د. عبد الله المطيري: أعطى للفلسفة أبعاد إنسانية شاملة

د. عبد الله المطيري | كلمة ترتبط بالتاريخ حيث ثقلها العقل لتنتج منهج حياة.. صاغها الإغريق وبنا لها سقراط بيتها الخالد.. تصارعه مختلف المجالات ولا تحبذه التيارات.. هي الأقرب للإنسان أكثر من ظله لتخلق حالة التفكير.. لا يغفل عنها أصحاب القرار لكن جرت العادة تاريخياً أن يعلقوا لها المشانق.. تجاوزت أهميتها حتى غدت في منظار الضرورة.. هي قرينة العلم ولُبه وتحمل طياتها وصفات المعنى والعلاج للتحليل والبناء.. هي الفلسفة التي تحمل الإجابات وتبتعد عن زراعة الأفكار المعلبة.. كل فلسفي يراها أول حصة للنشء في التعليم.

وفي داخله عاش قصة زراعة الفكرة.. سعودي أصبحت منهجاً وأصبح روادها يتقنون التعريف عن أنفسهم بها ويبرز في كوكبها الدكتور عبد الله المطيري الذي تخصص في فلسفة التربية أكاديميا وعايش صنوف مراحل محاولات رفع رايتها.. أسس مع بقية الساعين لها حلقة فلسفية وأشاع نوراً يكمن في تعزيز الرسالة وصاغ كتاباً يحمل همومها.. في جعبته قصة التحريض للضرورة..

د. عبد الله المطيري: أعطى للفلسفة أبعاد إنسانية شاملة
د. عبد الله المطيري: أعطى للفلسفة أبعاد إنسانية شاملة

من هو الدكتور عبد الله المطيري؟

الدكتور عبد الله محسن المطيري، أستاذ الأصول الفلسفية للتربية بجامعة الملك سعود، كاتب وعضو مؤسس لحلقة الرياض الفلسفية. ورئيس جمعية الفلسفة في السعودية.. حاصل على الدكتوراه في الأصول الفلسفية للتربية من جامعة ولاية فلوريدا – أمريكا 2016م، وسبق ذلك الحصول على درجة الماجستير في الفلسفة من نفس الجامعة عام 2014م – وماجستير أصول التربية من جامعة الملك سعود 2008م، وحاصل الدكتور المطيري على البكالوريوس في الدراسات الإسلامية السعودية من جامعة الملك سعود 1999م، عمل معلما في وزارة التعليم ومعيد في جامعة الملك سعود ومحاضر في جامعة الملك سعود وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود.

يترأس الدكتور عبد الله المطيري مجلس إدارة جمعية الفلسفة ومنسق حلقة الرياض الفلسفية. شارك الدكتور المطيري في عدة مؤتمرات وندوات ودورات وورش عمل داخل المملكة وخارجها. عضو في جمعية فلاسفة التربية الأمريكية وأيضاً عضو في جمعية الفلسفة الأمريكية.. للدكتور عبد الله المطيري العديد من الأبحاث العلمية والمؤلفات والكتب منها: (فلسفة الآخرية – المجازفة الجميلة في التربية – أخلاقيات الضيافة التربوية ودورها في تعزيز الوحدة الوطنية _ وغيرها…).. ترشّح كتابه الأخير “فلسفة الآخرية.. الآخر بين سارتر وليفيناس وبهجة الضيافة”، للقائمة الطويلة لفرع التنمية وبناء الدولة في الدورة السادسة عشرة من جائزة الشيخ زايد لعام (2021- 2022م).

مشروع الدكتور عبد الله المطيري

أعطى الدكتور المطيري للفلسفة أبعاداً إنسانية شاملة مبينا دورها في تقديم معالجات جديدة للعديد من الإشكالات المعرفية والاجتماعية.. ويرى أن الفلسفة تاريخيا كانت ذاتية حيث أن معرفة الذات هي مرتكز الانطلاق، ويكون الإنسان بهذا لمفهوم هو صاحب الإرادة والقوة على الطبيعة، وأن فلسفة الذات ضحت بالآخر واستبعدته، والعلم الكاشف للحقائق هو حركة باتجاه إلغاء آخرية الآخر وتحويل المختلف إلى شبيه.

يرى الدكتور عبد الله المطيري “إن الفلسفة المتصلة بالواقع الإنساني اليومي وبخبراته المعيشية مهمة جدًّا وأساسية، ولكننا كذلك نحب الفلسفة التجريدية والنظرية. أعني أن كل هذه المجالات ذات قيمة وأهمية، ومن المهم الوعي بهذا التنوع باستمرار. لدي أمل كبير في النسخة الثانية من المؤتمر أن يتعمّق التواصل بين المجتمع المحلي والعالمي في مجال الفلسفة، وأن يكون أمام الحضور المحلي فرصة للاطلاع على المنتج الفلسفي العالمي، وأبرز قضاياه، وأن يتوّج ذلك كله بمشاركة سعودية، فلدينا الرغبة الكبيرة والقدرة على القول والإنتاج والمشاركة الإيجابية في الحوار الفلسفي المعاصر”.

الدكتور المطيري و”فلسفة الآخرية”

يتحدث الدكتور عبد المطيري في كتابه الرائع “فلسفة الآخرية” عن مكانة الآخر وعلاقته بالذات وكيفية النظر إليه فلسفيًّا، دفعه لبحث هذا الموضوع معرفةٍ الذات، والعوامل التي تؤثر فيها نادرًا ما تتوافر. إنّ أحد عوامل الاهتمام بعلاقة الذات بالآخر عند الدكتور المطيري نابع من كونه معلّمًا. المعلم بطبيعته في علاقة مع الآخر، وهذه العلاقة هي صلب عمله وهويته الأساسيّة. كمعلم تأتي بسُلطات كثيرة تقابلها ثقة مدهشة من قِبل الطلاب وهذا ما يجعلك أمام مسؤولية لا حدود لها. يأتي المعلم بسلطة المعرفة وسلطة السنّ وقبل ذلك سلطة المؤسسة والخطاب العام الذي يمثّله. هذا كله يقابله حالة من الاستقبال والتلقّي عند الطالب داخل حالة من الثقة العميقة. في هذا السياق كان يسأل نفسه: ماذا يجب عليّ أن أفعل؟ كيف أجعل هذه العلاقة، بمعادلة القوى هذه، علاقة أخلاقية. كان الجواب لمدة طويلة هو الحوار. أي أن العلاقة الحوارية مع الطالب هي العلاقة الأخلاقية القائمة على التوازن والمساواة وتعديل التفاوت السابق في المعادلة؛ لهذا السبب كانت رسالته في الماجستير عن الحوار في علاقة المعلم بالطالب.

لكن بعد ذلك أدرك أن الحوار وحده لا يكفي. يعني أن الخبرة الأخلاقية الإنسانية تتسع لعلاقات لا تقوم على المساواة والتكافؤ ولكن تقوم على الخضوع للضعف، على الخشوع أمام الاحتياج الإنساني أو الدهشة أمام آخرية الآخر. كل هذه علاقات وخبرات من واقع الإنسان. تأمل فقط مشهد أن تحمل طفلًا رضيعًا في يدك وكيف أنك تجد نفسك أمام المسؤولية الكبرى ربما في حياتك لأنك تقف أمام سلطة عليا، سلطة الضعف. بكل المعايير أنت أقوى من هذا الرضيع لكنه أقوى منك في معيار الأخلاق. في هذا المشهد أنت لست كفؤًا ولا مساويًا له ولكن خادمًا وراعيًا. هذا ينسحب على علاقات كثيرة مثل الأمومة والضيافة والرعاية والتربية الحقيقية.

لكن على الرغم من أن هذه الخبرات جزء من حياتنا اليومية فإننا ننساها، خصوصًا في السياقات الرسمية النظامية؛ لذا حاول الدكتور المطيري في رسالته للدكتوراه أن يعيد التفكير في علاقة المعلم بالطالب من خلال أخلاق الضيافة. كان هذا جزءًا من تفكيره في المدرسة خصوصًا حين كان يبحث عن حلول للمشكلات التي تنشب بين المعلمين والطلاب. كانت الزيارات المنزلية، التي تخلق معها علاقة من ضيافة، كفيلة بحل كثير من المشكلات بشكل مدهش ولكن كان ينظر للعملية على أنها خارج التربية أو على الأقل خارج مؤسسة التربية.

حاول الدكتور الطيري في رسالته للدكتوراه استعادة الضيافة داخل المدرسة من خلال دراسة فلسفية تكشف عن التحوّل الجذري في مفاهيم العنف والرعاية والاكتفاء الذاتي، متى ما نظرنا للعلاقات التربويّة من منظور الضيافة. بعد هذه المحاولة على المستوى التربوي كان لا بد أن ينقل البحث للفضاء العام، لعلاقة الإنسان بالإنسان خصوصًا مع تصاعد الشعور بالعزلة والاغتراب والتحولات الكبيرة في العلاقات الاجتماعية واتساع روح النرجسية وذاتيّة الاستهلاك المعاصرة. وهذا ما أنتج كتابه “فلسفة الآخرية” الذي بدأ كسيمنار فلسفي عن الفلسفة الوجودية في حلقة الرياض الفلسفية وتطوّرت عنه أسئلة كبيرة كان لا بد من التعاطي معها في “فلسفة الآخرية”.

التربية بين الفلسفة والعلم

فلسفة التربية يمكن تصورها – وفقا للدكتور عبد الله المطيري- من أكثر من منطلق، على سبيل المثال: يمكن أن نتصور هذا المجال المعرفي باعتباره مجالا تطبيقيا للأفكار الفلسفية، كما يمكن تصوره على أنه معمل إنتاج الأفكار الفلسفية. التصور الأول ينظر لفلسفة التربية على أنها المجال المعرفي الذي يمكننا من خلاله تطبيق الأفكار الفلسفية على العملية التربوية.

في المقابل التصور الثاني يرى أن فلسفة التربية هي الإطار العام للفلسفة، باعتبار أن التربية هي مصدر ومختبر الأفكار الفلسفية.

فيما سبق حاول الدكتور المطيري تحليل ونقد التصور الأول. النقطة الأساسية في ذلك النقد كانت أن التصور الأول يعزز الفصل بين النظرية والتطبيق وبالتالي فهو يعزز المشكلة الواقعية التالية: تتم صياغة القرارات التربوية بعيدا عن الميدان، ويتم تطبيق العملية التربوية بعيدا عن مصدر القرار. المعلمة/المعلم تشعر بأنها تعمل كأداة ليس لها رأي في إدارة العملية التربوية، وصاحب القرار يعيش في عزلة عن التجربة الواقعية في الميدان التربوي. هذا الحال يتسبب في إحباط العملية التربوية باعتبار أن روح التفاؤل والأمل مرتبطة بتوفر القدرة على المشاركة الفاعلة والمساهمة في اتخاذ القرارات وهي حالة غير متوفرة لغالب المعلمات والمعلمين وبالتالي الطالبات والطلاب.

فلسفة التربية التفاعلية

فلسفة التربية التفاعلية عند الدكتور عبد الله المطيري تقوم بشكل أساسي على الربط المباشر بين الفعل والفكر، بين الواقع والنظرية، بين الأطروحة وأهدافها ونتائجها. فيما سبق كان الحديث عن تصورين لفلسفة التربية. التصور الأول هو التصور التطبيقي القائم على فكرة النظر للميدان التربوي على أنه ميدان لتطبيق الأفكار التربوية. في هذا السياق يكون تفكير فيلسوف التربية الذي يفكر بهذا المنطق أن ينتج تصوراته الفلسفية ثم ينظر للعملية التربوية بناء عليها.

المثقف الأناني

ثمة انتقادات يوجهها الدكتور المطيري للجماعة الثقافية أو بشكل أدق للصورة النمطية للمثقف. يمكن أن تتضح مبررات هذا النقد من خلال الصورة التالية: “المثقف كائن مشغول بإنتاجه وإبداعه. مشغول بتحقيق أحلامه التي لا تنتهي: يريد الشهرة والوصول.. يريد أن يصل صوته إلى كل العالم. يريد أن يقرأه أكبر عدد ممكن من البشر. يريد أن يحبه الآخرون. يريد أن ينتج نظريته وفلسفته الخاصة، أن يسافر للعالم ويحكي حكايته التي لم تحك بعد”.

يقول الدكتور المطيري “في مشهد المثقف يبدو هو النجم الأول ومحور الاهتمام. المثقف مشغول بذاته. للإنصاف، لا بد من ذكر أن المثقف، أو على الأقل المثقف العضوي، يعتقد أنه شمعة تحترق لتضيء طريق الآخرين. كثيراً ما تغلف هذه الصورة الرومانسية الحكايات الداخلية للمثقفين والمثقفات. أقصد هنا الحكايات التي يفهم المثقف حياته في إطارها. لكن في كثير من الأحيان هذا الشعور لا يعكس سوى حالة الانغلاق على الذات التي ترسم للآخر مشهد النور وتحده بالظلام. عموما فكرة المقال يمكن إيضاحها بضريبة أقل من الافتراضات: في تقييم المثقف أو في تعريفه لا تحضر معايير ما يقدمه المثقف لغيره خارج عمله الثقافي. أي أن الحياة بمعناها الواسع خارج معايير التعريف بالمثقف”.

يستطرد د. المطيري “المثقف المنتشي بإبداعه، يجلس لوحده في المقهى أو مع آخرين يحدثهم، يقرأ جريدته، يرشف فنجان قهوته السوداء، يلقي محاضرة، يوقع كتابه، يجلس ليرسم أحدهم بورتريهه. الباقي في حياة المثقف أقل أهمية أو ثانوي. ما هو الباقي؟ المثقف من أجل الآخرين: المثقف كأب، المثقف كزوج، المثقفة كأم وزوجه… الخ. المثقف كإنسان يقوم بأعماله اليومية من أجل من حوله، من أجل رعايتهم وتحمل مسؤوليتهم. المثقف حين يوصل أولاده للمدرسة، حين يطبخ لهم، حين يقوم بتنظيف أطفاله، المثقف حين يذاكر لأطفاله. كل هذا يتم تهميشه غالبا لأنه عادي ويومي وتقليدي ولا إبداع فيه. هنا يحضر هوس الإبداع والتجديد على حساب الجانب الأخلاقي في حياة الإنسان: أعني بهذا الجانب وجود الإنسان من أجل الآخرين”.

عبد الله المطيري وتأسيس جمعية الفلسفة

تجربة جمعية الفلسفة السعودية التى أسسها الدكتور عبد الله المطيري، تجربة ملهمة لمبادرة الناس للعمل التطوّعي لخدمة مجتمعهم في هذا المجال المعرفي الذي اختاروه. تعمل الجمعية على خطين متوازيين: الأول إداري تنظيمي يتمثّل في بناء مؤسسة ثقافية فاعلة ضمن قوانين القطاع غير الربحي التي تشهد تحولات كبيرة في السنوات الماضية، وفي الخط الثاني عمل ثقافي يتمثّل فيما يُقدم للناس من فعاليات وبرامج وأنشطة. ويري الدكتور المطيري أنه يسير في طريق الهدف الأساسي، وهو أن تكون هناك مؤسسة فلسفية مجتمعية غير ربحية يتوجه لها أهل الاهتمام للتواصل بعضهم مع بعض، وتقديم ما لديهم من أفكار وأطروحات.

ووفقا للدكتور المطيري: “تعتمد الجمعية أسلوب الإعلان عن فتح باب المشاركات في برامجها، وهذه دعوة للجميع وأمل في أن تعكس الجمعية تنوع الاهتمام الفلسفي في المجتمع السعودي. من حسن حظ الجمعية أن هناك مؤسسات ثقافية كبرى، كما هو الحال في وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، لديها وعي ثقافي عميق يدفع باتجاه أن تشارك الفلسفة مع المجالات المعرفية الأخرى في إثراء التجربة الثقافية السعودية”.

يشعر الدكتور عبد الله المطيري: “برضى عميق لسبب مهم وهو الشغف والعطاء الواضح في المجتمع الفلسفي المحلي. هذا الأمر ينطبق على مجلس إدارة الجمعية الذي يعمل تطوعيًّا وبشكل يومي لخدمة الجمعية، ويشمل كذلك أعضاء الجمعية وجمعيتها العمومية بما فيه من خبرات وتجارب ومشورات لا يستغني عنها مجلس الإدارة، ورأس المال كله يكمن في حضور الناس وإقبالهم على الفعاليات. الجمعية بخير ما دام مجلسها عامرًا بمحبي الحكمة”.

التفلسف الإبداعي

وحول احتياج الساحة السعودية لبرامج تأهيلية نوعية أكثر تخصصية يقول الدكتور عبد الله المطيري: “هناك خط موازٍ يسعى لإتاحة مساحة مضيافة للتفلسف الإبداعي. بدأ هذا الأمر من أنشطة فتحت أبوابها لأصحاب المشروعات الجديدة للمحاولة والمغامرة كما هو الحال على سبيل المثال مع “حلقة الرياض الفلسفية” و”إيوان الفلسفة” في جدة و”ملتقى السلام” في نجران. مع جمعية الفلسفة أصبحنا أمام فرصة لبرامج تأهيلية أكثر نوعية أكثر تخصصية، كما هو الحال مع برنامج “دعم الكتابة الفلسفية” وبرنامج “فلسفة الأمومة” و”الفيلسوف الصغير” و”قراءات فلسفية في الفكر السعودي”، والأيام القريبة القادمة حُبلى بمشروعات فلسفية تخصصية تستهدف رفع جودة الإنتاج الفلسفي المحلّي. الأمل أن يكون لدينا أقسام فلسفة في الجامعات السعودية أو معاهد عليا للفلسفة؛ لتأسيس تقاليد أكاديمية أعمق، ونحن اليوم أقرب بكثير مما كنّا عليه لتحقيق هذا الأمل”.

الفلسفة وسؤال الأخلاق

في السعودية هناك سؤال مؤرق يطارد كثيرا من المشتغلين بالفلسفة، وهو: لماذا الفلسفة؟. يقول الدكتور “شخصيا أقبل هذا السؤال وأعتقد أن كل علم مطالب بتبرير وجوده. التبرير الذي أعنيه هنا هو ما يكشف حضور الآخر في اشتغال الذات. أعني بذلك أن يكون للعلم بعد جماعي ولا يعبر عن اشتغال أناني. شخصيا أعتقد أن أحد القيم الأساسية في البحث الفلسفي هي قيمة الاشتغال بالأخلاق. في جمهورية أفلاطون يحضر سؤال ما العدالة كسؤال محوري للمحاورة. ما العدل؟ ما الحق وما الخير؟ كان سقراط يريد فتح هذه الأسئلة في بيئة مشبعة بالإجابات. يتميز المبحث الأخلاقي أنه مشغول بمجال لا يحتمل اللاأدرية. المجال الأخلاقي مجال عملي مرتبط بالإرادة بشكل مباشر. في كل يوم يتخذ الإنسان بالضرورة قرارات ومواقف تتعلق بعلاقته بالآخرين. هذه القرارات لا يمكن تجنبها، فهي جزء من ضرورات الحياة، وبالتالي فلا مفر من سؤال الأخلاق، كما أن الساحة الاجتماعية لا يمكن أن تخلو من الإجابات المتعلقة بأسئلة الأخلاق. سقراط كان يريد مقاومة الإجابات السائدة وآثارها على الناس من خلال الفلسفة، من خلال البحث الفلسفي المشغول بالتصورات الأولية للمفاهيم والعلاقات التي تربط الأفكار. كل مجتمع مليء بالضرورة بالأطروحات الأخلاقية أو الأطروحات التي تجيب عن الأسئلة الأخلاقية. بعض المجتمعات تستقي أجوبتها من الدين، البعض الآخر من التقاليد المتوارثة من التجربة المعيشية، البعض من العلم وهكذا.”

التجربة الفلسفية السعودية

وحول تقييمه للتجربة الفلسفية السعودية يقول الدكتور المطيري: “التجربة الفلسفية السعودية تجربة اجتماعية تتحرك خارج الخطوط الأكاديمية، وبالتالي فهي تستجيب وتستقبّل تنوّعًا هائلًا في التواصل مع الفلسفة. ثمة من يريد أن يكون فيلسوفًا محترفًا وله احتياجه، وهناك من يريد أن يعمّق خبرته الحياتية بالتواصل مع الآخرين فلسفيًّا، وهناك من يحمل أسئلته ويريد من يجيب عنها، وهناك من يريد أن يتعلّم الكلمات الأولى في هذا المجال. كل هذه التجارب حقيقية، وأهدافها مشروعة، ويجب أن تجد لها مساحة ترحّب بها. هذا التنوّع ثراء كبير ومن المهم الحفاظ عليه والاعتناء به”.

Exit mobile version