يرتبط الأمن الغذائي للدول العربية بالعديد من المحددات التي تؤثر على أداء القطاع الزراعي والتي تأتي في مقدمتها المحددات الطبيعية ومن أهمها المياه وحالة الجفاف نظرا لأن معظم أقطار الوطن العربي تتسم بندرة الأمطار وعدم كفاية الموارد المائية السطحية، حيث أن المياه المتاحة للاستخدام في الوطن العربي تقدر بنحو 0.48 في المائة فقط من نظيرتها على المستوى العالمي. والوطن العربي يستخدم نحو 71 في المائة من المياه المتاحة في حين تبلغ نسبة الاستخدام على المستوى العالمي نحو 6.3 في المائة فيما يبلغ نصيب الفرد من المياه المتاحة في الوطن العربي نحو 876 مترا مكعبا تعادل نحو 10 في المائة من نصيب الفرد على المستوى العالمي.
وينعكس هذا الوضع على نقص مصادر الغذاء الحيواني في الوطن العربي من المراعي والأعلاف وبالتالي نقص اللحوم الحمراء والألبان وضرورة استيرادها مما يشكل عبئا ثقيلا على موازين المدفوعات للعديد من الدول العربية. وفي هذا الإطار فان الثروة السمكية تشكل مكونا هاما في قاعدة الموارد العربية التي يمكن أن تسهم في سد الفجوة الغذائية من البروتين الحيواني، حيث أن الموارد السمكية تتيح مجالات أوسع لزيادة حجم الإنتاج وتحقيق فائض تصديري يحقق دخلا من العملات الصعبة يساهم في النهوض بخطط التنمية في الدول العربية.
* موارد سمكية هائلة
* يزخر الوطن العربي بموارد سمكية هائلة حيث تمتد الشواطئ البحرية العربية إلى نحو 22.7 ألف كيلومتر وتبلغ مساحة الجرف القاري الغني بالأسماك نحو 608 آلاف كيلومتر مربع بجانب العديد من المسطحات المائية من البحيرات والأنهار والمستنقعات والمجاري المائية الداخلية التي تقدر مساحتها بنحو 3 ملايين هكتار، كما تقدر أطوال الأنهار التي تمر في الأراضي العربية بحوالي 16.6 ألف كيلومتر.
وقد شهد الوطن العربي تطورا كبيرا في مجال إنتاج الأسماك، ففي بداية الألفية الثالثة بلغ إنتاج الوطن العربي من الأسماك حوالي 2.99 مليون طن. ويقدر المتوسط السنوي لقيمة صادرات الوطن العربي من الأسماك خلال عقد التسعينيات بحوالي 969 مليون دولار كما يقدر معدل النمو السنوي لإنتاج الأسماك خلال عقد التسعينيات بنحو 6.21%.
وتشير الفجوة القائمة بين الإنتاج الفعلي والموارد الإنتاجية المتاحة في الوطن العربي إلى إمكانية مضاعفة الإنتاج السمكي وإحداث المزيد من الفوائض التصديرية منه. وفي هذا الصدد تهتم الدول العربية اهتماما كبيرا بتنمية قطاعات الثروة السمكية فيما يتصل بتطوير سبل ومصادر صيد الأسماك وتطوير الاستزراع السمكي الذي يمثل حوالي 3.3% من جملة إنتاج الأسماك في الوطن العربي.
وبالرغم من أن الميزان التجاري العربي للأسماك يعتبر بصفة عامة لصالح الدول العربية مجتمعة، إلا أن إنتاج وتصدير الأسماك ينحصران في عدد محدود من دول الوطن العربي رغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة في الدول العربية الأخرى. وعلى سبيل المثال تركز حوالي 73% من إنتاج الأسماك في الوطن العربي عام 2000 في ثلاثة دول هي المغرب (30.5%) ومصر (24.2%) وموريتانيا (18.2%)، وتضم الدول المنتجة الرئيسية للأسماك في الوطن العربي كلا من اليمن والإمارات وسلطنة عمان والجزائر وتونس.
أما صادرات الوطن العربي من الأسماك فقد تركزت في ثلاث دول هي موريتانيا (44%) والمغرب (31.4%) وسلطنة عمان (3.2%) وتضم الدول المصدرة للأسماك في الوطن العربي كلا من اليمن وتونس والصومال.
وتجدر الإشارة إلى الأهمية الاستراتيجية لقطاع الثروة السمكية في الوطن العربي التي دعت المنظمة العربية للتنمية الزراعية وهي تشارك الأمة العربية احتفالاتها بيوم الزراعة العربية في اليوم السابع والعشرين من سبتمبر (ايلول) من عام 2003 الذي يتزامن مع يوم تأسيس المنظمة العربية للتنمية الزراعية التي باشرت عملها في نفس التاريخ من عام 1972 أن ترفع شعار (تنمية الثروة السمكية تحقيق للأمن الغذائي العربي)، وتنادي ببذل الجهود وشحذ الهمم وتقوية أواصر التعاون بين الدول العربية من أجل تنمية قطاع الثروة السمكية فيها تعزيزا لمسارات أمنها الغذائي ودعما لاقتصادها.
* الثروة السمكية عربيا
* وتولي المنظمة العربية للتنمية الزراعية اهتماما خاصا بتطوير قطاع الثروة السمكية في الوطن العربي، حيث قامت بتنفيذ العديد من الدراسات البحثية والمشروعات التطبيقية والدورات التدريبية بغرض ترقية أداء العاملين في هذا القطاع. هذا بالإضافة إلى عقد الندوات والمؤتمرات ولقاءات المسؤولين عن هذا القطاع الاستراتيجي الهام في الوطن العربي، كما تدرج المنظمة ضمن برامج عملها السنوية الحالية والمستقبلية برامج خاصة بتنمية الثروة السمكية في الوطن العربي وتتضمن مكونات تلك البرامج إعداد دراسات استطلاعية للتعريف على محددات وآفاق تطوير هذا القطاع على المستويات القطرية. هذا بالإضافة إلى تنفيذ بعض المشروعات الرائدة على مستوى الدول العربية وإعداد نماذج لمشروعات استثمارية في مجالات الإنتاج والتصنيع والتسويق بما في ذلك مدخلات الإنتاج وسبل الصيد كما تتضمن البرامج عقد دورات تدريبية في مجالات الإحصاءات السمكية وتقنيات الأسماك وتقييم المخزون السمكي.
تعتبر موارد الثروة السمكية العربية من الموارد القليلة التي يحقق الإنتاج منها فائضاً تجارياً موجباً على المستوى العربي العام، حيث يمتلك الوطن العربي وفرة نسبية من الثروة السمكية، سواء كان ذلك من الموارد البحرية، أو موارد المياه العذبة السطحية، وبالرغم من هذه الإمكانيات فان مركز الثروة السمكية في الوطن العربي لا يتناسب مع إمكانيات المنطقة.
فبالنسبة للمصادر البحرية للموارد السمكية، فإن أطوال السواحل البحرية العربية تقدر في مجموعها بنحو 22.4 ألف كيلومتر، وهذه يمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات; وذلك على النحو التالي:
أـ منطقة الساحل المطلة على المحيط الهندي: وتشمل المسطحات المائية لبحر العرب وخليج عمان والخليج العربي وإقليم عدن. ويبلغ طول السواحل العربية ضمن تلك المجموعة نحو 4.9 ألف كيلومتر، كما تبلغ مساحة جرفها القاري نحو 121 ألف كيلومتر مربع. وتشمل الأقطار المطلة على هذه السواحل كلا من الإمارات، البحرين، السعودية، الصومال، سلطنة عمان، قطر، العراق، الكويت واليمن .
ب ـ منطقة البحر الأحمر: يقدر طول الساحل العربي في هذه المنطقة بنحو 6.5 ألف كيلومتر، بينما تبلغ مساحة جرفها القاري نحو 189 ألف كيلومتر مربع، والأقطار العربية المطلة على ذلك الساحل تشمل كلا من الأردن، السعودية، السودان، جيبوتي ومصر واليمن.
ج ـ منطقة البحر الأبيض المتوسط: ويقدر طول ساحلها بنحو 7 آلاف كيلومتر، بينما تبلغ مساحة جرفها القاري نحو 200 ألف كيلومتر مربع. وتشمل الأقطار العربية المطلة على ذلك الساحل كلا من تونس، الجزائر، سورية، ليبيا، فلسطين، لبنان، المغرب ومصر. وشرق البحر الأبيض المتوسط له إمكانية صغيرة من حيث كمية الأسماك المتاحة لنشاط الصيد، حيث انّ الإفريز القاري من جنوب البحر الأبيض المتوسط أقل إنتاجا من مثله في شمال البحر الأبيض المتوسط نظرا لقلة عدد الأنهار التي تصبّ المواد المغذّية في البحر، على الرغم من هذا فانه في بعض السنوات والفصول تكون هناك زيادة مفاجئة في وفرة بعض الأسماك الساحلية الصغيرة كنتيجة لبعض الظروف البيئية المؤقتة. كما توجد بعض المناطق الغنية نسبيا مثل تلك الموجودة في خليج غابيس في تونس، وخليج سرت في ليبيا ودلتا النيل في مصر.
د ـ منطقة المحيط الأطلسي: ويقدر طول ساحلها العربي بنحو أربعة آلاف كيلومتر، ومساحة جرفها القاري يقدر بنحو 94 ألف كيلومتر مربع ويطل عليها كل من موريتانيا والمغرب.
أما الموارد التي تعتمد على مسطحات المياه العذبة فإنها تتمثل في مجاري الأنهار والخزانات والسدود السطحية، وتقدر أطوال الأنهار التي تمر في الأراضي العربية بحوالي 16.6 ألف كيلومتر، بينما تقدر مساحة الخزانات والسدود بنحو 2.4 مليون هكتار، منها حوالي 744.2 ألف هكتار تمثل مساحة الخيران التي يقع معظمها في كل من العراق ومصر والسودان. كما أن هناك مساحة واسعة من المستنقعات تغطي حوالي 6.85 مليون هكتار تقع غالبيتها العظمى (حوالي 97.8%) في السودان.
* الأخطار
* أولا: التلوث من المصادر المختلفة: قبل الدخول في تفاصيل الأضرار والمخــــــاطر التي تسببها التعديات المتنوعة على البيئة البحــــرية والصــــحة العامة لا بد من توضيح بعض خصائص المياه البحرية، فان ثلاثة الأمتار الأولى من سطح البحار تمثل اكبر مزرعة مائية على وجه الكرة الأرضية، حيث ان سقوط أشعة الشمس على سطح المياه التي تحوي أملاحا غذائية تساعد على تكون الكائنات النباتية الدقيقة التي تعرف بالفيتوبلانكتون التي تتغذى عليها كائنات حيوانية دقيقة تعرف بالزوبلانكتون، وهذه تتغذى عليها كائنات اكبر فيما يعرف بالسلسلة الغذائية حتى نصل إلى النباتات المائية والحيوانات القاعية. وهذه السلسلة هي الغذاء الرئيسي لمعظم الكائنات البحرية حتى أن معظم الحيتان التي تصل أوزانها إلى عدة أطنان تتغذى بصفة رئيسية على هذه الكائنات.
والمؤشر الأساسي لغنى البحر هو هذه السلسلة الغذائية، وان أي خلل في حلقة معينة يؤثر في مجمل السلسلة. وتعريف التلوث البحري كما حددته منظمة الأغذية والزراعة الدولية هو إدخال الإنسان في البيئة البحرية مواد يمكن أن تسبب نتائج مؤذية، كالأضرار بالثروات البيولوجية، والأخطار على الصحة الإنسانية، وعرقلة الأنشطة البحرية بما فيها صيد الأسماك، وإفساد مزايا مياه البحر عوضاً عن استخدامها، والحد من الفرص في مجالات الترفيه. هذا التعريف يدرج نشاط الإنسان كسبب رئيسي في تلويث البحر، وبالتالي فهو الضحية الرئيسية للتشويه الحاصل في هذه البيئة.
* أنواع الملوثات
*1 ـ الملوثات الكيميائية وتشمل الهيدروكربورات، أي النفط ومشتقاته والمعادن الثقيلة ونفايات المصانع والمبيدات الزراعية ومواد التنظيف والتعقيم وغيرها. 2 ـ الملوثات العضوية الناتجة من مياه الصرف والنفايات ومخلفات المصانع الغذائية وغيرها.
3 ـ الملوثات الفيزيائية وتشمل التفجيرات الناتجة عن التجارب النووية والحروب والمواد الإشعاعية التي يمكن أن تنتقل إلى المياه بطرق مختلفة. كذلك لا بد من ذكر التلوث الحراري الناتج من طرح المياه المستخدمة لتبريد المنشآت الصناعية المختلفة أمثال: معامل إسالة الغاز ومصافي النفط وبخاصة محطات توليد الكهرباء الحرارية. إن مياه التبريد هذه، إضافة إلى حرارة مياهها الساخنة التي تفوق حرارة المياه الواردة بثماني إلى عشر درجات، تحتوي على مواد سامة تزيد من التلوث الحراري. وآثار هذا التلوث تكون كبيرة في أثناء فصول الحرارة المرتفعة، لأنها تقارب درجات الحرارة المميتة لكثير من الكائنات الحية.
كذلك المجمّعات السكنية السياحية التي تبنى عشوائياً وتردم أجزاء من الشواطئ وتفسد البيئة البحرية والشعاب المرجانية التي تتخذ منها الأسماك مرابي لها.
ثانيا : الصيد المخالف:
وذلك عن طريق استخدام شباك مخلفة مما يؤدي إلى إهلاك زريعة الأسماك أو الصيد في المواعيد المحظور فيها الصيد مما يؤدى إلى صيد الأسماك الحاملة للبيض قبل أن تضع بيضها كذلك استخدام الديناميت أو السموم التي تؤدي لتدمير البيئة البحرية. المخزون السمكي للدول العربية:
ويتوقف تقدير المخزون السمكي في البلدان العربية على تحديد كمية الغذاء المتاح في المياه أو ما يعرف باسم السعة البيولوجية كذلك جهد الصيد، وهو ما يمثل عدد المراكب وكمية الأسماك التي تصطادها. وبناء عليه يمكن معرفة إمكانيات التطوير وتلافي خطر استنزاف المخزون السمكي.
ويعرف الصيد الآمن بأنه كمية الأسماك التي يمكن صيدها دون أن يحدث استنزاف للمخزون السمكي. فلو قدر مثلا أن الناتج سنويا نتيجة التكاثر والهجرة الجديدة هو مائة طن فان الصيد الآمن يكون في حدود هذا المقدار، أو يقل عنه لإتاحة الفرصة لنمو المخزون الأساسي من الأسماك ويلزم ذلك قاعدة بيانات متطورة ومراقبة مستمرة لجهد الصيد وطرق الصيد المستخدمة بحيث لا تؤدى إلى صيد الأسماك الصغيرة أو صيد أنواع غير مطلوبة مما يؤدى لإهدارها. هناك تطوير مستمر يجب إدخاله إلى أنشطة الصيد لتواكب التكنولوجيا العالمية، فخلاف نظام الرقابة الصارم وقاعدة المعلومات هناك التطوير المستمر لأدوات الصيد. ثم أن الاتجاه العالمي الآن هو الصيد في الأعماق التي لم تكن تصل إليها الشباك من قبل والتي تزخر بالعديد من أنواع الأسماك التي تمثل قيمة اقتصادية كبيرة دون أن يكون لها تأثير على زيادة جهد الصيد. وهناك أيضا التشريعات المنظمة لعملية الصيد سواء في المياه المحلية أو الخارجية بما يستهدف أيضا الحفاظ على الثروة السمكية، وذلك بالالتزام بفترات منع الصيد للسماح للأسماك بوضع بيضها وللزريعة الجديدة بالنمو وبمناطق منع الصيد حيث المرابي الطبيعية للأسماك والتي تمثل محميات للحفاظ على التكاثر الطبيعي للأسماك.
المصدر: الشرق الأوسط