حرفة نسج الصوف المعروفة بصناعة “السدو” من الحرف التقليدية القديمة، التي كانت منتشرة في البادية وما تزال، وذلك لارتباطها بوفرة المادة الأولية المتمثلة في صوف الأغنام ووبر الإبل وشعر الماعز والقطن، و”للسدو” استخدامات متعددة عند البدو فهو العنصر الأساسي في تكوين “بيوت الشعر” التي تعتبر مساكن متنقلة لهم، تتناسب مع ظروف البيئة والحياة التي يعيشونها.
و تعتمد صناعة “السدو” على جهد المرأة في المقام الأول، وتعبر من خلالها عن تقاليد فنية عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، حيث تتفنن المرأة البدوية في زخرفة ونقش “السدو” بنقوش كثيفة، هي عبارة عن رموز ومعان مختلفة يدركها أهل البدو ويعرفون ما تحمله من قيم، فبعضها يعبر عن وسم القبيلة وبعضها عن المواسم، ويتميز “السدو” بألوانه الزاهية المتنوعة وزخارفه الجميلة التي تحمل دلالات اجتماعية مختلفة مستوحاة من طبيعة أبناء البادية، ولم تندثر هذه الحرفة في دول الخليج خلافاً لحرف أخرى كثيرة لم تعد موجودة بفعل تبدل احتياجات الناس في حقبة ما بعد النفط.
تبدأ عملية الغزل بإزالة الأوساخ وأغصان الأشجار التي قد تكون عالقة بالصوف، بواسطة اليد أو باستخدام أمشاط خشبية على شكل الفرشاة لها أسنان حديدية، ويُمشط الصوف حتى تصبح أليافه مُرجّلة متوازنة صالحة للغزل، ثم توضع هذه الألياف على “التغزالة” التي تضعها الغازلة تحت إبطها أو بين قدميها عند الجلوس، وتسحب الألياف منها لتغزلها، ويكون “للفتلة” المفردة حينما تغزل “برمة” يمينية أو يسارية حسب اتجاه دوران المغزل، باتجاه عقارب الساعة أو عكسها.
ويتحكم عدد “البرمات” في كل سنتيمتر في قوة الفتلة وتؤثر في مظهر النسيج، فإذا قلّت في السنتيمتر الواحد، أنتجت “فتلة” غزلها رخو متخلخل تعطي نسيجا ناعما لينا، أما “الفتلة” التي يكثر عدد “برماتها” في السنتيمتر الواحد فتعطي نسيجا أكثر قوة وتماسكا، يبرز بوضوح جمال النقوش اليدوية التي تُرسم على النسيج.
وبعد ذلك تأتي مرحلة الصباغة، ويستخدم الصوف الأبيض دائما للصباغة، أما الوبر والشعر والقطن فتظل بألوانها الطبيعية ولا تصبغ عادة، ويُلف الصوف المغزول على شكل “شيعة” كما يسميها البدو قبل صباغتها، وفي الماضي كانت تُستخدم الأصباغ الطبيعية المستخرجة من الأعشاب الصحراوية ، أما الآن فيشتري البدو الأصباغ الكيماوية، التي على الرغم سهولة استعمالها إلا أنها ليست ثابتة.
وتستخدم المرأة الناسجة عدة أدوات بسيطة في عملية غزل وحياكة الصوف أهمها: “التغزالة” وهي عبارة عن عصا يلف عليها الصوف غير المغزول، والمغزل وهو يصنع من الخشب ويتكون من عصا ينتهي أحد طرفيها بخشبتين، طول الواحدة منها 5 سم تقريبا، مصلبة الشكل، يتوسطها خُطاف لبرم الصوف الملفوف، وتحويله إلى خيوط تُجمع على شكل كرات.
والنول وهو آلة الحياكة ويسمى أيضاً “السدو” وهو عبارة عن خيوط ممتدة على الأرض تربط بأربعة أوتاد على شكل مستطيل، و”المنشزة” وهي قطعة خشبية مستطيلة الشكل ذات طرفين حادين، وتُستعمل لرصف الخيوط بعد تشكيلها، ثم “الميشع” وهو عبارة عن عصا خشبية يُلف حولها الخيط على شكل مروحي، ويُفك جزء منه بطول مناسب قبل إدخال لقطة لُحمة جديدة، و”القرن” وهو عبارة عن قرن غزال، يستخدم في فصل خيوط “السدو” بعضها عن بعض ووضعها في ترتيب صحيح أثناء حياكة الزخارف والنقوش.
ومن الأدوات المستخدمة أيضاً “المدرة” وهي عبارة عن مقبض خشبي مثبت به ذراع حديدي قصير ينتهي بطرف منحن، ويعتبر تصنيعا جديداً لفكرة “القرن”، أما “المدراة” فهي أداة مصنوعة من الحديد أو الخشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه ويُرجّل به الشعر الخام المستخدم في حرفة “السدو” ،ويعتبر الصوف من أكثر الخيوط شيوعا لوفرته ولسهولة غزله وصباغته ونسجه.
من أهم المنتجات التي تُصنع من الصوف “بيت الشعر” وهو مسكن أهل البادية في الصحراء، و”العدول” وهي عبارة عن أكياس كبيرة لحفظ الأرز، و”المزواد” وهي عبارة عن أكياس أصغر حجما من “العدول” وأكبر من (الخروج)، وتستخدم لحفظ الملابس، و”السفايف” وهي عبارة عن خيوط مُحاكة بطريقة جميلة وألوان زاهية لتزيين الجمال والخيول.
ومن هذه المنتجات أيضاً البُسط أو “الساحة” وتعني المفارش التي تستخدم في فرش الديوانية، وتصنع عادة من الخيوط المبرومة، أما “العقل فهو عبارة عن عدة خيوط تبرم باليد تستخدم في ربط الجمال والخراف والماعز، ثم “الشف” وهي قطعة من “السدو” من نوع المفرشة، مصنوعة من لون واحد وعلى أطرافها نقشة الضلعة بلون مختلف، وهي تُفرش على الجمال للزينة.
كما يتم في هذه الحرفة صناعة المساند المعروفة، وهي بمثابة “تكأة” يستند إليها الجالسون في الديوانية، وتسمى الخياطة الموجودة على أطراف المسند “بالخشام” ، وتكون خيوط اللُحمة المستخدمة في الحياكة غالبا من القطن، الذي رغم افتقاره لمرونة الصوف إلا أنه متين وسهل الاستعمال للنسيج، ولا يتلف بسهولة، وقد اعتاد النساجون في الماضي على غزل القطن المستورد من الهند ومصر، ولكنهم الآن يشترون خيوطا جاهزة من الأسواق المحلية.
وبالنسبة لبيوت الشعر فإنها تُصنع من نسيج شعر الماعز، وتتميز بلونها الأسود الداكن الذي يمتص الحرارة، بالإضافة إلى أنه عندما يبتل النسيج تتفتح الخيوط ويزداد التحامها مع بعضها، ونظرا لتميزه بخاصية الشعر الزيتية، فإنه يصبح طارداً فضلا عن قوته وشدة تحمله ما يجعله أكثر ملائمة لبيئة وظروف حياة البدو.
ويعتبر “السدو” من الصناعات التقليدية التي برعت فيها المرأة السعودية، وخصوصًا في منطقة الجوف التي تقع في شماليِّ شرق المملكة، فهذه الحرفة من أهم ما يميز المنطقة، ولا يكاد يخلو بيت فيها من قطعة من السَّجاد أو “السدو” المصنوعة يدويًّا، إما بالشراء من السوق أو بصنع أهل البيت لها، حيث تعد من العناصر التقليدية في البيت الجوفي.