البحث العلمي‏..‏ في دائرة الإنعاش

يعيش البحث العلمي المصري في الآونة الراهنة حالة من التطور والإنتعاش في ظل قيام صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية‏,‏ بأنشطة وافرة في تنظيم المسابقات وتلقي البحوث‏,‏ وإعطاء المنح البحثية التي يمكن أن تبلغ أكثر من مليون جنيه‏,‏ والتعاقد مع الباحثين المغتربين‏,‏ فضلا عن التصدي لإنتاج مشاريع مصرية خالصة مع تسويقها بالخارج‏,‏ وغيرها من الأنشطة البحثية العلمية الكبري والرائدة‏.‏

يأتي ذلك بعد أن افتقد البحث العلمي في مصر‏-‏ لسنوات طويلة‏-‏ تفعيل الأبحاث و الاختراعات وتحويلها إلي مشروعات أو منتجات في السوق‏,‏ لكن البداية جاءت مع إنشاء المجلس الأعلي للعلوم و صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية في العام قبل الماضي‏,‏ وبالفعل بدأ الصندوق في تسويق أبحاث لباحثين مصريين‏.‏

قصة إنشاء منظومة تفعيل الأبحاث المصرية يرويها لنا الدكتور علي الشافعي المدير التنفيذي لصندوق العلوم والتنمية التكنولوجية‏,‏ قائلا‏:‏ إن الصندوق أنشئ في فبراير‏2008‏ برأسمال‏100‏ مليون جنيه تمت زيادته إلي‏200‏ مليون جنية‏,‏ ويعتمد علي‏4‏ مراحل في التمويل‏,‏ هي‏:‏ تمويل بحث علمي أساسي‏,‏ وبحث علمي تطبيقي‏,‏ وتطوير تكنولوجي‏,‏ وتطوير منتجات كبداية للتسويق الفعلي‏.‏

و يكمل مدير الصندوق حديثه قائلا‏:‏ بدأنا في ابريل‏2008‏ في الإعلان عن تمويل مشروعات بحثية من خلال ثلاث آليات‏,‏ الأولي إعطاء منح لشباب الباحثين تبلغ نصف مليون جنيه لتفعيل أبحاثهم‏,‏ والثانية منح إعادة توطين في حدود‏1.5‏ مليون جنيه‏(‏ خاصة بإعادة الباحثين المصريين بالخارج مرة أخري إلي مصر‏),‏ و الآلية الثالثة منح البحوث الأساسية والتطبيقية وحدها الأقصي مليون جنيه‏,‏ وتمنح لأي شخص يرغب في تقديم أبحاث علمية داخل مصر‏,‏ بشرط أن يجتاز لجان التقييم التي تتكون من كبار العلماء في مصر‏,‏ وبعدها يتم التعاقد مع صاحب البحث الفائز والصندوق والجامعة التي يعمل بها الباحث‏,‏ ونعطي الباحث‏50%‏ من تكلفة مشروعه لكي يبدأ في تنفيذ بحثه الذي تمت الموافقة عليه علي أن يقدم الباحث تقارير فنية ومالية للصندوق للتأكد من جدية تنفيذ المشروع‏,‏ بالإضافة لذلك سنوفر منحتين جديدتين‏,‏ والأولي منح الابتكار للباحثين الذين لديهم براءات اختراع وهي متاحة لأي شخص بشرط أن يكون ابتكاره مبنيا علي بحث علمي‏,‏ و نساعده في عمل نموذج وإنتاج منتج نهائي‏,‏ والمنحة الأخري ستكون منح أجهزة وتطوير للمعامل في الجامعات‏.‏

نشاط مكثف
وقام الصندوق بتمويل‏193‏ مشروعا بحثيا‏,‏ بإجمالي تمويل‏136‏ مليون جنيه لأول مرة في تاريخ البحث العلمي المصري‏,‏ وتم تمويل هذه الأبحاث بعد أن تقدم للصندوق‏946‏ مشروعا بحثيا تم تحكيم‏772‏ مشروعا‏,‏ واختير منها‏193‏ بحثا‏,‏ وتم توقيع عقود مع الباحثين لتنفيذ أبحاثهم‏,‏ والتعاقدات ما بين‏150‏ ألف جنيه وحتي مليون جنيه‏,‏ وبعد تحكيم المشروعات يقدم الصندوق للباحث أسباب القبول أو الرفض وإذا تلافي الباحث السلبيات التي بسببها رفض بحثه من الممكن أن يتقدم مرة أخري لصندوق‏.‏

ويضيف مدير الصندوق قائلا‏:‏ في الفترة الماضية قمنا بنشاط دولي كبير لجذب جهات دولية لتمويل الأبحاث منها إقامة صندوق مشترك مع وزارة البحث العلمي بألمانيا‏,‏ وفي البداية تم الاتفاق علي تمويل مشروعات بـ‏600‏ ألف يورو‏,‏ وتمت زيادتها إلي‏3.6‏ مليون يورو عندما وجد الجانب الألماني مدي الفائدة التي ستعود من وراء تنفيذ مشروعات الصندوق‏,‏ بالإضافة إلي إنشاء صندوق مشترك مع أمريكا بقيمة‏3‏ ملايين دولار ومولنا منها‏20‏ مشروعا بحثيا من خلال هذه المنحة‏.‏

ويقول مدير الصندوق إن المجلس الأعلي للعلوم وافق علي اتفاقية التعاون مع فرنسا التي تعتبر عام‏2010‏ عاما للعلوم و التكنولوجيا بين مصر وفرنسا‏,‏ بالإضافة إلي الاتفاق مع مؤسسة‏IRD‏ الفرنسية علي إنشاء صندوق مشترك بقيمة‏1.8‏ مليون يورو يمول مناصفة بين الصندوق والمؤسسة الفرنسية‏,‏ بالإضافة إلي اتفاقية التعاون مع هيئة‏JSPS‏ اليابانية التي تهدف إلي إنشاء منح لتبادل شباب الباحثين‏,‏ ومنح لإجراء ورش عمل مشتركة بين الجانبين‏.‏

التسويق بالخارج
بالإضافة إلي المنح السابقة تم إجراء مسابقة لتسويق‏4‏ أبحاث وتحويلها إلي مشروعات بالخارج‏,‏ وأقيمت هذه المسابقة برعاية الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي‏,‏ و تم فتح باب التقدم للمسابقة وتقدم إليها‏300‏ مشروع تم تصفيتها‏.‏

وستنفذ هذه الأبحاث بشراكة بين صندوق العلوم و بعض البنوك المصرية و أصحاب الأبحاث بهدف تحويلها إلي مشروعات في الخارج‏,‏ والقيمة المرصودة لإنتاج وتسويق الأبحاث الفائزة تصل إلي‏150‏ مليون جنيه‏,‏ وأشار إلي أنها المرة الأولي التي ينجح فيها باحثون مصريون في تسويق منتجاتهم في الأسواق الخارجية وخاصة السوق الأمريكية‏.‏

سرية التحكيم
وعن كيفية تحكيم الأبحاث و اختيار أفضلها يشير إلي أن تحكيم الأبحاث يتم تحت رقابة و سرية تامة و أي شكوي تأتي من الباحث أثناء فترة تحكيم مشروعه يتم التحقيق فيها‏,‏ ولدينا واقعة تم فيها استبعاد المحكم من منظومة البحث العلمي كلها‏,‏ حيث فوجئنا في أحد المشروعات بأن الباحث أخبرنا أن أحد المحكمين الخارجيين قام بالاتصال به وطلب منه مشاركته في البحث‏,‏ وقام الباحث بإخبارنا وتم اتخاذ قرار باستبعاد هذا المحكم من التحكيم مرة أخري في أي مشروع يخص الصندوق و استبعاده من منظومة البحث العلمي في مصر‏,‏ لتشجيع و طمأنة الباحثين‏.‏

وتقول الدكتورة عبير شقوير مدير التخطيط والمتابعة بالصندوق لدينا آلية دقيقة لتقييم المشروعات من خلال المحكمين‏,‏ والمشكلة أن بعض المحكمين يتأخرون جدا في تحكيم المشروعات‏,‏ ففي أحد المجالات لم يرد علينا‏78%‏ من المحكمين ولم يبدوا رأيهم في المشروعات التي لديهم مع أن أقصي مدة لتحكيم الأبحاث هي شهر وأفضل نسبة التزمت بالوقت المحدد للتحكيم كانت‏37%,‏ وأحد المحكمين أخذ‏49‏ يوما لتحكيم البحث الذي لديه‏,‏ ونختار المحكمين طبقا لاختيارات لجنة تقييم المشروعات المكونة من‏7‏ علماء مصريين في مجالات الطب والزراعة والصيدلة والعلوم الكيميائية والعلوم الأساسية والهندسة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات وأسمائهم سرية ودورهم تحديد المقيمين وبحث تقييم المحكمين وتحكيم رأيهم‏.‏

قانون للبحث العلمي
ويشير مدير الصندوق إلي وجود بعض العقبات التي تواجه الصندوق منها عدم وجود تشريع للبحث العلمي مع أن الدستور المصري كفل حرية البحث العلمي‏,‏ ولذلك قام الدكتور هاني هلال بتشكيل لجنة داخل الصندوق لبحث وضع تشريع للبحث العلمي‏,‏ وثاني العقبات هي أن الجهات الحكومية تحاسب الصندوق بالنظام النقدي أي ما قمنا بدفعه من أموال للباحثين والمفروض أن نحاسب بنظام الاستحقاق أي ما قمنا بالتعاقد عليه‏,‏ فنحن نعطي منحا بحثية وهذه ليس لها تعريف قانوني ولا توجد أي مشكلة في التعاقدات الحكومية وما يعوقنا هو عندما نقوم بتمويل جامعات خاصة‏.‏

وتضيف عبير شقوير‏:‏ عندما نقوم بتمويل أي مشروع مع القطاع الخاص‏,‏ نصطدم باللوائح التي تنص علي وجود خطاب ضمان مما يدعو لهروب القطاع الخاص‏,‏ وبذلك لا نستطيع تمويل أي مشروع مع القطاع الخاص‏,‏ وتقول‏:‏ عندما حضر فريق علمي أمريكي لكي يتعرف علي النشاط الذي يقوم به الصندوق قال أفراد الوفد‏’‏ ان الصندوق يحاول أن يغير في المجتمع‏,‏ وأكدوا أن مهمة الصندوق صعبة جدا وانه بداية جيدة لإنشاء منظومة جيدة للبحث العلمي‏’,‏ وتطالب بوضع تشريع ينظم ويحدد أوجه تمويل البحث العلمي في مصر‏,‏ فأبرز العقبات التي تواجه الصندوق حاليا هي عدم تمويل مشروعات بحثية تابعة للقطاع الخاص‏,‏ فالعلوم والتكنولوجيا بحاجة إلي قانون لكي تحدث شراكة مع القطاع الخاص‏.‏

علي طريق العالمية
أما معظم الباحثين الذين تقدموا للصندوق بمشاريعهم فقد أشادوا بالدور الذي سيقوم به الصندوق في السنوات المقبلة‏,‏ وتقول الدكتورة نجلاء عبد الله صاحبة أحد الأبحاث الفائزة بالتمويل ان الصندوق سيعطي فرصة أكبر أمام الأبحاث وتنفيذها وتحويلها من مجرد حبر علي الورق إلي كيان اقتصادي مصري خالص‏,‏ وتضيف قائلة‏:‏ لقد تقدمت للصندوق بمشروعي ضمن مسابقة تسويق الأبحاث بالخارج‏,‏ وتم اختياره ضمن المشروعات الفائزة وعن فائدة البحث الذي تقدمت به تقول‏:‏ إن البحث يهدف إلي إنتاج نبات طماطم مقاوم للفيروسات والمبيدات التي تدخل عصارة النباتات وبالتالي تدخل أجسامنا‏,‏ وفكرة البحث تقوم علي عدم استخدام المبيدات في الزراعة‏.‏

أما الدكتور مجدي النشار صاحب أحد الأبحاث الفائزة أيضا‏,‏ ويعمل بالمركز القومي للبحوث فيقول‏:‏ لقد تقدمت إلي المسابقة في آخر يوم لها لعدم علمي بهذه المسابقة إلا مصادفة‏,‏ وتقدمت ببحث أعمل فيه منذ ثلاث سنوات تقريبا‏,‏ وهو عبارة عن استخدام الإنزيمات الطبيعية كبديل للمواد الكيميائية لإنتاج المضادات الحيوية و الأغذية بأسعار اقتصادية وتمت دراسة البحث من قبل شركات وعلماء بالخارج ووجدوا فائدة كبيرة يوفرها هذا البحث حيث يوجد‏75%‏ من سكان العالم يعانون من نقص اللاكتوز ويسبب انتفاخات وإسهالا خاصة للأطفال وهذا الإنزيم يعالج هذه المشكلة‏.‏

ويقول النشار‏:‏ ان الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث وافق علي شراء جهاز تبلغ قيمته‏650‏ ألف جنيه لإنتاج الجل الذي يحمل الإنزيم بكميات كبيرة‏,‏ وتعد الصناعات الدوائية من أهم الصناعات المعتمدة علي الإنزيمات‏,‏ وهناك إنزيمات مرتفعة الثمن جدا ومن هذا المنطق‏,‏ تجري العديد من التفاعلات لتحميل الإنزيمات علي دعامات صلبة وتحويلها لصورة غير ذائبة مما يعطي مميزات عديدة لعل أبرزها سهولة فصل الإنزيم و إعادة استخدامه عشرات المرات مما يؤدي الي خفض التكلفة وخفض سعر المنتج‏.‏

تحقيق‏:‏ نادر محمود طمان
المصدر: صحيفة الأهرام

Exit mobile version