الفراهيدي.. مؤسس علم العروض

هو الخليل بن أحمد الفراهيدي وُلِدَ في البصرة عام (100هـ) ونشأ عابدًا لله تعالى، مجتهدًا في طلب العلم، واسع المعرفة، شديد الذكاء، أدرك الخليل بفطرته السليمة أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، فاجتهد في طلب العلم وأخلص في طلبه؛ فكان غيورًا على اللغة العربية (لغة القرآن)؛ مما دفعه إلى العمل على وضع قواعد مضبوطة للغة، حتى عدَّه العلماء الواضع الحقيقي لعلم النحو في صورته النهائية، التي نقلها عنه تلميذه (سِيبوَيه) في كتابه المسمى (الكتاب) فذكره وروى آراءه في نحو ثلاثمائة وسبعين موضعًا معترفًا له بوافر علمه، وعظيم فضله.

وذات يوم ذهب الفراهيدي إلى الكعبة حاجًّا، فتعلق بأستار الكعبة، ودعا الله أن يهب له علمًا لم يسبقه أحد إليه، ثم عاد إلى وطنه، فاعتزل الناس في كوخ بسيط من خشب الأشجار، كان يقضي فيه الساعات الطويلة يقرأ كل ما جمعه من أشعار العرب، ويرتبها حسب أنغامها، ويضع كل مجموعة متشابهة في دفتر منفرد.

ومن العلماء اﻟﺫين تلقى عليهم علومه : ابو عمرو بن العلاء ، وعيسى ين عمر، وغيرهم ، فاجتمع له العلوم والمعارف ما أتاح له ان يكون استاﺫ البصرة في عصره ، بلا منازع وكثر تلاﻣﻴﺫﻩ أمثال : سيبويه، والكسائى، والنضر بن شميل ، والاصمعى وغيرهم . وقد اعترفوا جميعا، وكلهم أساتذه كبار، بريادته في اللغة، والنحو، والعروض، وعلم الموسيقى ، والرياضة .

وكان الخليل إلى علمه الغزير، متواضعا، زاهدا، ورعا يحج كل سنتين مره، ويعيش في خص من أخصاص البصرة ، قال تلميذه النضر بن شميل: (أكلت الدنيا بعلم الخليل وكتبه، وهو في خص لا يقدر على فلسين، وتلاميذه يكسبون بعلمه الأموال).

ومن حكايات زهده، أن سليمان بن حبيب بن أبى صفره والى فارس والأهواز ، كان ﯾﺪفع له راتبا بسيطا يعينه به، فبعث إليه سليمان يوما يدعوه إليه، فرفض، وقدم للرسول خبزا يابسا مما عنده قائلا: ما دمت أجده فلا حاجه بي إلى سليمان.

والخليل هو أستاذ سيبويه واضع (الكتاب) أول وأفضل كتب النحو، واعترافا من سيبويه بفضل أستاذه ، فإننا حين نقرا في (الكتاب) : (سألته ) أو ( قال)، من غير أن يذكر الضمير، نعرف انه يعنى الخليل ين احمد.

إسهاماته

ذات يوم مَرَّ الخليل بسوق النخَّاسين، فسمع طرقات مطرقة على طَست من نحاس، فلمعت في ذهنه فكرة عِلم العَرُوض – ميزان الشعر أو موسيقى الشعر- الذي مَيز به الشعر عن غيره من فنون الكلام، فكان للخليل بذلك فضل على العرب، إذ ضبط أوزان الشعر العربي، وحفظه من الاختلال والضياع، وقد اخترع هذا العلم وحصر فيه أوزان الشعر في خمسة عشر بحرًا (وزنًا) وكما اهتم بالوزن اهتم بضبط أحوال القافية – وهي الحرف الأخير في بيت الشعر، والتي يلتزم بها الشاعر طوال القصيدة – فأخرج للناس هذين العلمين الجليلين كاملين مضبوطين مجهزين بالمصطلحات.

بالإضافة إلى أنه مؤسس علم العروض وواضع أول معجم عربي، فقد أشار في شروحه إلى القلب والنحت، والأضداد، والمعرب، كما عالج بعض المسائل النحوية، واعتمد شواهد نثريه وشعرية وقرانيه، وعنى باللهجات واللغات.

مؤلفاته

لم يكتف الخليل بما أنجزه، وبما وهبه الله من علم؛ استجابة لدعائه وتوسله وتضرعه، فواصل جهوده وأعدَّ معجمًا يعَد أول معجم عرفته اللغة العربية، وامتدت رغبته في التجديد إلى عدم تقليد من سبقوه، فجمع كلمات المعجم بطريقة قائمة على الترتيب الصوتي، فبدأ بالأصوات التي تُنْطَق من الحَلْق وانتهي بالأصوات التي تنطق من الشفتين، وهذا الترتيب هو (ع- ح- هـ- خ- غ…) بدلا من (أ- ب- ت- ث- ج …) وسمَّاه معجم (العين) باسم أول حرف في أبجديته الصوتية.

وله من الكتب بالإضافة لمعجم العين كتاب النّغم، وكتاب العروض، وكتاب الشواهد، وكتاب الإيقاع.

Exit mobile version