بنو موسى بن شاكر .. أسرة موسوعية

موسى بن شاكر : عاش موسى بن شاكر في بغداد زمن الخليفة العباسي المأمون، وكان من المقربين من الخليفة، وقد اهتم بالفلك والتنجيم، وعندما توفي موسى بن شاكر، ترك أولاده الثلاثة صغاراً فرعاهم المأمون، وكلف إسحاق بن إبراهيم المصعبي بالعناية بهم، فأدخلهم إسحاق إلى بيت الحكمة الذي كان يحتوي على مكتبة كبيرة وعلى مرصد فلكي، إضافةً إلى القيام بترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية من اليونانية. فنشأ بنو موسى في هذا الوسط العلمي وأصبحوا أبرز علماء بيت الحكمة.

واشتهر الأبناء الثلاثة، وهم محمد وأحمد والحسن باسم بنو موسى، أو الإخوة الثلاثة، وقد كان أكبرهم أبو جعفر محمد عالماً بالهندسة والنجوم و”المجسطي”؛ وكان أحمد متعمقاً في صناعة الحيل (الهندسة الميكانيكية) وأجاد فيها، وتمكن من الابتكار فيه؛ أما الحسن فكان متعمقاً في الهندسة، توفي أكبرهم سنة 872م ـ 259هـ.

إسهاماتهم العلمية

كان بنو موسى مبرزين في العلوم الرياضية، والفلكية، والميكانيكية، والهندسية؛ وأسهموا في تطويرها بفضل اختراعاتهم واكتشافاتهم المهمة.

وظهرت إسهاماتهم العلمية في مجال الميكانيكا في اختراع عدد من الأدوات العملية والآلات المتحركة، حيث ابتكروا عدداً من الآلات الفلاحية، والنافورات التي تظهر صوراً متعددة بالمياه الصاعدة، كما صنعوا عدداً من الآلات المنزلية، ولعب الأطفال، وبعض الآلات المتحركة لجر الأثقال، أو رفعها أو وزنها.

وفي الرياضيات، “كان لبني موسى باع طويل بشكل عام. كما أنهم استخدموا هذه المعارف الرياضية في أمور عملية، من ذلك أنهم استعملوا الطريقة المعروفة في إنشاء الشكل الأهليليجي (elliptic).

والطريقة هي أن تغرز دبوسين في نقطتين، وأن تأخذ خيطاً طوله أكثر من ضعف البعد بين النقطتين، ثم بعد ذلك تربط هذا الخيط من طرفيه وتضعه حول الدبوسين وتدخل فيه قلم رصاص، فعند إدارة القلم يتكون الشكل الأهليليجي.

أما في مجال الفلك، فقد حسب بنو موسى الحركة المتوسطة للشمس في السنة الفارسية، ووضعوا تقويمات لمواضع الكواكب السيارة، و مارسوا مراقبة الأرصاد وسجلوها.

ولعب بنو موسى دوراً مهماً في تطوير العلوم الرياضية، والفلكية، والهندسية وذلك من خلال مؤلفاتهم؛ ومن خلال رعايتهم لحركة الترجمة والإنفاق على المترجمين والعلماء.

وفي هذا الصدد تقول المؤلفة الألمانية زغريد هونكة عن بني موسى: “وقد قاموا بإيفاد الرسل على نفقتهم الخاصة إلى الإمبراطورية البيزنطية بحثاً عن المخطوطات الفلسفية، والفلكية، والرياضية، والطبية القديمة، ولم يتوانوا عن دفع المبالغ الطائلة لشراء الآثار اليونانية وحملها إلى بيتهم… وفي الدار التي قدمها لهم المتوكل على مقربة من قصره في سامراء، كان يعمل، دون إبطاء، فريق كبير من المترجمين من أنحاء البلاد.”

مؤلفاتهم

كتب بنو موسى في علوم عدة مثل الهندسة، والمساحة، والمخروطات، والفلك، والميكانيكا، والرياضيات. ومن مؤلفاتهم: “كتاب الحيل”، وهو أشهر كتبهم، جمعوا فيه علم الميكانيكا القديمة، وتجاربهم الخاصة، ويقول أحمد يوسف حسن محقق هذا الكتاب: “إن الاهتمام بكتاب الحيل بدأ في الغرب منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولكن الدراسات الجادة لم تظهر إلا مع بداية القرن العشرين، وذلك عندما نشر كل من فيديمان وهاو سر مقالات حول هذا الكتاب”.

وفي سنة 1979 قام هيل (Hill) بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية. وفي سنة 1981 نشر معهد التراث العلمي العربي في سوريا “كتاب الحيل” بعد أن قام الدكتور أحمد يوسف حسن وآخرون بتحقيقه.

ومن أهم مؤلفاتهم : ” كتاب مساحة الأكر”، و”كتاب قسمة الزوايا إلى ثلاثة أقسام متساوية”، ترجمه جيرارد كريموني إلى اللاتينية، و” كتاب الشكل المدور والمستطيل”، و “كتاب الشكل الهندسي”، و “كتاب حركة الفلك الأولى”.

يشار إلى أن بني موسى قد تعاونوا فيما بينهم لدرجة يصعب معها التمييز بين العمل الذي قام به كل واحد منهم، ولكنهم لعبوا دوراً مهماً في تطوير علوم الرياضيات، والفلك، والهندسة؛ وأثروا في عصرهم تأثيراً كبيراً.

Exit mobile version