منسوجات رخيصة بلا ميكروبات

“منسوجات رخيصة بلا ميكروبات ولا بكتريا”، حلم راود الدول النامية لأزمنة طويلة، خاصة مع عدم امتلاكها القدرات المادية لاستيراد تلك المواد غالية الثمن، وهو أيضا ما دفع بفريق علمي بكلية النسيج بجامعة نورث كارولينا، لإنتاج مواد ومعالجات جديدة صديقة للبيئة، تعمل على إكساب المنسوجات مقاومة عالية ضد البكتريا بمختلف أنواعها، والهام في ذلك البحث هو تعدد استخدامات مثل تلك المنسوجات، حيث تدخل في صناعة تجهيزات المستشفيات، ومتعلقات الأطفال، وصولا إلى منتجات تخدم الأغراض العسكرية والعديد من الاستخدامات المثمرة.

وقد شارك في الفريق العلمي العالمي الدكتورة سميحة أبو العلا، الباحثة بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة، كما ضم الفريق العلمي ريتشارد كوتك الأستاذ بكلية النسيح بجامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية، وكيرتس وايت ممثلا لواحدة من كبرى الشركات المتخصصة في هذا المجال، وجون كيم الأستاذ بكلية النسيج بجامعة يونجنام بكوريا الجنوبية.

من المرضى إلى الجنود

وتدخل المنتجات النسيجية المقاومة للميكروبات في صناعة خيوط العمليات الجراحية والضمادات ومفروشات أسرة المرضى وسائر المفروشات بالمستشفيات، وكذلك كل ما بداخل غرف العمليات من أنسجة سواء بالأرضيات أو الحوائط أو وصلات الأجهزة الطبية وأجهزة التكييف وغير ذلك، كذلك تدخل تلك النوعية من المنسوجات في صناعة لعب الأطفال حديثي الولادة وحفاضات الأطفال وملابسهم وكل ما يلامس جلودهم الرقيقة.

هذا بالإضافة للأهمية البالغة للمنسوجات المقاومة للميكروبات لخدمة الأغراض العسكرية، حيث ينتج منها ملابس داخلية وجوارب، تتناسب مع طبيعة الظروف المحيطة بالجنود، من مناطق ملتهبة وفترات إقامة طويلة، كما تتيح مقاومة أكبر لخطر التعرض لهجوم بالأسلحة البيولوجية.

ومن جانب آخر فإن مزايا المنتجات النسيجية المقاومة تتخطى ذلك لتمتد إلى حماية المنسوجات نفسها أيضا من التلف الذي تسببه بعض الفطريات وتحميها من القوارض والحشرات مما يساعد على حفظها بحالة جيدة لمدد طويلة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن الاستثمار في مثل تلك المجالات المتقدمة يتيح فرص عمل حقيقية ذات دخول مرتفعة.

تعدد الطرق وانتقاء الأنسب

وحول الطرق التي يتم بها معالجة الأنسجة لجعلها مقاومة للبكتريا، أوضحت الدكتورة سميحة في مقابلة أجرتها معها شبكة إسلام أون لاين.نت بعد عودتها للقاهرة أن طرق المعالجة والمواد المستخدمة تتنوع تبعا للاستخدام النهائي للمنتج وما إذا كان سيتم استخدامه داخل جسم الإنسان أو خارجه، فالخيوط الجراحية المستخدمة داخل جسم الإنسان يراعى فيها أن تكون قابلة للذوبان، بينما لا يشترط الأمر ذاته في المنسوجات التي تستخدم خارج جسم الإنسان، وهنا تبرز ضرورة البحث عن طرق معالجة جديدة، يراعى فيها تخفيض التكاليف لتوفير المنتجات بأسعار معتدلة.

وتؤكد الدكتورة سميحة أنه يمكن معالجة المنسوجات وجعلها مقاومة للبكتريا سواءً كانت ذات ألياف طبيعية أو صناعية، فالألياف الطبيعية كالقطن، والكتان، والصوف، والحرير الطبيعي تحتوي على مجاميع فعالة، تكفل إجراء التفاعلات الكميائية التي تؤدي إلى إكساب هذه الألياف الخواص المرغوبة بمجرد توافر التكنولوجيا اللازمة لذلك.

ويزداد الأمر صعوبة في المنسوجات الصناعية كالنايلون والبولي إيستر كما توضح الدكتورة سميحة، إذ يتطلب معالجتها إجراء عمليات تحوير كيميائي لها لتكتسب خاصية المقاومة للميكروبات، وتأخذ تلك العمليات عدة أشكال، فعلى سبيل المثال هناك المعالجة بالفضة المعروفة بمقاومتها العالية للميكروبات، فقد شكل إدخال أيونات الفضة إلى الألياف الصناعة التحدي الأكبر الذي واجه الفريق العلمي الذي شاركت فيه الدكتورة سميحة، وانطلاقا من ذلك قام الفريق باستخدام العديد من التركيبات الكميائية والتقنيات للوصول إلى الهدف حتى توصلوا إلى أن حجر الزيوليت وهو مادة غير عضوية تتكون من الصوديوم وسليكات الألومنيوم، وتوجد في الطبيعة على هيئة أملاح أو أكسايد صخرية في شكل حبيبات صخرية.. إنه يحقق عند تحميله بأيونات الفضة نفس النتائج التي يحققها مستحضر آخر تنتجه الشركة المشاركة بمشروع البحث، وفي نفس الوقت لا ينتج عن إضافته للبولي إستر -خلال مرحلة الغزل بالمغازل- أي تدهور في الخواص الميكانيكية للألياف أو الشعيرات المنتجة؛ وبالتالي الأقمشة المصنعة منها.

البديل السليم.. تقنية موفرة

وكبديل عن تلك التقنية المكلفة، تقدم الدكتورة سميحة أبو العلا تقنية أخرى، تمتاز بسهولة استخدامها لمعالجة الأقمشة الصناعية وإكسابها خاصية المقاومة للميكروبات، وهي طريقة تقليدية، تعتمد على غمر القماش في محلول يحتوي على مركب خاص، يتكون من مجموعة أمونيوم رباعية محملة على ذرة سليكون، وبعد غمر القماش في أحواض خاصة مجهزة لذلك، يتم عصره لتخليصه من المحلول الزائد وتجفيفه، وبهذه الطريقة البسيطة يغطي المركب الذي يحتوي عليه المحلول سطح القماش ويكسبه الخاصية المطلوبة.

كما أن المعالجة بهذا المركب تتم بأخف تركيز له، وتستمر قدرة القماش على مقاومة الميكروبات بعد غسله عدة مرات، وتؤكد دكتورة سميحة أنه فضلا عن إعطاء القماش مقاومة عالية ضد البكتريا، فإن هذه الطريقة تؤدي أيضا إلى التحسين من خواص الأقمشة المصنوعة من البولي إستر، وجعلها ذات قدرة أكبر على امتصاص الماء، بجانب المفعول المتميز لها على الصباغة، حيث تحسن شدة اللون ولا تؤثر على متانة القماش.

ومن بين كل تلك المزايا فإن “وفرة التكاليف” هي أهم ما يميز هذه المعالجة، إذ يستخدم المحلول في المعالجة مرات متعددة دون أن يفقد تأثيره أو تقل فاعليته.

توفر الإمكانات

وفي المقابل يرى الدكتور نبيل عبد الباسط إبراهيم رئيس شعبة بحوث الصناعات النسيجية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة، أن تلك التقنيات على بساطتها، وامتلاك القدرة على تنفيذها محليا، فإن تطبيقها على المستوى الصناعي يتطلب العديد من المقومات غير المتوافرة حاليا، والتي يصعب توافرها لدولة نامية منفردة، حيث تتطلب تلك التجهيزات وجود صناعة كيماوية وبتروكيماوية متقدمة، فالبتروكيماوية لإنتاج البوليمرات، التي يصنع منها عجينة البولي إستر، وهي المرحلة التي يتم خلالها عملية التجهيز لإكساب الألياف الخاصية المطلوبة، أما الصناعات الكيماوية فلاستخلاص الخامات، وإجراء التفاعلات الكيميائية المطلوبة، الأمر الذي لا ترقى إليه صناعة الكيماويات في أي من البلاد النامية حاليا.

أما البديل الآخر وهو استيراد مواد التجهيز بالكامل من الخارج، فإن ذلك يؤدي لارتفاع تكلفة التجهيز، مما يجعل تحقيق ميزة سعرية للمنتجات المجهزة دربا من المستحيل.

والنتيجة أن يتم اللجوء لاستيرادها تامة التجهيز، وكذلك يتطلب الدخول في مثل تلك المجالات المتقدمة، دراسة اقتصادية كافية لكافة مدخلات ومخرجات الإنتاج، ومراحل العملية الإنتاجية ذاتها، فقد يمكن بالبحث العلمي توفير الخامات بأسعار رخيصة، أو تدبير بدائل للتكنولوجيات الغالية، بينما تظل إحدى مراحل التصنيع عالية التكلفة أو تعتمد على مواد خام مستوردة، فيفقد المنتج ميزته السعرية في عصر العولمة والأسواق المفتوحة.

مدحت الأزهري
نقلا عن إسلام أون لاين

Exit mobile version