ثورة في عالم المواد الصديقة للبيئة

ثورة في عالم المواد الصديقة للبيئة

بقلم : د. مجدى سعيد

  المواد الصديقة للبيئة: يظل الإبداع والابتكار هو القيمة المفتاحية في الريادة سواء ريادة الأعمال أو الريادة الاجتماعية، والإبداع والابتكار في إطار الريادة دائما ما يأتي بحلول لمشكلات مزمنة وتلبية احتياجات قائمة.

ولا شك أن مواد التعبئة الملوثة للبيئة خاصة تلك التي يستخدم فيها الفوم المصنع من مادة البوليستيرين المستخلصة من مشتقات البترول والتي يصعب أن تتحلل في التربة إلا عبر عشرات السنين، هي أحد المشكلات المهمة التي تواجه المجتمعات البشرية الحديثة التي تنوء بمشكلات بيئية جمة، لذا فإن الرواد المهتمون بسلامة البيئة ما فتئوا يبحثون عن مواد بديلة ملائمة للبيئة لتصنيع مواد التعبئة والتغليف، وهو الأمر الذي أفلحت فيه إحدى الشركات الأمريكية الصغيرة والرائدة في هذا المجال، وهي شركة إكوفيتيف التي تأسست في نيويورك عام 2007، والتي استطاعت أن تستثمر إحدى خصائص المشروم أو عيش الغراب (خاصة في جذوره الخيطية المعروفة باسم الميسيليوم mycelium) والتي تستطيع تحويل نفايات المحاصيل الزراعية إلى مواد بديلة للبلاستيك والفوم لكنها مواد صديقة للبيئة.

الشركة شارك في تأسيسها كل من إبين باير Eben Bayer الشاب ذو (صاحب الابتكار) مع جافين ماسنتاير، حازت على عدة جوائز وعقود عمل، حيث حصلت على جائزة مسابقة لوتري البريد الهولندي الخضراء وقيمتها 750 ألف دولار، كما حصلت على منح من وكالة حماية البيئة والمؤسسة الوطنية للعلوم ووزارة الزراعة الأمريكية، وتم تسمية الشركة في المنتدى الاقتصادي العالمي كشركة تكنولوجية رائدة، كما وقعت عقدا بمنح ترخيص تصنيع وتسويق وبيع منتجات التعبئة المصنوعة من المشروم مع شركة سيلد إير بقيمة 7.6 مليار دولار وفي إطار العقد سيتم إقامة مصنع لإنتاج مواد التعبئة تلك في ولاية آيوا الأمريكية.

أما قصة الابتكار/ الاكشتاف فإنها جاءت من نشأة إبين باير في مزرعة لشراب القيقب في ولاية فيرمونت الأمريكية والتي لاحظ فيها لأول مرة التأثير السحري لجذور المشروم في تماسك الأشياء مع بعضها البعض، وبعد دراسته للهندسة الميكانيكية في معهد رينسيلاير بوليتيكنيك ولقائه بجالفين أسس شركة إكوفاتيف Ecovative، وعلى الرغم من بساطة تكنولوجيا تصنيع المادة الجديدة إلا أن الأمر استغرق عامين من التجربة والخطأ، إلا أنهم في النهاية توصلوا لأنسب الطرق لإنتاج المادة التي تتشابه في الخواص مع الستيروفوم وهو الفوم البلاستيكي الصلب الذي ابتكرته شركة داو في ثلاثينيات القرن العشرين، حيث أن تلك المادة يمكن تشكيلها بسهولة كما هو الحال في الستيروفوم، لكنها تفوقها في كونها مادة متجددة قابلة للتحلل طبيعيا في التربة مصنعة من المخلفات الزراعية بما يمنح المزارعين إمكانية الحصول على دخل من المخلفات الزراعية فضلا عن دخل المحصول الرئيسي.

الإمكانات التي تتيحها خصائص تلك المادة تفتح الآفاق لمنتجات أخرى غير مواد التعبئة، مثل منتجات العزل للمنازل، وبدائل لألواح الفيبر الخشبية التي تدخل في صناعة الأثاث إضافة إلى قطع غيار للسيارات، وعلى الرغم من اكتفاء الشركة في المرحلة الحالية بالتركيز من الناحية التجارية على مواد التعبئة خاصة في ظل سعيها إلى أن تكون مواد التعبئة الجديدة ذات سعر منافس لأسعار المنتجات التقليدية، إلا أن معامل التصميم والاختبار الخاصة بها لا تكف عن ابتكار مصنوعات جديدة تطرحها في الأسواق في مراحل لاحقة.

هذه الشركة الوليدة الرائدة في صناعة مادة جديدة ملائمة للبيئة تدخل في عدة صناعات حصلت مؤخرا على جائزة جديدة هي جائزة الأرض التي تمنحها مؤسسة الطاقة العالمية، الأمر الذي حدا بـ “أنيل جوبتا” مؤسس شبكة نحل العسل Honeybee Network وهي الشبكة الهندية المعنية باكتشاف وتطوير وتبادل الابتكارات الشعبية والذي قام بتسليم الجائزة لإبين باير إلى أن يقول: نحن بحاجة ماسة إلى مثل تلك الابتكارات في الهند والتي تعاني من الآثار اليومية للتلوث بالبوليستيرين.

 

المواد الصديقة للبيئة
المواد الصديقة للبيئة

كم من ابتكارات وإبداعات لباحثين مصريين وعرب لم تجد طريقها إلى الأسواق كمنتجات لكنها وجدت طريقها للأدراج كأوراق ومحفوظات، لأننا لا نجد رأس المال المغامر، الذي يعشق ريادة الأعمال، ويرى طريقه للنجاح واضحا، ويكون واثقا من نفسه كما يفعل إبين باير حيث يقول في تصريح للجارديان البريطانية “نحن قادرون على المنافسة مع صناعات البلاستيك الراسخة التي تستثمر مليارات الدولارات، لأننا لا نعتمد في منتجاتنا على استخراج مواد أخرى”، وربما لأننا لا نهيئ البيئة للمنافسة الحرة دون تدخلات استبدادية تحطم المبادرين الصغار لصالح المحاسيب من المحتكرين والمستوردين الكبار من أصحاب توكيلات الشركات العملاقة عابرة القوميات.

يبقى أن ننوه إلى أن العالم لا يفتأ يستفرغ جهده البحثي في ابتكار “مواد Materials” جديدة، لأن الابتكار في هذا المجال من شأنه أن يفتح الآفاق لعدد ضخم من المنتجات القائمة على المواد الجديدة، وفي إطار الاهتمام بتلك المواد الجديدة، تحظى المواد المصنعة من موارد متجددة، وصديقة للبيئة باهتمام خاص، وهو المجال الذي يسعى فيه أحد علمائنا وهو الأستاذ الدكتور حامد الموصلي، سواء من خلال الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية، أو من خلال المؤسسة الجديدة التي يسعى لتأسيسها والمعنية بشكل خاص بأبحاث الموارد المتجددة، وهي المؤسسة التي من شأنها أن تفتح آفاقا جديدة في البحث والتطوير الصناعي، والذي لابد أن ينعكس في تنمية اقتصادية واجتماعية من خلال فتح الآفاق لمنتجات وفرص عمل جديدة.

للمزيد حول الموضوع طالع:

Exit mobile version