الطاعنون في القرآن وإشكال الجهل المركب

الطاعنون في القرآن وإشكال الجهل المركب

 

 

 

 

يمثل كتاب :”القرآن ونقض مطاعن الرهبان” الصادر عن دار القلم لمؤلفه: الدكتور صلاح الخالدي، تجربة شجاعة في التصدي للهجمات المعاصرة الساعية إلى تشويه القرآن. يهدف المؤلف من خلال الكتاب إلى:”الانتصار للقرآن، والدفاع عنه أمام هجمات أعدائه، الذين انتقَصوهُ وخطَّؤوهُ، وأثاروا حوله الشبهات..”ص5.

ويظهر من خلال الكتاب أن مطاعن المشككين في صدقية القرآن غير مؤسسة علميا ولا واقعيا، وإنما تعتمد على الجهل المركب لأصحابها بالقرآن وأحيانا بالعلوم التي يستندون إليها، والجهل المركب يعني (معرفة الشيء على غير حقيقيته).

نبذة عن الكتاب

يقع الكتاب الذي تمت طبعته على نفقة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية في 758 صفحة من الحجم الكبير، ويتألف من عشرة فصول، تتناولُ “جوانب جغرافية وتاريخية ولاهوتية ولغوية وتشريعية واجتماعية وعلمية وفنية، وقد تتبع المؤلف تلك الشبهات واحدة تلك الأخرى وبين تهافتها وبطلانها بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة..”. ص4.

جاء الكتاب ردا على كتاب:”هل القرآن معصوم”؟. وهو كتابٌ يُنسبُ إلى رجل دينٍ نصراني يدعى: عبد الله الفادي. أشار الخالدي إلى أن الاسم مستعار، وأن الكتاب صدر “عن مؤسسة تنصيرية في النمسا، اسمها: “ضوء الحياة”، وظهرت طبعته الأولى عام 1994م، وتوزعه هيئات ومراكز التبشير النصرانية..”.ص5.

شبهات جغرافية تاريخية

ذكر المؤلف في الفصل الأول الذي خصصه لمجال الجغرافيا مجموعة من الشبهات، منها أن الفادي اعتبر أن القرآن أخطأ عندما قال إن الأرض ثابتة لا تتحرك. لكن الخالدي يرى أن القرآن :”صرح بأن الجبال تحفظ توازن الأرض، فلا تميد بأهلها. ولذلك خاطب الناس بذلك:{وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}. فمنع الميد والاضطراب خاصٌّ بالبشر، ولكن هذا لا يمنع دورانَ الأرضِ حولَ نفسها وحول الشمس..”. ص29.

زعم الفادي أيضا أن الشمس ثابتة لا تتحرك، وفنَّد الخالدي ذلك حين قال:”إن الفادي هو الذي أخطأ خطأ جغرافيا فلكيا عندما اعتبر أن الشمس ثابتة لا تنتقل من مكانها، وأن القرآن أخطأ عندما أخبرَ أنها تجري لمستقرٍّ لها..فما قاله القرآن هو الصواب، المتفقُ مع آخر مقرَّرات علم الفلك الحديث، وما قاله الفادي فهو الخطأ المتعارض مع تلك المقررات..” ص52.

وفي حديثه عن الشبهات التاريخية حول الكعبة ذهب الفادي إلى القول إن إبراهيم لم يَرِدْ ذكرٌ لبنائه للكعبة، مستندا في ذلك على الكتاب المقدس:”الكتاب المقدس يُعلمنا أن إبراهيم دُعيَ من أُورِ الكلْدانيين إلى أرض كنعان..ولم يرد ذكرٌ لذهابه إلى بلاد العرب، ولا ذكر لبنائه هو وإسماعيل الكعبة..”.

يقول الخالدي:”إن المرجع في أحداث التاريخ الماضي هو القرآن الكريم، لأنه كلام الله المحفوظ الثابت، وكل ما فيه حقٌّ وصدقٌ وصواب، وبما أن القرآن أخبرنا بصريح آياته أن إبراهيم هاجرَ إلى أرض الأرض المقدسة، وبما أن القرآن أخبرنا أن إبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة فهذا الخبر صحيح..”. ص118.

شبهات أخلاقية لاهوتية

اعترض الفادي على آيات الجهاد، باعتبارها تدعو إلى سفك الدم ونهب الأموال، من وجهة نظره، فقال:”..إذا كان القتل محلَّلا فما هو الحرام؟، وكيف يحرض نبي على القِتال..”.

أما الخالدي فاعتبر أن :”اليهود والنصارى وباقي طوائف أعداء المسلمين تُزعجهم آياتُ الجهاد والقتال، وهم يحاربون مبدأ الجهاد والقتال في الإسلام، ويحرصون على قتل روح الجهاد في نفوس المسلمين. في الوقت الذي لا يتوقفون عن الطمع في بلاد المسلمين، وحشد الجيوش للعدوان عليهم..”. ص206.

ثم ذكر الفادي أن المسلمين أخذوا قولهم:”الله أكبر” من الجاهليين المشركين، وأن “عرب الجاهلية كانوا يكبرون الله في بعض الأحيان قائلين: الله أكبر، لكن الخالدي نفى ذلك، حين فقال: “وقد كانت فرية الفادي كبيرة، عندما زعم أن المسلمين أخذوا قولهم:(الله أكبر) من العرب الجاهليين. إن كلمة “الله أكبر” عنوان التوحيد بجانب الكلمة الطيبة:”لا إله إلا الله”، ولذلك جعلها الإسلام عنوان الدخول في الصلاة، والانتقال فيها، وفي العيدين وغيرهما..”. ص257.

شبهات لغوية تشريعية

اعترض الفادي على قول الله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}. فقال:” وكان يجب أن أن يُرفع المعطوفُ على المرفوع فيقول: والموفون..والصابرون”.

قال الخالدي معلقا: “إن الصابرين مفعولٌ به منصوب بالياء، لفعل محذوف، تقديره: (أمدح) أي: وأمدح الصابرين في البأساء والضراء”. ص363.

وذهب الفادي إلى أن مخالفة الإسلام “كل الشرائع السماوية في قطع يدِ السارق تعتبر إساءة إلى الإنسانية”،  لكن الخالدي وصف كلام الفادي بـأنه: “..متهافتٌ..” لأنه “..يتطوع للدفاع عن السارق الذي يسرق ويتعدَّى..ويترك المسروقين المظلومين..”.ص381.

شبهات اجتماعية علمية

وفي مجال الشبهات الاجتماعية شبّه الفادي حجاب المرأة بـالسِّجن، وقال إن الحجاب:”يقتل في المرأة روح النشاط والحرية”، لكن الخالدي تعجب من موقف الفادي من الحجاب قائلا: “لا أدري لما ذا يهاجم الفادي الحجاب، وهو رجل الدين النصراني الذي يزعم حرصَه على العفاف والطهر..إن الحجاب صيانة وحفظٌ للمرأة ونشرٌ للطهارة والفضيلة في المجتمع..”.ص451.

أما في مجال الشبهات العلمية، فاعترض الفادي على نوم أصحاب الكهف حين قال:”كيف يتسنّى لسبعة غلمانٍ وكلبهم أن يعيشوا ثلاثمائة وتسعَ سنين دون أكل ولا شرب..”، لكن الخالدي اعتبر أن الأمر معجزة: “لو كان الأمر عاديا وفقَ مألوف الناس وعاداتهم لقلنا: هذا مستحيل، ولكنه أمر الله، والله فعّال لما يريد، وهو معجزةٌ خارقة للعادة..”.ص516.

شبهات فنية 

وفي مجال الشبهات الفنية تساءل الفادي:”كيف يكون القرآنُ عربيا مبينا، وبه كلمات أعجمية كثيرة..”؟، لكن الخالدي ذكر في هذا السياق:”أن العلماء اختلفوا في القول بوجود كلمات أعجمية، فمنهم من ذهب إلى وجودها، ومنهم من نفى وجود أي كلمة غير عربية..”.ص534.

أما الفصل العاشر والأخير من الكتاب فخصصه المؤلف للرد على الشبهات المتعلقة بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أبرزها: شبهات حول أزواج الرسول وغزواته، وأحواله مع الوحي، والسحر وحادثة الإفك..وقد قام المؤلف بتفنيد هذه الشبهات واحدة تلو الأخرى.

في الختام أقول إن كتب التاريخ تحتفظ بأسماء شخصيات بذلت جهودا من أجل تشويه وتكذيب القرآن، لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل وخسر أصحابها، فالقرآن محفوظ من قبل الله، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. {الحجـر9}.

شيخنا محمد عمو

 

 

 

Exit mobile version