إدوارد سعيد..المفكر العالمي

من أبرز مفكري جيله، فهو مثقف واسع الاطلاع، متعدد الاهتمامات، فلسطيني المولد عالمي الأفق، اهتم بالأدب المقارن والفلسفة والموسيقى والسياسة، رثاه ملايين البشر بعد وفاته، وكتبت عنه ملايين الكلمات التي عبرت عن حزن العالم على فقده، ومن أهم تلك الشخصيات التي رثته كوفي عنان السكرتير العام السابق للأمم المتحدة حيث قال : “إن رحيل إدوارد سعيد عن العالم يعني أن العالم العربي وأمريكا سيصبحان أكثر فقراً إثر فقدانهما إدوارد سعيد المميز” وتساءل عدد كبير من الذين رثوه: كيف سيكون شكل العالم بعد أن غادره هذا المفكر العظيم؟.

ولد ادوارد وديع سعيد في مدينة القدس في 1 نوفمبر من عام 1935م في أسرة مسيحية، وأصبح لاجئا مع عائلته بعد تقسيم فلسطين عام 1947م وانتقل إلى القاهرة للعيش مع أقاربه، ودرس في مدرسة “سان جورج” ومن ثم في “كلية فيكتوريا” التي طرد منها عام 1951م وقرر والداه إرساله إلى المدرسة التحضيرية في “ماساشوستس” في الولايات المتحدة.

وتخرج سعيد في جامعة “برنستون” الأمريكية 1957م وحصل منها على درجة الماجستير عام 1960م ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة “هارفارد” الأمريكية عام 1964م بأطروحة عن أدب جوزيف كونراد ثم أصبح أستاذاً للأدب المقارن في جامعة “كولومبيا” الأمريكية.

شكلت حرب يونيو 1967م بين العرب وإسرائيل انعطافة كبرى في مسيرة حياة إدوارد سعيد ، حيث بدأ يمعن النظر في هويته الثقافية كفلسطيني، دون أن يؤثر ذلك على انتمائه الواسع إلى الإنسانية، فهو المسيحي الذي لم يأل جهدا في الدفاع عن الإسلام وهو الفلسطيني الذي تجمعه علاقات واسعة مع اليهود وهو العربي الذي تنقل بين فلسطين ومصر ولبنان، كما درس في الولايات المتحدة وعاش فيها وأصبح أستاذاً في جامعاتها.

اشتغل إدوارد سعيد بالنقد الأدبي والبحث حيث أصبح مفكراً بارزاً أثارت مؤلفاته وآراؤه جدلا واسعا ونقاشات لا متناهية وخاصة كتابه الشهير “الإستشراق”، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى مهمة مثل “الثقافة والإمبريالية” عام 1993م و”مسألة فلسطين” عام 1979م و”خارج المكان”، و”بعد السماء الأخيرة” عام 1986م، و “متتاليات موسيقية” عام 1991م و”الأدب والمجتمع” و “تغطية الإسلام” و “لوم الضحية” و”السلام والسخط” و “سياسة التجريد” وغيرها، فضلا عن الكثير من البحوث والدراسات والمقالات.

وقضى سعيد معظم حياته الأكاديمية أستاذاً في جامعة “كولومبيا” في نيويورك، لكنه كان يتجول كأستاذ زائر في عدد من كبريات المؤسسات الأكاديمية مثل جامعة “يايل” و”هارفارد” وجون هوبكنز وهو يتحدث العربية والإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وملم بالإسبانية والألمانية والإيطالية واللاتينية، وأصدر بحوثا ودراسات ومقالات في حقول أخرى تنوعت من الأدب الإنجليزي، وهو اختصاصه الأكاديمي، إلى الموسيقى وشؤون ثقافية مختلفة.

عاش ادوارد سعيد حياته بقلب مقسوم لنصفين.. نصف أحب فيه القدس، ونصف أحب فيه حرية أميركا، حمل على عاتقه تصحيح الأخطاء، فدرَّس طلابه بجامعة “كولومبيا” كيف أن التاريخ الصحيح، هو التاريخ الذي لم نعرفه.. وكيف تكون دولٌ بعينها خارج الزمان والمكان، وكان المنفى الذي عاش فيه عائقا للتعلق ببعض جذوره والاستناد عليها، ولكن هذا المنفى أصبح ذاته مصدرا للإلهام، وبالدرجة الأولى في نقده للغرب، الذي بدا وكأنه هو الذي انتزع منه جذور ارتباطه بالوطن الأم، وبالرغم من انه يُعد ضليعا بالعلوم الأدبية إلا انه عُرف بشكل متميز بنظرياته عن الاستعمار القديم.

كان سعيد مفكراً مختلفاً عن الآخرين، كان يتكلم بطريقة مختلفة، ويسلك سلوكاً مختلفاً ويحس بمشاعر أخرى، وكان يصنع المفاهيم بأسلوبٍ إبداعي وكانت له ضحكة وإحساس خاصان، حارب بهما مرض السرطان الذي أصابه لأعوام بواسطة حب الحياة.. لكنه انهزم أمامه في النهاية، ورحل المفكر الكبير في احدي مستشفيات نيويورك في 25 سبتمبر من عام 2003م عن عمر يناهز 67 عاماً نتيجة إصابته بهذا المرض اللعين

طايع الديب

Exit mobile version