«يوم مع».. شخصيات وقادة في حياتهم اليومية عن قرب..

«يوم مع».. شخصيات وقادة في حياتهم اليومية عن قرب

 

 

 

 

تعتزّ الأمم بتاريخها، وتُبدي ذلك بأشكال مختلفة. وليس أقلّها شيوعاً كتابة ما عرفته هذه الحقبة التاريخية أو تلك من مسار الأمةّ المعنيّة…أو من خلال كتابة سير حياة الشخصيات ــ الرموز التاريخية، والعودة إلى أقوالهم أو المعارك التي خاضوها أو الإنجازات التي قدّموها…الخ.

ولكن إذا كان أبناء الأجيال الحالية أو الذين سبقوهم والذين سيعقبونهم يعرفون عملياً أغلب المحطات والمنعطفات الأساسية التي عرفها عظماء تاريخهم، من خلال ما كتبه المختصّون بمادة التاريخ وبمختلف الحقب، فإن القليل تعرّضوا لما كان أولئك العظام قد عرفوه في حياتهم اليومية من ممارسات وأحداث كانت في المحصّلة هي التي «نُسجت منها حياتهم».

مشاركة

وفي مثل هذا السياق صدر مؤخراً كتاب تحت عنوان «يوم مع..» يشارك فيه 20 مؤرّخاً وصحافياً وكاتباً. ويشرف على إنجازه «فرانز ــ أوليفييه جيسبير»، الصحافي الشهير والمدير السابق لمجلّة «لوبوان» الفرنسية ومؤلف العديد من الكتب، وكلود كيتيل، المؤرّخ الفرنسي، المختص بتاريخ الحرب العالمية الثانية.

ويحاول المساهمون في هذا الكتاب الإجابة عن عدد من الأسئلة بالنسبة لكل شخصيّة من الشخصيات التي يتعرّضون لنمط حياتها اليومية. اسئلة مثل «ما هي العادات التي كانت تغلب على سلوكهم، وماذا كانت هواياتهم؟ وكيف كانوا يمضون أيامهم؟

وفي أيّة ساعة كانوا ينهضون من نومهم وفي أية ساعة كانوا يذهبون إلى فراشهم للنوم؟. وهل كان أولئك القادة الكبار الذين غيّروا وجه العالم من أمثال جوزيف ستالين ونابليون بونابرت من العاملين المجدّين كثيرا في يومهم؟ وهل كانوا يقضون بعض أوقاتهم في الترفيه عن أنفسهم؟ وهل كانوا يميلون للعزلة والابتعاد عن الآخرين ؟ وسلسلة طويلة من الأسئلة التي تخص حياتهم اليومية.

إن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تشكّل في واقع الأمر الخصوصية الأساسية، التي يتسم فيها هذا العمل من حيث انه يشكّل مساهمة في كتابة تاريخ العالم الذي نعيش فيه من خلال الحياة اليومية لأولئك الذين ساهموا في صناعة مساره.

إنهم عشرون من المشاهير الذين عرفهم العالم، والغربي منه بشكل خاص، منذ العصور الوسطى حتى الحقبة الحاضرة. والشخصيات التاريخية الكبرى التي يتم التعرّض لها في كل مساهمة من مساهمات الكتاب تضم أسماء رجال وسيدات يستحقون بالفعل توصيف الرموز التاريخية.

هكذا يتم التعرّض لـماري انطوانيت وشارلمان وجورج كلمنصو وونستون تشرشل وجوزيف ستالين ونابليون بونابرت والجنرال شارل ديغول وجون كينيدي وغيرهم. في المحصّلة تتيح قراءة هذا الكتاب التعرّف على الكثير من الصفات وأنماط عيش وأشكال اهتمام ورغبات ونزوات وأشياء كثيرة أخرى عن كل شخصيّة من الشخصيات المدروسة.

هكذا يبدو أن مملكة الجنرال ديغول الحقيقية كانت تتمثّل في الكتابة. والتأكيد على مجموعة من القواعد التي ألفها وطبّقها عندما كان في قصر الإليزيه. هكذا كان يتم إيقاظه كل صباح من قبل أحد المكلّفين بالخدم الذي يبادره بجملة «أسعدت صباحاً سيدي الجنرال». ثم يخبره عن «حالة الطقس في ذلك اليوم». ثمّ يقوم مكلّف آخر بوضع الصحف في المكتب القريب كي «يتصفّحها الجنرال وهو يتناول طعام الإفطار مع زوجته، العمّة إيفون».

والإشارة أن السيدة ايفون كانت قد تعوّدت على إلقاء صحيفتي «لو كانار انشيني ــ البطّة المقيّدة ــ الساخرة» و«مينوي، اليمينية المتطرّفة» في سلّة المهملات معتقدة أن الجنرال «لم يلحظها وهي تفعل ذلك». والتأكيد بهذا الصدد أن «علاقات الجنرال مع الصحافة الفرنسية كانت صعبة». وكذلك كان «يكّنّ بغضاً شديداً لجهاز الهاتف بحيث إن رئيس الحكومة وحده كان يملك حق خرق تلك القاعدة».

وشخصيّة فرنسية شهيرة أخرى كانت مولعة بالقراءة والثقافة هي الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران. والإشارة أن كل العاملين حوله كانوا ينتظرون منه باستمرار وفي كل لحظة السؤال التالي: ماذا تقرأ اليوم؟. هكذا كان أولئك الذين يريدون التقرّب منه وحضور لقاءاته يبحثون عن سبل تقديم معلومة ثقافية جديدة له. وكأنهم في امتحان شفهي في مادة الثقافة.

وكان ميتران يقول لأولئك الذين يقدّمون حجّة ضيق الوقت مما لا يسمح بالقراءة ما مفاده «افعلوا مثلي ومارسوا القراءة بين الساعة الحادية عشرة ليلاً وحتى نهاية الساعة الأولى بعد منتصف الليل».

ولم يكن ذلك الرئيس المثقّف يتردد في «إحراج محدثيه» وسؤالهم مثلاً عمّا جرى في الحلقة الأخيرة من مسلسل «دالاس» الأميركي الشهير. وكذلك معرفة أن الرئيس الأميركي الأسبق الراحل جون كينيدي كان قد ارتبط بـ«علاقات خطيرة»، ربما كانت أحد الأسباب التي أدّت إلى اغتياله.

وأن الملك فرانسوا الأول «كان محاطاً في أسفاره بـ400 من رماة السهام و100 من السويسريين للقيام بحمايته. ذلك بالإضافة إلى 500 شخص من الذين كانوا يقومون بأعمال الطبخ والأعمال المنزلية وخدمة الخيول». ومما يتم ذكره بالنسبة لماري انطوانيت أنه في اللحظات الأخيرة من حياتها قبل تنفيذ حكم الإعدام بها دخل عليها في مكان اعتقالها أربعة من القضاة، كي يقرؤوا عليها للمرّة الثانية نص الحكم الصادر بحقّها.

وظهر على الباب رجل عملاق هو الجلاّد هنري سانسون، الذي كان والده هو الذي نفّذ حكم الإعدام بحق لويس الرابع عشر. وبعد اجتزاز شعرها وإحراقه تمّ ربط يديها خلف ظهرها وجرّها الجلاّد بالحبل الطويل الذي كتفوها فيه كما كانت تساق الخرفان إلى المسلخ.

إن المساهمين في هذا الكتاب لا يركزون في واقع الأمر على دراسة الأحداث التاريخية الكبرى للشخصيات المعنية. لكنهم يولون اهتمامهم بالأحرى للدور الذي لعبته ذهنياتهم في توجيه مسار التاريخ. وما يشكّل بحد ذاته طريقة تجديدية في كتابته. ويطلق المشرفان في مقدمة الكتاب على عملهم توصيف التاريخ الجديد.

المشرفان في سطور

فرانزــ اوليفييه جيسبير هو صحافي فرنسي شهير. تولّى لسنوات إدارة مجلة «لوبوان» الفرنسية الأسبوعية. قدّم العديد من الأعمال الروائية وكتب السيرة كان آخرها «سيرة حياة جاك شيراك».

وكلود كيتيل، مؤرّخ فرنسي، قدم العديد من الأعمال حول الحرب العالمية الثانية من بينها «المرأة في الحرب العامية الثانية» و«الهزيمة التي لا تغتفر»…الخ.

 

 

Exit mobile version