في دراسة فريدة من نوعها اكتشف علماء بريطانيون أن مجموعة من الأقزام لا يزيد طول الواحد منهم على 1.22 سم، يعيشون في منطقة “لارون” في الإكوادور بأمريكا الجنوبية لديهم مناعة طبيعية ضد السرطان وأمراض القلب، وهو ما يفسر أنهم يعمرون لمدة طويلة، وذكرت الدراسة التي نشرتها صحيفة “الديلي ميل” البريطانية أن هذا الاكتشاف قد يساعد على منع الإصابة بالأورام القاتلة، وقد يكون فاتحة لإنتاج لقاح لأخطر الأمراض التي عرفتها البشرية.
وفي هذا السياق قالت جايمي غويفارا أغيوري خبيرة الهرمونات “بمعهد علم الأورام” بالإكوادور إن: “السبب الذي يجعل سكان لارون قصار القامة ربما يعود إلى أنهم يفتقدون هرمون “آي جي أف” (IGF) المسؤول عن النمو، وقد تبين لنا أنهم لا يصابون بمرض السرطان، كما أننا لم نجد أحدا من أقاربهم يعاني من السرطان نهائيا”.
يعرف الأقزام إنثربولوجيا على أنهم الأفراد الذين لا يزيد طول قامة الذكر البالغ فيهم على 130سم، والمرأة البالغة على 121سم، و”القزمية” حالة مرضيّة نوعيّة ناتجة عن قصور في الهرمونات التي تفرزها إحدى الغدتين، الدرقية أو النخامية، وقد يكون تأثير الغدة النخامية بالإيجاب فيزيد إفرازها ما يؤدي إلى “العملقة”، وتترافق القزمية عادة بظواهر واضطرابات مرضيّة كالشيخوخة المبكرة، وعدم تناسب أعضاء الجسم، وقد تستمر طبائع الطفولة لدى القزم حتى بعد سن البلوغ، إذا كانت قزميته ناجمة عن قصور غدته النخامية خاصة.
وهناك جنس من الأقزام لا يعاني من أي مرض ولكنهم يوصفون بقصر القامة الشديد، وهذه الفئة عاشت منذ آلاف السنين مع الأجناس البشرية الأخرى، ومن أشهرهم أولئك الذين يعيشون في وسط القارة السمراء وهم من السلالة الزنجية ويسمون “الأقزام الأفارقة”، وأشهرهم جماعات “البنغا” ويسكنون الغابات الاستوائية في كل من الكونغو والكاميرون، وأقزام “النغريتو” الذين يعيشون في الغابات الاستوائية الآسيوية، وتحديدا في جنوب شرق آسيا، وأشهرهم أقزام السيمانغ ويعيشون في مجموعات صغيرة لا تزيد على 30 شخصا، وينتشرون في الملايو وسومطرة وتايلند، أما أقزام “التابيرو” فيستوطنون غينيا الجديدة وبعض أنحاء ميلانيزية، وأقزام “الآيتا” ويعيشون في جزيرة لوزون، وأخيرا أقزام جزر الأندمان في خليج البنغال، والغالبية العظمى من أقزام العالم لا يميلون إلى الاختلاط مع باقي أجناس البشر، ويجنحون إلى العزلة.
وهناك اعتقاد سائد بأن الأقزام سلالة متدهورة من جنس بشرى آخر، أو أنهم بشر “ممسوخون” لسبب ما يعيشون في مجتمعات مغلقة في الأحراش والغابات، ولا يعرفون ثقافة إنسانية من أي نوع، ومن بين الأساطير ما حاكه القدماء حول إنسان “فلوريس” -نسبة إلى جزيرة فلوريس- بإندونيسيا، وأهل الجزيرة يعتقدون أن إنسان “فلوريس” هذا شكل عصابات تقوم بأعمال إغارة على أهل الجزيرة الأصليين لسرقة المحاصيل والفواكه، وكانوا يسكنون سفح الجبل البركاني القريب منهم، وكانوا يتكلمون لغات غريبة، وأعينهم واسعة وأجسامهم مغطاة بالشعر، وكانت هذه القبائل تعرف بـ”أبو غوغو” أو “الجدة التي تأكل كل شيء”.
وعزز مصداقية هذه الروايات ما اكتشفه فريق بحثي اندونيسي أسترالي في الجزيرة، حيث اكتشفوا جمجمة وعظاما لجنس صغير جدا من البشر كان يعيش حسب ما أعلنه هؤلاء العلماء قبل 12 ألف عام، ويبلغ طول الواحد منهم مترا واحدا وقد كانوا يستخدمون آلات يدوية وكان لديهم أدمغة أصغر من أدمغة الشمبانزي، وتعود العظام التي تم اكتشافها إلى امرأة يافعة، بطول 100سم ووزن يتراوح بين 16 و29 كيلو غرام، وحجم دماغ لا يتجاوز 380 سنتمتر مكعبا، كما عثر العلماء في الكهوف على أدوات حجرية وبقايا عظمية لحيوانات من أنواع شتى، منها فيلة بحجم صغير، وأرجع العلماء السبب في انقراض هؤلاء الأقزام إلى “الانتخاب الطبيعي”.
أشهر قبائل الأقزام على الإطلاق هم قبائل “المبوتي” التي اكتشف وجودها مستكشفين فراعنة منذ أكثر من 4500 سنة، حين خرجت البعثات باحثة عن منابع نهر النيل، وأحدث هذا الاكتشاف الذي لم يكن يخطر على بالهم ضجة في العالم المعروف في ذلك الحين خصوصاً في اليونان القديمة، وظل هذا الاكتشاف مهملا حتى القرنين السابع عشر والثامن عشر، ولكن ظهرت أهميته عندما بدأ علماء السلالات البشرية في دراسة هذا الموضوع دراسة علمية.
جدير بالذكر أن الأقزام في الحضارة الفرعونية كان لهم مكانة كبيرة، فبينما كانوا يتم نبذهم في بلاد اليونان القديمة، كانت التعاليم الدينية الفرعونية تحث على ضرورة رعاية العجائز والمرضى والمشوهين جسمانيا كواجب أخلاقي، وهذا ما كشفته دراسة تحت عنوان “الأقزام في مصر القديمة وبلاد اليونان” للباحثة الفرنسية فيرونيك ديزن.
وسجلت الباحثة بعض النصوص في عصر الدولة الحديثة (حوالي 1580 – 1085) قبل الميلاد ومفادها أن هناك “آلهة أقزاما” كانوا يظهرون كتجليات لرع إله الشمس ويتسمون بالقدرة على الصعود إلى السماء والهبوط إلى العالم السفلي، وأشارت الدراسة إلى أن قصر القامة لم يكن عيبا جسمانيا يستوجب مواراته بل سمة تضفي على الأشخاص “هالة من القداسة” حيث كان الأقزام يتخذون هيئة آلهة شعبية من أشهرها بس الذي يسهل الولادة، حسب معتقداتهم، وذكرت الباحثة أن أول قزم أحضره الفراعنة إلى مصر القديمة كان من بلاد “بونت” الصومال وما جاورها حاليا، في عصر الملك أسيسي من الأسرة الخامسة، في حين جيء بآخر قزم من بلاد “يام” في النوبة العليا في عصر الملك الطفل بيبي الثاني.
وعودة إلى قبائل “المبوتي” وحسب ما ذكره الدكتور حسين فرج زين الدين في كتابه (صيد الوحوش)، حيث أشار إلى أن أبناء هذه القبائل مشهورون بشدة بأسهم، فهم مازالوا يستخدمون الحراب في صيد الأفيال حتى الآن، وفي مقدور القزم منهم الذي لا يزيد طوله عن 130 سنتيمتراً أن يصرع بمفرده فيلاً بالغ الضخامة، ولهم في ذلك طريقة غريبة تدل على الذكاء والجسارة.
ومن بين طرق أقزام “المبوتي” في الصيد أن يذهب الصياد القزم إلى بركة موحلة تتردد عليها الفيلة المعروفة بعشقها للطين، ويطلي جسمه بالوحل تماماً لإخفاء رائحته حيث أن حاسة الشم هي الأقوى لدى الفيل ضعيف البصر، ويمسك الصياد في يده حربة صغيرة مصنوعة من الحديد لها سن ماض حاد جداً، وعندما ترد الفيلة البركة للشرب والاستحمام يندس الصياد تحت أحدها أثناء وقوفه، ويظل متأهباً حتى تحين اللحظة المناسبة فيطعن الفيل طعنة واحدة قوية، ويعمد إلى تدوير الحربة في الجرح ثم يهرب بسرعة فائقة إلى الغابة، وبعد أقل من نصف ساعة يصبح الفيل بتأثير النزيف جثة هامدة.
وتعيش قبائل “المبوتي” في غابات الكنغو بأشجارها الكثيفة المحاطة، ولهم طقوسهم الدينية وعاداتهم الاجتماعية التعاونية، ويشتهرون بصحتهم الجيدة ولكن اقتراب الزحف العمراني، والبحث عن ثروات مناطقهم نشر بينهم التدخين والكحول وأمراضاً كانت مجهولة ليصبح مصير هؤلاء الأقزام في كف القدر بين الذوبان في حضارة العصر أو الانقراض التدريجي.
أما أشهر أقزام العالم فهو الموسيقار “ماثيو باشينجر”، وعرف ماثيو بعبقريته الموسيقية حيث كان من أبرع العازفين علي آلة الترومبيت, وذلك على الرغم من أنه لم يكن له كفان، كما لم يكن له ساقين، لذلك كانوا يضعونه فوق مائدة عندما يريد القيام بالعزف، تزوج ماثيو عدة مرات, وأنجب أحد عشر ولداً وبنتاً، أما الجنرال “تشارلز شيرود ستلاتون” فهو بريطاني الجنسية، اشتهر بأنه الجنرال “عقلة الإصبع” الذي ولد في العام 1838 طبيعيا بوزن 4.5 كجم وطول 63.5 سم حتى سن الخامسة من عمره ليتوقف وزنه عند ذلك المعدل، وحار الأطباء في أمره، ولكن كان قصر قامته كنزا إذ لاقى نجاحا في دور العرض والمسرح وصالات السيرك، وكان ذكيا جدا.
ويليهما في الشهرة الأميرة “سوزانا” أقصر قزمة معمرة في العالم (103 سنه), و”بولين ماسترس” البرنسيسة الهولندية التي كان طولها 59 سم ووزنها 5 كجم فقط، والتي عاشت حياة بائسة وماتت على إثر إدمانها الكحول, و”يرث هولد” رئيس وزراء مملكة لومباردي الذي جمع بين التقزم ودمامة الوجهة، أما أقصر الأقزام الأحياء الآن فهو نلسون دي لاروزا من سانت دومنجو عمره 22 عاما وطوله 72 سنتيمتراً ووزنه سبعة كيلوجرامات فقط.
والغريب أن جنس الأقزام غير قابل للاندماج وراثياً مع الأجناس البشرية العادية، فإذا حدث وتزوج رجل عادى عن امرأة قزمة فإن الطفل سيحمل مورثات الأم وحدها، بينما العكس لا يحدث أبداً، ولم نسمع على كل حال عن رجل قزم اقترن بامرأة من البشر العاديين، وبذلك يكون الأقزام هم أنقى الأجناس على وجه الأرض، ولكونهم لا يتزاوجون مع الأجناس الأخرى فليست هناك فرصة لتحسين صفاتهم الوراثية على الإطلاق، إنهم منغلقون حتى على جنسهم، لذلك حاول العلماء المتخصصون في الغدد الصماء، والجينات الوراثية، والمتخصصون في العظام ابتكار أدوية هرمونية تنظم إفرازات الغدة النخامية وتدفعها إلى التوازن، أو البحث عن الجينات التي تتدخل في حالة التقزم، إلا أن كل تلك المحاولات لازالت قاصرة ولا تعطي نتائج أكيدة، وخاصة أن المنظمات الحقوقية العالمية تتصدى لإجراء التجارب العملية على هؤلاء الأقزام.
والأغرب هو ما كشفته دراسة أجراها العالم البريطاني أوليفر كاري عن أن التطور الوراثي والجيني البشري سيؤدي بعد نحو ألف عام من الآن إلى انقسام الناس على كوكب الأرض إلى فئتين أساسيتين إحداهما تضم عمالقة والأخرى تضم أقزاما، وأكد العالم البريطاني أن وتيرة التطور البشري الراهنة تشير إلى أن نهاية الألفية الحالية ستشهد ظهور رجال يتمتعون بخصائص جسدية وذكورية فائقة حيث من المتوقع أن تصل طول قامة الرجل إلى أكثر من مترين، وفي الفئة نفسها ستتمتع النساء بقامات تقترب من 190 سنتيمترا.
طايع الديب