتها آنذاك 28.5 مليار دولار، وهي القائمة التي تصدرها مواطنه بيل غيتس رئيس شركة مايكروسوفت بثروة بلغت 76 مليار دولار.

وقبل بضعة أشهر قال مؤسس “فيسبوك” في مقابلة مع مجلة “فاست كامبني” الأمريكية، إن “موقع التواصل الاجتماعي الشهير سيصبح أكثر ذكاء من البشر.

وأضاف “زوكربيرغ” أنه “في غضون من خمس إلى عشر سنوات يمكن للفيسبوك أن يتفوق على البشر عن طريق الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي”.

ويسعى مؤسس “فيسبوك” إلى أن يصبح موقع التواصل الاجتماعي أفضل إمكانيات من البشر، من حيث الرؤية والسمع واللغة والإدراك العام من خلال الاستفادة من الكم الهائل من بيانات المستخدمين.

ويعتمد “فيسبوك” في آليته المستقبلية على تطوير برمجيات، يمكنها تحليل بيانات مستخدمي الموقع مما يمكنه من فهم مستخدميه جيدًا، لكي يصبح مارك زوكربيرغ، الملياردير صاحب “القميص الواحد”، أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في عالمنا الآن، بثروة بلغت هذا العام أكثر من 35 مليار دولار.

Exit mobile version