يوسف وهبي .. عملاق المسرح

ممثل ومخرج مسرحي وسينمائي مصري، يعتبر أحد الرواد الأوائل في مجالي السينما والمسرح العربي، أدخل روحًا جديدة على فن المسرح، ووضع تقاليد له ما زالت تُؤرخ باسمه حتى الآن، حيث أدخل أفكارًا لم تكن معروفة مثل فكرة الموسيقى التصويرية قبل رفع الستار، واهتم بالديكورات والإضاءة باعتبارهما أهم مكملات للعرض المسرحي.

لا يزال تاريخ ميلاد الفنان الراحل يوسف وهبي غير محدد، وقد اختلف عليه ما بين الأعوام 1898م ، 1901م، لكن الرأي الراجح يقول انه ولد في يوم 14 يوليو من عام 1898م في مدينة الفيوم لأب أرستقراطي يعمل مهندسًا للري هو عبد الله باشا وهبي، ويحمل كل تقاليد الطبقة الأرستقراطية الثرية وأم من ذات المستوى وخمسة أشقاء تولوا أرفع المناصب.

كان أول عهد يوسف وهبي بالمسرح والتمثيل من خلال فرقة الممثل اللبناني أبو سليم القرداحي التي شاهدها في بلدته، ومن خلالها أحب فن التمثيل وعشقه، ثم كانت انطلاقاته بعد انتقاله هو وأسرته إلى القاهرة، وتعرف على الفنان محمد كريم، وبدءا معًا محاولاتهم للتمثيل وكان يوسف وهبي في الثالثة عشرة من عمره، وظل يمارس هوايته متحديًا تقاليد طبقته الأرستقراطية، أثناء دراسته حتى حصل على شهادة المعهد الزراعي.

وسافر إلى إيطاليا ليدرس التمثيل، مخالفًا والده وتاركًا أسرته وراءه، مصممًا على دراسة فن التمثيل بمعهد “الكونسرفتوار دي دراماتيكيا”، وهناك عمل بإحدى الفرق المسرحية، وكذلك بالعديد من المهن البسيطة ليغطي نفقات تعليمه وإقامته، وكان قد اتخذ لنفسه اسمًا فرعونيًا فنيًا هو رمسيس.

ثم عاد يوسف وهبي بعد ذلك إلى القاهرة بعد أن أكمل دراساته المسرحية، وكان والده قد تُوفي تاركًا له إرثًا كبيرًا أنفقه على إنشاء مسرحه الجديد “مسرح رمسيس”، وفرقته المسرحية التي ضمت عزيز عيد وفاطمة رشدي وفاطمة اليوسف.

وفي عام 1923م بدأ يوسف وهبي أولى مسرحياته على مسرح “راديو”، وكانت باسم “المجنون”، وتوالت أعماله المسرحية الواحدة تلو الأخرى، أحيانًا تقابل النجاح وأحيانًا تقابل الفشل، وتميزت أعماله بالكثرة في الموسم الواحد، وكان معظمها يحمل الطابع الميلودرامي، ومترجمة عن أعمال عالمية لشكسبير وموليير وابسن، وقد عمل رغم ذلك على تشجيع المسرحية المؤلفة مصريا، والتي كانت بداية للاهتمام بالكتاب المسرحيين من المصريين.

وقد عمد يوسف وهبي بجانب تمثيله الأدوار الرئيسية في مسرحياته إلى التأليف والإخراج، وكان يهدف من وراء أعماله إلى نشر الوعي الاجتماعي ونقد عيوب المجتمع؛ حيث عرض لمشكلات، مثل: الزواج من أجنبيات، وأطفال الشوارع، والصراع بين الضمير والعاطفة، كذلك عمد إلى محاربة الاستعمار والفساد.

واهتم يوسف وهبي بتوعية جمهور المسرح، وتغيير الاهتمام بالمسرح الهازل إلى الاهتمام بالفن والمسرح الجاد، وقد منع التدخين في قاعات العرض، وعمل على احترام مواعيد رفع الستار، ووضع “إتيكيت” للممثل، متمثلاً في الحفاظ على المواعيد، والالتزام بالنص، وتنفيذ تعليمات المخرج، وهو ما دفع الحكومة لتكليفه عام 1933م بتشكيل فرقتها المسرحية التي كانت نواة المسرح القومي فيما بعد.

وكان لدى يوسف وهبي العديد من الصفات الطبيعية التي حباه بها الله، والتي كان لها كبير الأثر في تفرده، مثل: طول القامة، ونبرات صوته القوية، وكذلك قوة الشخصية، والثقافة الواسعة، مع إجادة عدة لغات، وهو ما هيأه للاطلاع على كثير من الثقافات، وكذلك على تاريخ المسرح العالمي، ومن أهم أعماله التي تُعد علامات في تاريخه الفني “كرسي الاعتراف”، و”راسبوتين”، و”أولاد الفقراء”، و”المجنون”.

ورغم أنه أثرى الفن المسرحي وجذب اهتمام المثقفين المصريين بفن المسرح الجاد، فبدأت الحركة النقدية تهتم بالمسرح وظهرت مجلات متخصصة في النقد على أيدي أدباء مثل العقاد ومحمد حسين هيكل والمازني فإن مسرحه توقف نتيجة ظهور مسارح الهزل واهتمامها بالمشاكل الاجتماعية في قالب ساخر يختلف عن الطابع الميلودرامي الذي يقدمه يوسف وهبي، وكان من أشد منافسيه في هذا المجال نجيب الريحاني وعلي الكسار، فتوقف عن العمل المسرحي ليستكمل مشواره مع الأفلام السينمائية في التمثيل والإخراج.

وتقديرًا لأعماله الفنية القيمة منحه الملك فاروق رتبة البكوية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية والدكتوراه الفخرية عام 1975م من الرئيس السادات، كما منحه بابا الفاتيكان وسام الدفاع عن الحقوق الكاثوليكية، وهو أول مسلم يحصل على هذه الجائزة.

وظل يوسف وهبي يعمل في التمثيل حتى وفاته في شهر أكتوبر من عام 1984م، تاركا وراءه رصيد كبير من الأعمال وصل إلى أكثر من 320 مسرحية، و62 فيلمًا سينمائيًّا.

Exit mobile version