مراحيض تحوّل الفضلات إلى كهرباء تضيء المنازل

مراحيض تحوّل الفضلات إلى كهرباء تضيء البيوت

 

 

مراحيض تحوّل الفضلات إلى كهرباء تضيء البيوت  – إذا نطقت بأحد الكلمات العامية المعبرة عن “الفضلات” فجأة في مكان عام، مثل مدرج أو مطعم، فإن كل المحيطين سوف يرمقونك بنظرة تقزز واشمئزاز هائلة، كشخص غير محترم وغير مهذب، لكن هذه الرفاهية ليست موجودة بالتأكيد في أماكن أخرى من العالم، حيث لابد أن تصطدم عينك بأربعة عراة على الأقل يقومون بأداء حاجتهم في كل مرة تخرج منها من البيت، تحت شجرة أو بجانب حائط، أو بداخل مياه ترعة أو نهر، ليس بسبب نزوعهم إلى الحيوانية مثلاً أو أي شئ من هذا القبيل، بل إنه الخيار الوحيد المتاح لهم، في ظل دول لا توجد في بيوتها حمامات من الأصل!

الأمر ليس مجرد حالات قليلة، بل إن 2.5 مليار شخصاً في العالم يحمل هم الذهاب لقضاء الحاجة، بسبب وجودهم في أماكن تفتقر لأنابيب الصرف الصحي والمياه الجارية، التي يحتاج بناؤها لإقامة بنية تحتية مدروسة ومكلفة وطويلة الأمد، وهو ما يضطر الأشخاص لقضاء حاجتهم في أي مكان أو في الحمامات العامة، وإلا فالبديل هو وجود حمام في البيت، تتراكم فيه الفضلات، والرائحة والحشرات والأمراض، ويضطرون لتفريغه بالشاحنات كل أسبوع، مع تناثر الحمولة أثناء النقل، ما جعل هذه الأمكنة، الاختيار المفضل لأخطر الأمراض وأفتكها، مكان لا تأمن فيه الأمهات على صحة أطفالهن، ولا تأمن فيه النساء على أعراضهن أثناء الرحلة الاضطرارية، والمخيفة إلى دورات المياه العامة.

 

 

 

كل هذه الأسباب كانت دافعاً قوياً لمؤسسة “بيل وميليندا جيتس” الخيرية، التابعة لبيل جيتس، كي تعلن تحدياً كبيراً للعالم سمته “إعادة اختراع المراحيض”.

فريق علماء بريطانيين التقط شعلة الفكرة ووجد الإلهام في أطروحات الفرق التي فازت بالتمويل في المنافسة الأولى، ليقدموا في عام 2012 أطروحتهم الخاصة، التي فازت بمنحة تمويل من مؤسسة جيتس الخيرية تقدّر بـ710,000 دولاراً، حين نجحت في التغلب على معادلة مستحيلة لا ماء فيها، ولا كهرباء، ولا مال.

 

الفيديو الترويجي للمرحاض الجديد قدِّم بشكل كرتوني غاية في البساطة، تظهر في الفيديو فتاة صغيرة تقول إن أمها قالت لها “لا تكوني ساذجة، لا يوجد ماء، ولا صرف، كيف يمكن أن يكون لنا حمامنا الخاص؟”، الفتاة الصغيرة تحكي بطفولية، أنه في يوم ما، جاء رجل لطيف يقود شاحنة، يحمل مرحاضاً لامعاً، تظهر صورة خريطة غانا على الشاشة، ويحكي الرجل أن الفكرة أتت من بريطانيا، ثم تظهر الشخصية الكرتونية الثالثة على شكل عالم مبتسم، يحكي فكرة المرحاض ببساطة.

 

يقوم المرحاض على قعر قابل للدوران ما إن ينتهي الشخص من قضاء حاجته، ليدور بمقدار 270 درجة ويراكم الفضلات في مكان خاص بالأسفل، بعد ذلك تقوم أداة كاشطة بمسح أي شئ تبقى على القعر، ليعود إلى وضعه الأول، ثم تتبقى الفضلات الصلبة في القاع، بينما ترتفع السوائل إلى الأعلى. كلمة سر العمل بعد ذلك قائمة على أغشية رقيقة تسمى الأغشية النانوية، قام العلماء بترتيبها على شكل حزم مجوفة في الحاوية السفلى، فهي تقوم بتصفية الفضلات من بخار الماء، لتضعه في الأنبوب الرأسي المثبت بشكل عمودي على ظهر المرحاض.

 

العلماء لم يوفروا مرحاضاً فقط للفقراء، ففكرة تصفية بخار الماء، ثم تمريره عبر حبيبات مكثفة، تحوله إلى ماء صافي، يتم تخزينه في خزان، يعطيهم إمكانية استخدامه بعد ذلك في التنظيف، أو ري النباتات في الحديقة.

 

الفريق كان قد وضع خطته للاستفادة بكل تفصيلة، ولذلك لم يفوت فرصة استغلال الفضلات الصلبة، عندما صمم طريقة لرفع هذه الفضلات وضغطها وتخزينها في حاوية منفصلة تابعة للمرحاض، حيث يتم عزل رائحتها بشكل كلي عبر شمع لعزل الروائح، ثم تترك لتجف، ليقوم عامل مختص بزيارة كل بيت أسبوعياً لتفريغ الفضلات الصلبة والمياه، وتجديد بطاريات المرحاض، بعد ذلك يأخذها إلى مصانع معالجة حرارية، حيث يتم تحويلها إلى طاقة، يمكن أن تستخدم لإضاءة البيوت أو شحن الهواتف. أما بالنسبة للرماد المتبقي، فيمكن استخدامه كسماد للنباتات.

 

القصة لم تنته

التحدي الذي واجه الفريق بعد ذلك كان في تنزيل هذه الفكرة على الواقع، وتسويقها وتنفيذها، لكنهم قاموا بوضع خطة بالفعل لتجربة هذه المراحيض الذكية، وكان المكان الأول المختار لتحقيق هذا الاختبار: غانا.

 

فريق جامعة كرانفيلد البريطانية وجد إن المرحاض سوف يكون مكلفاً بالنسبة لأشخاص يرزحون تحت الفقر المدقع، لهذا فكر في خطة تسويق قائمة على تأجير هذه المراحيض للسكان، من قبل وكلاء مرخصين في المنطقة، مقابل سعر تأجير ثابت، وبهذا تكون المنفعة متبادلة، كما إن الوكلاء سوف يستفيدون من أتعاب الصيانة المستمرة واستبدال البطاريات والمعدات المستمر.

 

هذا الأسلوب تمت تجربته وسجل نجاحاً فعلياً قبل ذلك، كما قالت خبيرة المياه والصرف، الأستاذة أليسون باركر العاملة في الفريق، فقد قام فريق “كلين تيم” بطريقة عمل مشابهة ناجحة، قام فيها بتأجير مراحيض محمولة لسكان منطقة “كوماسي” في غانا، مقابل أن يستلموا منهم أتعاباً لجمع الفضلات مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع، وقد نجحوا في وضع 700 مرحاضاً في البيوت حتى الآن، يستفيد منها حوالي 4,500 شخصاً. الأستاذة باركر سجلت ملاحظتها أيضاً عن برنامج آخر ناجح في مدغشقر، لفريق يسمى “لووات”، والذي يطلب مقابلاً زهيد الثمن عن خدماته، تقوم فكرة هذا الفريق على نظام هضم لا هوائي للفضلات، ويدفع الزبائن دولاراً وعشر سنتات في الأسبوع لاستبدال قطع الغيار القديمة. الأستاذة قالت إن كل مرحاض ذكي سوف يفيد ما يصل إلى 10 أشخاص، دون أن يكلفهم أكثر من 5 سنتات في اليوم الواحد، وسوف تبدأ التجربة على الأرض مؤخراً هذه السنة، ويتوقع أن تستغرق 3 سنوات.

 

الفريق لم يخرج كل ما في جعبته بعد: خطط تنتظر

مصممو المرحاض الذكي قالوا إن تصنيع هذا المرحاض محتمل التكلفة، فالأغشية النانوية المجوفة المستخدمة فيه يمكن الحصول عليها من أي مكان، دون الحاجة لصناعتها خصيصاً، بسبب استخدامها الحالي في صناعات مثل أكسجة الدم وعملية نيتروجين البيرة. يمكن للفريق أيضاً أن يسير على خطى فريق RTI والذي يقوم بمشروع مشابه في الهند، بتوحيد حجم خزانات المراحيض الذكية التي قام بتصميمها، وبذلك يجعل المعايير ثابتة، لإبقاء التكلفة أقل ما يمكن، وبهذا نجح في الاقتراب من تحقيق شرط مؤسسة جيتس الخيرية، بألا يكلف المرحاض الشخص أكثر من خمسة سنتات كل يوم.

 

الأستاذة باركر قالت إن الفريق سيكون عليه حل مشكلة اختلاف الثقافات أيضاً، فحتى لو تقدم بشكل كافٍ وأحرز المكانة الأكثر تقدماً وقوة والأرخص كلفة، فسوف تبقى هناك مشكلة الأعراف الاجتماعية والعادات الثقافية التي تمنع الناس من استخدامه، طلب أفريقيا مثلاً، عالٍ على المراحيض الغربية ذات المقاعد، أما في آسيا، فهم ما يزالون يفضلون مرحاض القرفصاء.

 

الفريق فاز مؤخراً بترشيح التصفيات النهائية للابتكارات في معرض “كلين تيك”، أي التكنولوجيا النظيفة، والذي تنظمه شركة “إيكو كونكت CIC “؛ التي تقوم بتوصيل الأشخاص والشركات الذين يعملون في صناعات تخفض الانبعاثات الكربونية، بأشخاص آخرين يمكنهم أن يقدموا التمويل، والدعم التجاري، وخبراء الصناعة، والتسويق، هذه الخطوة كانت فارقة بالنسبة للفريق، الذي قال إنه مسرور بجلب هذه المؤسسة لابتكاره الذي سيغير حياة ملايين الناس، تحت بقعة الضوء.

 

إذا سارت الأمور بالشكل المطلوب، فإن هذا المرحاض الذكي قد يجد طريقه إلى أماكن مهمة وحيوية، مثل الجيش، مواقع البناء والتشييد، اليخوت، أو مخيمات اللاجئين والسجون.

 

 

Exit mobile version