رجال أعمال مصر.. دور حقيقي أم دعائي؟

رجال أعمال مصر : ثمة محاولة من بعض رجال الأعمال في مصر لتغيير الصورة الذهنية السلبية التي تربطهم دائما بنهب أموال البلد والفرار بها للخارج، أو عدم الاهتمام بالقضايا المجتمعية، حيث سعى بعضهم إلى توجيه بعض أمواله لدعم الشباب ومكافحة الفقر.
هذا الاتجاه الذي يوضع تحت عنوان “المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال” لم يظهر بشكل مؤسسي في المنطقة العربية إلا في العقدين الماضيين، خاصة مع تصاعد دور المجتمع المدني والحديث عن محاولات تهذيب التوحش الرأسمالي الذي بدا غير عابئ بالتداعيات الاجتماعية.
وتبدو أهمية رجال الأعمال في مجتمع كمصر في أنهم فئة اقتصادية لديها رأسمال تستطيع تسخيره لصالح التنمية الاجتماعية، خاصة بعد انسحاب الدولة من قطاعات رئيسة تخدم المجتمع إثر تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته في مطلع التسعينيات.
لكن من الواضح أن دور رجال الأعمال في التنمية الاجتماعية ما زال متوقفا عند الجهود الفردية المبعثرة بحسب خبراء وناشطين في العمل الأهلي؛ وهو الأمر الذي يثير استفهامات عدة حول ذلك، لا سيما أن رجال الأعمال يصل عددهم إلى 20 ألف شخص ويمتلكون جمعيات تنظم مصالحهم الاستثمارية يتجاوز عددها الستين جمعية.

تجارب فردية

النماذج الفردية لرجال الأعمال الذين أدركوا أهمية الدور الاجتماعي حاولت إضفاء قدر من المؤسسية على أعمالها الخيرية، فمثلا أسس رجلا الأعمال: محمد فريد خميس ومحمد أبو العينين جمعيتين أهليتين بهدف تقديم المساعدات المالية والعينية لمن يستحقها.
وتقول السيدة فريال خميس شقيقة رجل الأعمال فريد خميس التي تشرف على إدارة كل أعماله الخيرية: إنه يجب على جميع رجال الأعمال القيام بدور مؤثر في خدمة قريتهم أو مدينتهم أو حتى المحافظة التي ينتمون إليها، وذلك في إطار المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال.
وتضيف أن شقيقها حاول أن يقدم مساعداته ويمارس دوره الاجتماعي من خلال مؤسسة أهلية غير هادفة للربح، ولذلك تم إشهار جمعية الفؤاد الخيرية منذ عام 1997 واستطعنا من خلال هذه الجمعية أن نقدم مساعدات مادية تصل لملايين الجنيهات في معظم المحافظات.
وقبل عدة أشهر، قام رجل الأعمال فريد خميس بإنشاء أكاديمية رعاية الموهوبين التي من خلالها سيتم اختيار الـ100 طالب الأوائل على الثانوية العامة لكي تقدم لهم هذه الأكاديمية كل ما يحتاجونه من دعم مادي ومعنوي يساعدهم على مواصلة تفوقهم.

المؤسسية موجودة

ورغم أن السيدة تهاني البرتقالي رئيسة مجلس إدارة جمعية أحباء مصر تقر بأن معظم العمل الخيري في الماضي كان يتم بشكل فردي ولذلك فإن دوره لم يكن ملموسا، فإنه منذ عدة سنوات تغير شكل العمل الاجتماعي مع انتشار الجمعيات الأهلية خاصة إلى أسسها رجال وسيدات أعمال.
وهذه الجمعيات شاركت –وفقا للبرتقالي- في قوافل الخير التي نظمتها على سيبل المثال وزارة التنمية المحلية وتم خلالها تقديم مساعدات مالية وصحية لآلاف الأسر الفقيرة، وكانت آخر قافلة خير تم تنظيمها في منطقة ميت عقبة بحي العجوزة في محافظة الجيزة، وذلك خلال الفترة من 13 وحتى 21 أكتوبر 2004، وخلال القافلة تم فحص وعلاج 1115 مريضا مجانا وتوزيع 850 شنطة مواد تموينية و662 بطانية وتجهيز 20 عروسة بالأجهزة المنزلية وتقديم مساعدات مالية لحوالى 200 طالب.
وتقوم جمعيات أخرى لرجال الأعمال بتوفير مسكن مناسب للشباب، مثل جمعية رجال الأعمال للتكافل برئاسة رجل الأعمال حسام بدراوي التي تأسست عام 1999، كما شارك رجال الأعمال بمساهمة مالية تقدر بـ 10 ملايين جنيه لتطوير منطقة زينهم التي كانت عبارة عن عشش وأكشاك خشبية إلى مساكن متطورة.

هل هم مقتنعون؟

ورغم هذه الجهود، فإن ثمة مشاكل عديدة تجعل هناك قصورا وعدم وجود رؤية مشتركة، أو حتى اتفاق بين رجال الأعمال على ضرورات الدور الاجتماعي باعتباره سندا لاستثماراتهم داخل مجتمع تتزايد فيه حدة الفقر حيث تصل نسبته إلى 17% كما تقول أرقام وزارة التخطيط عام 2003، وهو رقم يقول البعض إن حقيقته هو الضعف.
غير أنه يمكن فهم وتفسير هذا القصور في دور رجل الأعمال بأكثر من عامل، في مقدمتها طبيعة نشأة شريحة رجال الأعمال، فبعد أن ارتبطت في أوائل القرن العشرين برجال أعمال أمثال طلعت حرب حاولوا تأسيس صناعة وطنية في مواجهة المستعمر البريطاني، عادت مرة أخرى للظهور في السبعينيات من هذا القرن على يد سياسة الانفتاح الرأسمالي التي اتبعتها الحكومة المصرية في ذلك الوقت، والتي خلفت رجال أعمال كل همهم الربح؛ ولذا ركزوا على تجارة الوكالات الأجنبية، وارتبطوا بالرأسمالية العالمية أكثر من تعبيرهم عن مصالح المجتمع.
وتقول وردة هاشم في تحليل لها حول دور رجال الأعمال بملف الأهرام الإستراتيجي إنه لا يمكن وصف رجال الأعمال المصريين بأنهم جماعة أو نخبة أو شريحة متجانسة نظرا للعديد من الاعتبارات التي تحول دون اعتبارهم جماعة متماسكة متحدة المواقف، فهناك اختلاف من حيث أصولهم الاجتماعية، وكذلك على الصعيد الفكري والعقيدي، وهناك كذلك تنوع في مجالات النشاط وتفاوت هائل في حجم النشاط، وهناك أيضا تباين واضح في مواقف رجال الأعمال من القضايا الاقتصادية والسياسية.

هذا التباين ينعكس علي وجود رؤية مشتركة للدور الاجتماعي لرجال الأعمال، فيقول د. جمال الناظر رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين  إنه رغم وجود رجال أعمال يقومون بالمساهمة في المشروعات الخيرية أو تبني مشروعات اجتماعية متكاملة، فإن دورهم الاجتماعي غير ملحوظ؛ لأن جميع هذه الأعمال تؤدى بشكل فردى، وكل رجل أعمال يكون حريصا على أن يكون مشروعه داخل الحي الذي ولد فيه أو الذي يعيش فيه.

ووفقا للناظر فإن ممارسة النشاط بشكل فردي هي إحدى مشاكلنا كمصريين، وإذا انتبه رجال الأعمال إلى أهمية أن يكون نشاطهم الخيري جماعيا ومعلنا، فستظهر آثاره وتكون فائدته أكبر. ويشير الناظر إلى نقطة هامة وهي ضرورة إعادة النظر في أن المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال تكثر فقط في الأزمات والكوارث بينما لا تتحول إلى مشاركة اجتماعية دائمة.

تبرعات أم دعاية؟

أما الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية فيقول: إنه لا يمكن إصدار حكم عام على جميع رجال الأعمال؛ فبعضهم يساهم في مشروعات خيرية ويدرك حجم وأهمية مسئوليته أمام أبناء مجتمعه، ويقوم بتنفيذ مشروعات مهمة مثل توصيل مياه الشرب والصرف الصحي أو بناء المدارس، ولكن هؤلاء الجادين والمخلصين من رجال الأعمال عددهم قليل جدا، ذلك مقارنة بالعدد الفعلي لرجال الأعمال حاليا أو مقارنة بالمزايا التي يحصلون عليها.

ويضيف د. حمدي: ولكن العدد الأكبر من رجال الأعمال يمارسون العمل التطوعي على أساس أنه جزء من الدعاية لهم أو ممارسة المظهرية والتعالي على بعضهم البعض.. أو التقرب من المسئولين، أو إقامة موائد رحمن كنوع من الدعاية والإعلان عن أشخاصهم، وأحيانا يستخدمها البعض كستار لتجاوزاته دون النظر إلى أهمية أن يكون لهم دور حقيقي في تنمية مجتمعاتهم. ويؤكد دكتور حمدي على ضرورة أن يرتفع رجال الأعمال لمستوى المسئولية التي تفرضها عليهم الظروف الجديدة والتي سيحققون من خلالها مكاسب كثيرة.. ولكي يضمنوا استمرار هذه المكاسب فلا بد من حدوث توازن اجتماعي عن طريق ممارسة كل رجل أعمال لمسئولياته الاجتماعية بشكل أكثر تنظيما وبفاعلية أكبر. ولا بد أن تتم معظم هذه المساهمات من خلال الجمعيات الأهلية كما يحدث في أمريكا وأوربا.

نور المازني
نقلا عن إسلام أون لاين

Exit mobile version