حلول مبتكرة لتوفير الغذاء والشراب لـ10 مليارات نسمة

حلول مبتكرة لتوفير الغذاء والشراب لـ10 مليارات نسمة

من المنتظر بحلول عام 2050، أن يرتفع عدد سكان العالم ليصل إلى ما يقرب من حوالي 10 مليارات نسمة، الأمر الذي يفرض تحديات هائلة على كيفية تدبير الغذاء اللازم لإطعام البشرية، هذه الإشكالية دفعت الكثير من العلماء والباحثين إلى البحث في الطرق الغير تقليدية لزيادة الإنتاج الزراعي، باعتباره المصدر الأول للغذاء في العالم، وذلك من خلال استخدام بعض التقنيات الحديثة لتسريع نمو المحاصيل الزراعية، وإدخال بعض التعديلات عليها، لإكسابها قدرةً أكبر على مقاومة الأمراض، والتكيُّف مع الظروف المناخية المختلفة.

وفي حين بدأ العالم في استخدام كثير من التقنيات التي غيرت وجه الخريطة الزراعية في كل أنحاء المعمورة، لا يزال هناك بعض العوامل التي تشكل تحديًا أمام تحقيق هدف توفير الغذاء اللازم لإطعام سكان الكوكب، منها الأوقات الطويلة التي يستغرقها نمو معظم المحاصيل الرئيسية، ما لا يسمح إلا بزراعة محصول واحد أو اثنين فقط طوال شهور السنة، وما لم يتم تغيير هذا الواقع فإن إطعام 10 مليارات شخص يتشاركون الحياة على الكوكب في غضون الـ30 عامًا القادمة، “قد يبدو مهمة مستحيلة”.

ووفقاً للباحث المصري “محمود العيسوي” المتخصص في شؤون البيئة والتنمية المستدامة، وعضو الرابطة العربية الأمريكية لأساتذة الاتصال، وزميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا, فقد تمكَّن باحثون في جامعة كوينزلاند بأستراليا من تطوير بروتوكولات لتقنيات تسريع نمو كثير من الأنواع النباتية، اعتمادًا على تجربة استخدمتها وكالة “ناسا” لأول مرة لزراعة بعض المحاصيل في الفضاء، وذلك من خلال زيادة عدد ساعات تعرُّض النباتات للضوء، وفي ظروف من درجات حرارة يمكن التحكُّم فيها.

ويؤكد الباحث ان هذه التقنية ساعدت على زيادة إنتاج بعض المحاصيل -مثل القمح والشعير- بمقدار يقترب من الضعف.

وفي هذا الإطار، استعرضت الدراسة التي نشرتها دورية “نيتشر”، بعض التقنيات التي يمكن استخدامها لتسريع نمو المحاصيل الزراعية، باعتبار أنها تقدم حلولًا مبتكرة للقضاء على الجوع.

قال المؤلف الرئيسي للدراسة، الدكتور لي هيكي، أستاذ بمركز علوم المحاصيل في جامعة “كوينزلاند”: “إن ما توضحه الدراسة أن التربية السريعة للمحاصيل يمكن استخدامها جنبًا إلى جنب مع تقنيات أخرى للتربية المتقدمة، مثل علوم الجينوم، لتطوير محاصيل أكثر إنتاجيةً، وأكثر قدرةً على مواجهة التحديات المختلفة مستقبلًا”.

تقليل مدخلات المواد الكيميائية

وعما إذا كانت التقنيات المستخدمة لتسريع نمو النباتات، أو لزيادة إنتاجيتها، آمنةً على كلٍّ من الإنسان والنظم البيئية، أوضح الدكتور “لي هيكي”، في تصريحات لموقع “العلم”, “أن الهدف من استخدام هذه التقنيات هو تطوير أصناف من المحاصيل المعدلة وراثيًّا، بحيث تكون ذات إنتاجية أعلى، ولديها قدرة ذاتية أكبر على مقاومة الأمراض والآفات المختلفة، وبالتالي تقليل مُدخَلات المواد الكيميائية في العملية الزراعية، مشددًا على أن “دراسات علمية سابقة أثبتت سلامة هذه التقنيات”.

وبالنسبة للأصناف التي يمكن مضاعفة إنتاجيتها من خلال تلك التقنيات، قال: “لقد سلطنا الضوء على إمكانية استخدام هذه التقنية مع أي محصول زراعي، إنها مجرد مسألة تتعلق بتحسين الظروف البيئية، مثل مدة تعرُّض النبات للضوء ودرجة الحرارة لتبكير عملية الإزهار، بما يحقق معدل دوران سريعًا للأجيال النباتية”.

كما أكد “لي هيكي”، أن “التقنيات التي تناولتها الدراسة، يمكن أن تتوافق مع غالبية المحاصيل، فعلى سبيل المثال، تم تطوير تقنيات الهندسة الوراثية وتكييفها لتتناسب مع المحاصيل الغذائية الرئيسية”.

أنظمة التبريد بالبخار

وتضمنت التقنيات التي أشارت إليها الدراسة كذلك، أنظمة التبريد بالبخار التي تستخدم مياه البحر، أو إضاءة بيئة النبات داخل مكان مغلق بأشعة الليزر، بحيث يتم تسليط الضوء على النبات من الخارج، لتجنُّب زيادة درجة الحرارة في الداخل، وهي واحدة من النظم الرئيسية المستخدمة لأبحاث المحاصيل والتربية والإنتاج. غير أن هذه التقنيات لا تزال قيد التجربة.

وقال الدكتور براند وولف، الباحث في مركز “جون إنز” للعلوم الزراعية، وأحد المشاركين في الدراسة: “لقد كان من المدهش رؤية تأثير سرعة نمو المحاصيل مع الصور التي تظهر في جميع أنحاء العالم لهذه التكنولوجيا”.

وأضاف براند وولف “أن ذلك يتضمن أيضًا استخدام تقنية الاستزراع المائي الذي يمنح جذور النباتات وصولًا أسرع إلى العناصر الغذائية والأكسجين، كما يخضع الغلاف الجوي المخصب لثاني أكسيد الكربون أيضًا للتحقيق، ومن المحتمل أن تكون درجة الحرارة أحد أكثر مجالات البحث إنتاجية”.

زراعة المحاصيل في الداخل

ولمواجهة تحدي ارتفاع سكان الكوكب إلى 10 مليارات نسمة، بعد ثلاثة عقود من الآن، يرى الباحثون ضرورة إخراج بعض المحاصيل من الحقل، وزراعتها في ظروف يسهل التحكم فيها، مع دمج بعض ميزات التربية السريعة على نطاق أوسع للحصول على محاصيل أكثر إنتاجية.

التحكم فى توقيت الزراعة

وعن هذا التوجه، قال الدكتور “وولف”: “هناك الكثير من المزايا لزراعة المحاصيل في الداخل (في ظروف يسهل التحكم فيها)، حيث يمكنك الحفاظ عليها نظيفةً وخاليةً من مبيدات الآفات، ويمكنك التحكم بشكل أكبر في وقت زراعتها، بحيث يكون لديك مصدر ثابت، ويمكنك زراعة المحاصيل بالقرب من المكان الذي تريد استهلاكها فيه، وبالتالي تقليل الأميال التي تحتاج أن تقطعها لتصل إلى الموارد الغذائية، كما يتيح لك هذا التوجه الجديد أيضًا زراعة الكثير من المحاصيل في مكان أصغر”، ولكن أحد القيود الرئيسية على هذا المفهوم -أو ما يُعرف بالزراعة الرأسية- هو أنها تنطوي على استخدام الكثير من الكهرباء، لتزويد الزراعات بالضوء، وزيادة درجات الحرارة.

Exit mobile version