روائي، وقاص، وصحفي، وناشر، وناشط سياسي كولومبي معاصر، حصل على جائزة نوبل للآداب ويعتبر من أشهر كتاب الواقعية العجائبية، وهو كاتب متنوع له العديد من الإبداعات، ساحر بمعنى الكلمة يستحق ما وصل إليه من منزلة، تعكس كتاباته إحساسه الصادق بالكلمة التي يكتبها.
ولد جابرييل جارسيا ماركيز في يوم 6 مارس من عام 1928م بمدينة “أراكاتاكا” في منطقة ماجدالينا شمال كولومبيا لأب كان يعمل في إدارة الهاتف بالمدينة وأم تنتمي لإحدى الأسر الغنية بها بالإضافة إلى قبيلة تتكون من ستة عشر أخا وأختا ويطلق عليه محبوه لقب “جابو” اختصارا لاسمه جابرييل.
أنهى ماركيز دراسته الابتدائية في “أراكاتاكا”، وقضى طفولته في كنف جده وجدته، ثم أصبحت جدته الشخصية المحورية في حياته بعد أن توفي جده وهو في الثامنة من عمره ، وكانت الحكايات الأسطورية التي ترويها له كل ليلة بمثابة الشرارة الأولى التي فجرت بركان الإبداع لديه، وانتقل ماركيز بعد ذلك لاستكمال دراسته في إحدى المدارس اليسوعية في العاصمة بوجوتا والتي التحق بجامعتها فيما بعد.
بعد تخرجه من المدرسة اليسوعية التحق ماركيز بالجامعة لدراسة الحقوق، لكنه كان يترك المحاضرات ليتسكع في شوارع العاصمة “بوجوتا” ويقضي ساعات طويلة في قراءة الأدب بدلا من استذكار دروسه بالجامعة.
وفي عام 1946م وهو في الثامنة عشرة من عمره نشرت له جريدة “إلإسبكتادور” الكولومبية اليومية قصة بعنوان “استقالة ” ووصفها المحرر بأنها عبقرية، وكانت تلك البداية لمرحلة الإبداع في حياة ماركيز، حيث نشر في نفس الصحيفة بعد ذلك عشرات القصص خلال السنوات التالية، وبعد ذلك كان يكتب مقالات يومية في صحيفة “يونيفيرسال” قبل أن يقرر أخيراً عام 1950م ترك دراسة الحقوق والتفرغ للكتابة التي ظلت مهنته الأزلية.
وفي عام 1947م صدر كتابه الأول “عينا الكلب الأزرق” ونشر في عام 1955م ثاني أعماله بعنوان “الأوراق الذابلة” ، كما احترف في نفس الفترة كتابة سيناريوهات الأفلام السينمائية، إلا أن موقفه المناصر دوما للحرية أدى إلى قيام السلطات الكولومبية بإغلاق الصحيفة التي كان عضواً في هيئة تحريرها، ومنذ هذه اللحظة بدأ ماركيز رحلته الطويلة مع حياة المنفى، والتي استهلها بباريس عام 1960م حيث عاش فيها ثلاثة أعوام عاني خلالها من الفقر والوحدة، ثم عاد بعد هذه الأعوام إلى أمريكا اللاتينية وتحديدا إلى العاصمة الفنزويلية “كاراكاس” حيث التقى بالرئيس الكوبي فيديل كاسترو والثائر الأرجنتيني الأشهر تشي جيفارا.
وفي عام 1961م كان موعده مع الرحيل إلى المكسيك التي ظل بها ستة أعوام إلى أن اختار مدينة “برشلونة” الأسبانية كمنفى اختياري، وفي المكسيك كتب روايته الأشهر “مائة عام من العزلة” عام 1968م وهي الرواية التي ترجمت إلى32 لغة من بينها العربية وبيع منها نحو 30 مليون نسخة.
وصار ماركيز أحد كبار مبدعي الأدب في العالم بأسره، وتوالت أعماله ومن أهمها “خريف البطريرك” عام 1975م، والتي تعد إدانة صارمة لأي ديكتاتور على وجه الأرض، ويعتبر ماركيز من أشهر كتاب الواقعية العجائبية، ويصنف الكثير من أعماله على أنها أدب خيالي أو غير خيالي وخصوصا عمله المسمى “حكاية موت معلن” عام 1981م، وعمله المسمى ” الحب في زمن الكوليرا” عام 1985م وقد كتب أيضا سيرة سيمون دو بوليفار في رواية ” الجنرال في متاهة” ومن بين هذه الإبداعات أيضا رواية ” لا أحد يكاتب الكولونيل” و “مآتم الأم العظيمة” ، و “خبر اختطاف” و “الحب وشياطين أخرى” و “في ساعة شر” و “الأم الكبيرة” و “أشباح أغسطس” و”الموت أقوى من الحب” و”ثمن عشرين قتيلا” و”بائعة الورد” و”اثنا عشر قصة مهاجرة” التي تضم 12 قصة قصيرة، وقد ظهرت من قبل كمقالات صحفية وسيناريوهات سينمائية، ومسلسلاً تلفزيونياَ لواحدة منها، وهي قصص قصيرة تستند إلى وقائع، لكنها متحررة من شرطها الأخلاقي بحيل شعرية.
وفي العاشر من ديسمبر من عام 1982م كان موعده مع التقدير العالمي الأرفع عندما منحته الأكاديمية السويدية جائزة “نوبل” في الآداب وذلك لرواياته وقصصه التي يتدفق فيها الفكر الواقعي والغرائبي في ثراء معقد لعالم شعري يعكس حياة وصراع محيط بأكمله، وقد كان ماركيز أول أديب كولومبي ينالها، والرابع على مستوى أمريكا اللاتينية.
وعلى الرغم من إصابة ماركيز بالسرطان إلا انه نشر أربع روايات حتى عام 1997م وهي “عن الحب وشياطين أخرى” و “مغامرة ميغل ليثين متخف في تشيلي” و”خبر اختطاف” و”أهرب لأحلم” وكتب سيناريو لفيلم واحد فقط هو “أوديب رئيس البلدية” ، وتوقف ماركيز بعد ذلك عن الكتابة، وأصدر في عام 1999م كتابا يضم كل أعماله الصحفية.
وفي نهاية عام 1999م سحب ماركيز رصيده من جائزة نوبل من أحد البنوك السويسرية واشترى مجلة “كامبيو” الكولومبية، ليحقق حلما قديما بامتلاك وسيلة إعلامية خاصة، وأستقر في منزله في “بوجوتا” ليهتم بكل أمور المجلة التي ترأس مجلس إدارتها، فارتفعت نسبة مبيعاتها، وأصبح يشرف على كل شيء فيها ويسهر مع 12 محررا من الشباب الساعات الطويلة الأخيرة قبل صدور العدد اليومي من المجلة، وتعتبر هذه المجلة ذات طابع سياسي مستقل.
وفي عام 2002م أصدر ماركيز الجزء الأول من مذكراته في كتاب بعنوان “عشت لأروي” والتي تتناول حياته وطفولته حتى عام 1955م, وكانت من أكثر الكتب مبيعا في عالم المكتبات الاسبانية.
وفي 10 سبتمبر 2004م أُعلن نشر رواية جديدة لماركيز بعنوان “ذاكرة غانياتي الحزينات” والتي تتحدث عن ذكريات رجل مسن ومغامراته العاطفية.