على الرغم من تقلب شعوب أمريكا اللاتينية بين لظى الأنظمة الاستبدادية ونعيم الحركات الاجتماعية التي تتنفس حرية وإبداعا، إلا أنهم بحكم الغريزة والفطرة يميلون أو يمثل أكثريتهم على الأقل إلى تنفس الحرية التي تفجر فيهم طاقات الابتكار والإيجابية الاجتماعية، ولولا البعد الجغرافي وحاجز اللغة، لوصلتنا الكثير من إلهامات تلك الروح.
رضع الطفل البيروفي خوسيه كويزوكالا Jose Quisocala (14 عاما) من هذه الروح فأبدع مبادرة بإنشاء بنك تعاوني للطلاب من أطفال وشباب في بلاده، اسمه البنك البيئي Eco-Bank أو البنك التعاوني للطلاب Banco Cooperativo del Estudiante، والذي أسسه وهو في سن العاشرة، بينما كان تلميذا في المدرسة الابتدائية.
بدأت القصة حينما رأى خوسيه أن الكثير من زملاء فصله ينفقون الأموال ولا يدخرون منها شيئا، ولأنه كان لديه إدراك بأهمية الادخار، لذلك فإنه بدأ مشروع بنك حقيقي في بيرو، يحيل ما يوفره زملاؤه إلى حساب ادخاري له بطاقة خصم خاصة به، يستخدمونها في أجهزة الصراف الآلي، ويقومون بالدفع بها في المؤسسات التجارية ويستخدمون الشبكة المالية التي تم إنشاؤها للقيام بعملياتهم المالية، ويعد هذا أول بنك في العالم يؤسسه طفل، وقد اكتسب هذا البنك شهرة واسعة في بيرو، حيث بلغ عملاؤه 3 آلاف، وفروا 50 ألف دولار، ويعمل فيه حاليا 8 موظفين أكبر منه عمرا.
وقد بنى البنك نظاما يساعد الأطفال على كسب المال، من خلال إعادة تدوير الزجاجات البلاستيكية التي يستخدمونها، حيث يمكن للأطفال الذين لديهم مخلفات بلاستيكية أن يذهبوا للبنك ليسلموه ما لديهم من بلاستيك، نظير أموال تودع في حسابهم، وهو ما حصل بسببه على جائزة المناخ للأطفال لعام 2018 Children’s Climate Prize التي تمنحها شركة تيلجا للطاقة Telga Energy، وحال تسلمه للجائزة قال: “نريد أن نمنع الأطفال والشباب من البقاء يوما ما دون طعام أو ترك المدرسة بسبب نقص الأموال من آبائهم، ونريد أيضا أن نخفف بطالة الشباب ونجعل من المدخرات الأداة الأساسية في محاربة الفقر”.
لم يكن هذا هو أول اعتراف وتقدير للفتي والمؤسسة، ففي عام 2013، كان في الدور النهائي في مسابقة الإدماج المالي الدولي للأطفال والشباب في اسطنبول (تركيا). وبالمثل، فاز بجائزة International Financing Youth Finance Landscape الدولية، التي قدمتها اليونيسيف Unicef وCYFI في نيويورك في عام 2014.
لا شك أن المناخ الحر يثمر روحا إيجابية، كما أن عمق الروح الاجتماعية التي تضفيها على المجتمع اللاتيني كثرة حالات الفقر والبطالة والبؤس من جانب، وانتشار الفكر اليساري الاجتماعي من جانب آخر، مما يجعل تعبير أبناء المجتمع عن حريتهم، هو تعبير ممزوج بالروح الاجتماعية كما هو مشهود في تجربة خوسيه وبنكه.
د. مجدى سعيد