أديب وروائي روسي اشتهر بأعماله الأدبية الرائعة ذات التصوير الفني البليغ، والذي عكس الصدق الإنساني، ورفض قبح الواقع ومكره المقنع، وهو ما جعله يُقدم على حرق مسودة الجزء الثاني من روايته الشهيرة “النفوس الميتة” قبل وفاته بتسعة أيام احتجاجاً على هذا الواقع المرير الذي يعاني من تآكل روحي وابتعاد عن القيم والأخلاق.
ولد أديب روسيا الأول نيقولاي جوجول عام 1809م في أسرة متواضعة عاصرت عهد الإقطاع القيصري ولأن والده كان مولعا بالمسرح والأدب أراد أن يكون ابنه امتداداً له فأرسله إلى مدرسة “بولتافا” ثم إلى كلية الآداب في مدينة “نيجين” التي قضى بها حوالي سبع سنوات ساعدته على قراءة روائع الأدب العالمي, وخلال هذه الفترة اشترك جوجول في تحرير المقالات لمجلة الكلية وساهم في الأنشطة الفنية والثقافية بها.
كان عمله الأدبي الأول قصيدة عن مصير الإنسان قوبلت بالسخرية اللاذعة, الشيء الذي جعله يشتري نسخ هذه القصيدة من المكتبات ويقوم بحرقها، إلا أن هذا الحدث كان حافزا قويا جعل من حياة جوجول الأدبية حياة حافلة بالروائع التي هزت روسيا من أقصاها إلى أقصاها، مؤكدة عمق موهبة هذا الكاتب, وأصالته وحبه لوطنه.
وقد ارتبط جوجول بعلاقة وطيدة مع شاعر روسيا الكبير بوشكين الذي قرأ قصص “أمسيات قرب قرية ديكانكا” التي كتبها جوجول وقال بوشكين بعد قراءتها: “أمسيات أدهشتني، فيها الفرح الحقيقي، والصدق دون تزمت أو تصنع.. أسلوبها شاعري، إنها لصفحات جديدة مشرقة في أدبنا”.
وكتب جوجول بعد ذلك مجموعتين قصصيتين وكان عمره 26 عاماً ليدخل بعدها إلى عالم المسرح من خلال مسرحيته الرائعة “المفتش” والتي أعطاه بوشكين فكرتها وهي تتحدث عن الفساد الذي كان منتشراً بشكل كبير في المجتمع الروسي، وقدمت هذه المسرحية في أول عرض لها على خشبة المسرح الملكي في 19 أبريل من عام 1834م.
وتعتبر رواية “النفوس الميتة” من أهم أعمال جوجول وأشهرها حيث حظيت باهتمام عمالقة الأدب الروسي واستطاعت تصوير بؤس الواقع الروسي، وتناقضاته الصارخة بروعة وجمالية أخاذة، فقد انتهج جوجول أسلوباً بعيداً عن التعقيد يتسم بالسخرية المرة والبساطة التي ترقى بالعمل نحو الآفاق الشامخة.
كما استطاع من خلالها كشف مهازل الاستبداد والفساد المنتشر في المجتمع القيصري وقال جوجول في هذا الصدد: “ربما أكون قد أغضبت بعض من يدعون الوطنية، الذين يقبعون قرب النار مهتمين بأعمالهم الصغيرة التافهة, ويزيدون ثرواتهم، ويبنون سعادتهم على حساب الآخرين، ولكن ما أن يقع حدث يسيء في رأيهم إلى الوطن، وما أن يصدر كتاب يعرض لحقائق قاسية, حتى يهتزوا ويجن جنونهم كالعناكب حين ترى ذبابة عالقة بخيوطها ويصيحون: ما الفائدة من كشف هذه الأمور”.
وقال الشاعر الروسي الكبير بوشكين عن جوجول: “ليس ثمة كاتب مثل جوجول قد وهب المقدرة على وصف الحياة في وضعيتها وابتذالها، لقد صور بأسلوب ساخر حار تفاهة الإنسان، وصور الأشياء البسيطة التي تقتحمها العين ولا تلمحها، فجعلها مبارزة حية”.
ومن أهم الأعمال الأخرى التي كتبها جوجول إلي جانب رواية “النفوس الميتة” مسرحيات “المفتش العام”، “خطوبة”، ومسرحية “بعد عرض مسرحية جديدة” كما كتب مجموعة من القصص القصيرة أشهرها “المعطف”، “الأنف”، “شارع نيفسكي”، “الصورة”، “مذكرات مجنون”، “عربة”، “ملاكو أيام زمان” .
وقد توفي هذا الأديب العظيم في الحادي والعشرين من فبراير عام 1852م ولم يُسمح لأي صحيفة بنشر نبأ وفاته إلا أن “تورغنيف” أبى أن يمتثل لهذا الأمر السخيف فعوقب بالنفي لأنه نشر النبأ، ورغم وفاة جوجول إلا أن شخصيته وأعماله ظلتا نموذجا مثاليا لتعرية الفساد ومقاومته والتعبير عن الوطنية في معانيها الحقيقية.