المَوهوبون ذو التَّحصيل المتدنِّي رؤى تربويّة وأفكار تربويّة

بقلم: د. عدنان محمد القاضي– مملكة البحرين

يبدو للوهلةِ الأولى بأنَّ التَّحصيل المتدنِّي عند الموهوبين هو تناقضٌ في الألفاظ؛ إذ كيف يُمكن لهم أنْ يكونوا ذوي تحصيل متدنٍ استناداً إلى التعريف الواضح والبيِّن والقائل بأنَّ الموهوبين هم الذي تطوَّرت لديهم مستويات عالية منَ الإبداع والالتزام والمثابرة والذكاء (القدرات العقلية) مع ثبات دائم في مستوى الأداء العالي!

ومنْ ناحيةٍ أخرى، هناكَ ارتباطٌ بين التَّحصيل المتدنذِي وبين الفشل في الأداء الأكاديمي، وهذا التناقض الظاهري في الألفاظ والكلمات يسبب الحيرة والارتباك، فالموهبة والتَّحصيل المتدنِّي لا ينسجمان في الحالاتِ الطبيعية، إضافةً إلى أنهما يقعانِ على طرفيْ نقيض في السلسلة التعليمية، واليوم لا نستغرب ولا نندهش منْ أنَّ التحَّصيل المتدنِّي عند الموهوبين يمثّل لُغزاً وسِرّاً ينبغي الوقوف أمامه؛ معرِّفين به؛ ومحددين لأسبابه؛ ومبيِّنين لمظاهره وسلوكاته؛ ومقترحين علاجاته التربوية والتعليمية.

ومنَ المُدهش أنَّ تقديرات ذوي القدرات العالية وذوي التحصيل المتدني تصل إلى 50% كما وردت لدى ريم (1987)؛ وهوفمان وآخرون (1985). وتمثّل هذه الفئة من الموهوبين نسبة كبيرة أو قطاع كبيرٌ لم تهتمُّ بهم برامج الموهوبين، أو لم يُشاركوا أصلاً في هذه البرامج، ولو كانت تلك البرامج تُهمل وتتجاهل هذا العدد الكبير منهم، فإنّه لابدّ منْ دراسة وبحث هذه المسألة.

من هُم الموهوبون ذوو التَّحصيل المتدنِّي؟

تُشير رايس ومكلواج (2000) أنَّ أيّة مناقشة أو بحثٍ لمسألةِ التَّحصيل المتدنِّي عند الموهوبين يجبُ أنْ تبدأ بالتعريف، ومع كلّ التقويمات الموجودة للمعلِّمين وأهل التربية والأعداد الكبيرة منَ البحوث والدراسات الموجودة، فإنَّ هذه المهمّة ستكون سهلةً وبسيطة مع وجود تعريف واحد مُباشر ودقيق.ومنَ يبدو أنَّ الموهوبين ذوي التَّحصيل المتدنِّي يشتركون في أشياء مع العاديين ذوي التَّحصيل المتدنِّي أكثر منَ ذوي التَّحصيل المُرتفع، وبالتحديد ضعف الأداء في حجرة الدراسة.

وهذا الفرق العجيب الذي يميِّز بين الموهوبين ذوي التَّحصيل المتدنِّي وبين الأقران ذويالتَّحصيل المتدنِّي في القدرة على الحصول على درجات عالية في اختبارات التَّحصيل القياسية التي تقيِّم وتقيس المعرفة اللازمة والضرورية للأداء الجيِّد في حجرة الدراسة. وهذا التناقض بين القدرة والتَّحصيل هو العنصر الأساسي الذي يُستخدم ويَعتمد عليه معظم المعلِّمين وأهل التربية في تعريف التَّحصيل المتدنِّي عند الموهوبين.

وتعرِّف ريم (1997) التَّحصيل المتدنِّي عند الموهوبين بأنّه: “التناقض بين أداء الطفل في المدرسة وبعض المؤشرات عن قدرة الطفل، وإذا كان الأطفال لا يعملون وفق قدراتهم في المدرسة، فإنَّ تحصيل هؤلاء الأطفال يكون دون المستوى.

وعند القريطي (2005) هم: “الذين يتناقض مستوى أدائهم التَّحصيلي المدرسي (كما يُقاس بالاختبارات التَّحصيلية) بشكل ملحوظ مع مستوى قدراتهم العقلية (كما باختبارات الذكاء أو الإبداع المقننة)، حيث تكون معدّلاتهم التحصيلية أقل منَ المتوسّط أو منخفضة، وفي الوقت ذاته يحصلون على درجات ذكاء أو إبداع مرتفعة تضعهم ضمن مستوى الموهوبين أكاديمياً أو أدائياً”.

خصائص الموهوبين ذوي التَّحصيل المتدنِّي

ومنْ المظاهرِ التي تَبرزُ لدى هذه الفئة من الموهوبين ما يلي:

أسباب تدنِّي التَّحصيل لدى الموهوبين

يبيّن (Hunter-Braden, 1998) أسباب تدنّي التَّحصيل لدى الموهوبين على النحو الآتي:

هناك عوامل تتداخل مع بعضها لتدنِّي التَّحصيل لدى الموهوبين، وهي:

أولاً: العوامل الداخليّة

  1. الدافعيّة: ضعف الدافعيّة أو انعدامها لديهم نحو تعلُّم خبرات معيّنة؛ بسبب خلافات عائلية تعيقهم من الانتباه والتركيز في المهمّات التعليمية، أو أنَّ المناهج الدراسيّة والخبرات التعليمية تقع دون مستواهم العقلي، أو إلى أنماط التفاعلات غير الملائمة بين الأقران أنفسهُم أو بينهم وبين المعلمين.
  2. القلق والمشكلات الانفعاليّة: بسبب توقّعات النجاح والفشل، والرغبة الاجتماعية للموهبة والتفوُّق الدراسي، والميل إلى تحقيق المثالية، أو بسبب ضغط الأقران حيث يضطرّون إلى إخفاء مواهبهم وإظهار الضعف الأكاديمي في سبيل المحافظة على رضاهم.
  3. نمط التعلُّم: عدم مراعاة بعض المعلمين التنويع في أساليب وطرائق التدريس، وعدم استعمال الوسائل المناسبة أو التنويع في المهمات التعليمية، وفي نوعية الأسئلة قد تولِّد الضَّجر والملل وعدم الاهتمام لديهم.

ثانيًا: العوامل الخارجيّة

  1. أساليب التنشئة الاجتماعية التي تقوم على التهديد والتسلُّط، إضافة إلى السخرية والتهكُّم والنقد إلى التأثير في مستوى مفهوم الذات لديهم وبما ينعكس سلبًا على أدائهم الأكاديمي.
  2. الخلافات الأسريّة وعوامل التفكُّك الأسري يؤدِّي إلى إيجاد حالة من التوتُّر والقلق لديهم، وقد يدفع ببعضهم إلى ترك المدرسة، أو التأثير على مستوى التحصيل لديهم.
  3. اعتماد المناهج الدراسيّة التي تمّ إعدادها بالأصل لتناسب المتعلمين العاديين في المدارس التقليدية يؤدي إلى إيجاد خيبة أمل لديهم.
  4. اعتماد أساليب التدريس التقليدية وعدم التنويع فيها يؤدِّي إلى كبح قدراتهم، وعدم تفعيل مواهبهم على نحو ينعكس سلبًا في مستوى التحصيل لديهم.
  5. فقر البيئة إلى المثيرات الحسية ومواقف الإثارة يؤدي إلى حرمانهم من فرص الحصول على الخبرات والمعارف الإضافيّة.
  6. ارتفاع حجم التوقّعات من قبل الأهل والمعلمين والمجتمع اتّجاههم وقدراتهم يؤدي إلى إيجاد المزيدِ من الضغط النفسي عليهم.
  7. أساليب الضبطِ التي يلجأ إليها بعض المعلمين التي تعتمدُ النقد والسخرية والتهكُّم من مبادراتهم تؤدي إلى توليد الشعورِ بعدم القيمة وتدني مستوى مفهوم الذات لديهم، كما أنّها تولِّد لديهم مشاعر الكره للمدرسة والمعلمين والمناهج الدراسيّة.
  8. استخدام أدوات التقويم غير المناسبة. وسوء تفسير نتائجها.
  9. عدم توفُّر فرص التفاعل الاجتماعي المناسبة.
  10. عدم توفُّر علاقات الصداقة والنماذج الاجتماعية الإيجابيّة.

علاج مشكلة تدنِّي التَّحصيل لدى الموهوبين

  1. القياس والكشف المبكِّر من حيث تقدّم مهارات وقدرات الموهوبين ذوي التَّحصيل المتدنِّي وتحديد مواطن الضَّعف لديهم.
  2. الاتّصال والتواصل بين أولياء أمور الموهوبين ومعلّميهم؛ من أجل ضمان نجاح الخطّة العلاجيّة.
  3. تغيير التوقّعات، إذ يُمكن استخدام نتائج الموهوبين على بعض الاختبارات في القدرات العقليّة والإبداع والسمات الشخصيّة، ولا سيّما إذا كانت أعلى من المتوقَّع كمؤشِّر لإقناع الآخرين لتغيير توقّعاتهم حول أدائهم.
  4. اختيار النماذج (القدوات) الإيجابية، خاصةً إذا كانت جذابة وذات قيمة لديهم، ولها القدرة على التأثير في سلوكياتهم.
  5. تصميم الخَلل في المهارات، إذ ضعفها أو نقص بعضها مثل: الانتباه أو العادات الدراسيّة غير المناسبة، أو بسبب أداء الواجبات والأعمال متابعتها يسبب تدني التحصيل.
  6. استخدام إجراءات التعزيز المناسبة في البيت والمدرسة، وتتطلّب تحديد الأشياء ذات التأثير النفسي والمفضَّلة لديهم؛ لاستخدامها كمعززات لأدائهم. 

التدخلات العلاجية للموهوبين ذوي التَّحصيل المتدنِّي

التدخلات العلاجية المناسبة ضرورة مهمّة إذا أراد المعلِّمون وأهل التربية حلّ هذه المشكلة، فمن المعروف بأنَّ التدخلات المقترحة أخذت عدّة اتجاهات ونواحي مختلفة.

وكما هو الحال في إيجاد تعريف ودراسة أسباب التَّحصيل المتدنِّي عند الموهوبين، فلا يوجد حتى الآن تدخُّل واحد يمثِّل الحل الأمثل. وفي الحقيقة فإنَّ التدخلات الفعّالة التي وضعت وصممت لمعالجة وتصحيح التَّحصيل المتدنِّيعند الموهوبين هي تدخّلات متناقضة وغير حاسمة. وعليه فيحتاج مثل هؤلاء الموهوبون إلى:

وأقْتُرِح نوعيْن منَ التدخّلات العلاجية يهدفان إلى معالجة التَّحصيل المتدنِّي عند الموهوبين، ويُمكن توضيحهما فيما يلي: التدخلات الإرشادية، والتدخلات التعليمية.

أولاً: التدخلات الإرشادية: إذ تحاول تغيير أي ديناميكية شخصية أو عائلية تؤثِّر على التحصيل المتدني، وفضلاً عنْ محاولة إجبار الموهوبين على تحقيق مزيدٍ منَ النجاح، فإنَّ التدخلات الإرشادية تُساعده على تحديد الأهداف وتصحيح ومعالجة العادات التي تقف حجر عثرة في طريق النجاح. وتصف ريم (1995) نموذجاً ثلاثياً تستخدمه وتطبِّقه المدارس ويُحقق بعض النجاح في معالجة التَّحصيل المتدنِّي عند الموهوبين، وهذا النموذج الذي يتكوَّن منْ ست خطوات:

ثانياً: التدخلات التعليمية: فتركِّز على حجرات دراسية خاصّة معدّة ومصممة لإيجاد بيئة مفضّلة وإيجابية أكثر للموهوبين ذوي التحصيل المتدني، وتُستخدم في هذه الصفوف أساليب إبداعية غير تقليدية، ويتمتَّع الموهوبون هنا بمزيدٍ منَ الحرية والتنظيم والضبط والرّقابة لتعلّمهم الذاتي.

الإرشادات والتوجيهات العامّة لخطط وتنفيذ برامج التدخُّل الناجحة

  1. تطوير نظام وبناء يدعم ويؤيِّد الموهوبين ذوي التَّحصيل المتدنِّي.
  2. وضع ملخّص حقيقي للقضايا والمسائل والتوقّعات وخطط التدخُّل.
  3. تكليف شخص واحدٍ يتولّى مسئولية خطّة التدخُّل.
  4. مشاركة الأسرة في علاقة عمل وطيدة مع المدرسة.
  5. تعاون الأسرة والمعلِّمون في تبنِّي موقف عقلاني ونفساني قوي نحو التعلُّم.
  6. التوازن بين اللقاءات الجماعية والتفاعلات الأسرية.

(*) من محاضرة الموهوبون ذوي التحصيل المتدني: رؤى تربوية وأفكار بحثية ليوم 27 أغسطس 2022.. عبر منصة عالم التنمية المستدامة برعاية مجلس العالم الإسلامي للإعاقة و التأهيل

Exit mobile version