العاطلون عن العقل

الصحيح لُغة: العاطلون “مِنْ” لا “عنْ” يقول الشاعر : “لا تنكري عطل الكريم من الغنى… فالسيل حرب ٌ للمكان العالي”. هي ضربة استباقية لِمنْ يتربص لِعلّة المبْنى غافلاً انتظام المعنى، فآثرتُ خطأ ًشاع على صحيح ضاع.

البطالة العقلية في أصقاعنا العربية تفوق بطالة العمل، ذلك مردُه إلى اتخاذ بعضنا من العقل مجرد زينة جعلتنا مختلفين عن باقي المخلوقات. صحيح هو زينة، بَيْد أنه زينة لا تدب فيها الحياة إلا بالقيام بوظيفته التي أنشىء من أجلها، وأن يكون قياماً منطقيا ً لا شكلياً أو زائفا”. ثمة وقائع تحصل تكون ردود الفعل عليها وتداعياتُها الاختبار الحقيقي لصلاحية العقل ووحدة قياس لوزنه. وعلى إثر ذلك يتشكل الحدث الذي قد يصل إلى الحد الدموي.

إن ما يرتكبه العقل العاطل أو المُعَطّل تتجلى معالمه في المقام الأول من خلال رد فعله على الحرية الفكرية، وكيفية التعاطي معها حيث في عالمنا العربي يكون رد الفعل متمازجاً مع ما يقوم به عسكريون فاشيون ضد محتجين بطريقة سلمية، فلا ترحم هراواهم عظام المحتجين، ولا الرصاص أجسادهم. في المحصلة قد نَبيت على مجزرة بشرية ونستيقظ على اعتقالات، هذا إنْ كنا من الناجين.

لنا أنْ نقوْلب هذا المشهد الدامي ونتخيل المجازر الفكرية، والتنكيل الحاصل بحق أحرار الكلمة في وجه طواغيت الفكر وتابعيهم بغير إحسان. فالمجازر تُرتكب بحق النتاج الفكري والقصف، وإنْ كلاماً وإعلاماً، يطال صاحب النتاج فلا فرق حينئذ بين عسكري فاشي تلقى أوامره من قائده، وامرىء بندقيته لسانه يُصوّبه نحو قلب الضحية الفكرية بعد أن سلّم زمام عقله لولي أمره عفواً لولي فِكْره.

تعطيل العقل، طوعاً أو كرهاً، هو ما سمح لآفات سلوكية وكلامية أن تتغلغل في مسامات الجسد العربي، وتتفشى في سائره فصار الخبر الكاذب هو الصادق، وأصبحت الاشاعة هي القرينة. علماً أن جزيئا ً بسيطا من مكوّن أية اشاعة كاف ٍ لتحفيز العقل على التحرر من طوْر الخمول أو العطل والانطلاق نحو الفاعلية والنشاط “التفكيري”، لأن المطلوب منه ليس اختراع جهاز ولا فك “شيفرة” في هذه الحالة.

لقد أصبحنا أمّة تنخرها الإشاعات، وتنكّل بها ألْسُن الإفك ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ً وكأننا أمِرْنا أن نسعى في مناكب نشر الأكاذيب وشرها، وأن يكره أحدُنا لغيره ما يحب لنفسه، فصارت قصص النجاح أوثانا ً من الواجب أن نحطّمها، ونؤثم إنْ رفدناها ولو بالدعم المعنوي .كان بالمقدور لهذه الصورة أن تُقلب لو خلقنا لعقولنا فرص عمل “تفكيري” بدلاً من تقديمها هدية مجانية لأولي الفكر يشكلونها كما يشاؤون , ويلعبون بها كما لو أنها أحجار شطرنج.

محمد أبوعبيد
نقلا عن العربية نت

Exit mobile version