زين الدين الآمدي, هو أول من اخترع الحروف البارزة لقراءة أصاحب الإعاقة البصرية قبل أن يخترعها (بريل) بحوالي (٦) قرون !
هو العالم الموهوب, زين الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف بن خضر الآمديّ العابر. ينسب إلى آمد وهي مدينة من أهم حواضر محافظة ديار بكر في الشمال الشرقي من بلاد الشام، وهي اليوم ضمن أراضي الدولة التركية.
ولد ونشأ وعاش في بغداد ولم يغادرها إذ أنه أصيب بفقد بصره وهو صغير, ومع ذلك فقد درس على أيدي علماء اللغة في بغداد وأخذ العلم في مجالس شيوخها وعلى رأسهم مجد الدين عبد الصمد ابن أبي الجيش شيخ القراءة في بغداد (ت67ه).
وتمهر الآمدي, في الفقه الحنبلي حتى اصبح, من أكبر فقهائه
كما برع في علوم العربية، وتعلم أيضاً اللغات الفارسية والتركية والرومية والمغولية، كان مهندسا وتعلم بعض الحيل الميكانيكية وكان وراقاً اشتغل بتجارة الكتب مع فقدانه البصر مذ كان صغيراً.
نبهاة وفراسة
تمتع الآمدي بفراسة قوية، وذهن نابه وبديهة حاضرة، فقد كان يعرف في حانوته موضع كل كتاب أو مخطوط وموضوعه ومؤلفه وعدد صفحاته، لا يختلط عليه شيء منها.
هداه ذكاؤه الحاد إلى ابتكار طريقة يتعرف بوساطتها ثمن كل كتاب أو مخطوط يقتنيه، وصفها الصفدي في كتابه «نَكْت الهِمْيان في نُكَت العميان» بقوله: «ويعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء. وذلك أنه إذا اشترى كتاباً بشيء معلوم أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الجُمَّل. ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبّد فإذا شذّ عن ذهنه كمية ثمن كتاب ما مسّ الموضع الذي عَلَّمه في ذلك الكتاب بيده فيعرف ثمنه من تنبيت العدد الملصق فيه».
من أهم إنجازاته :
أنه قد اهتدى إلى طريقة مختلفة بعض الشيئ عن الطريقة التي ابتكرها لويس بريل سنة 1850م وهي القراءة بطريقة اللمس وأول من أبتكر الحروف النافرة أو البارزة التي يقرأ بها العميان تلك الطريقة التي استخدمها زين الدين الآمدي لكي يسهل على نفسه معرفة أثمان الكتب توضح انشغاله كعالم لغة ومهندس بفكرة القراءة للعميان فكان الآمدي كما ذكرت كتب تاريخ العلوم هو المبتكر الأول للحروف النافرة أو البارزة التي يقرأ بها العميان ذلك قبل اختراع العالم التربوي (لويس برايل) لطريقته بنحو ستمائة عام. (الموسوعة العربية ، 2015)
زين الدين الآمدي ومون ولويس برايل:
تعرف الكتابة البارزة لتعليم القراءة والكتابة للعميان في العصر الحديث بطريقة برايل. وقد سبق المسلمون علماء الغرب الأوربيين بهذه الطريقة في الكتابة. ففي القرنين السابع والثامن الهجريين / الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين ابتكر زين الدين الآمدي الفقيه الوراق المسلم هذه الطريقة قبل العالمين الغربيين برايل الفرنسي ومون الإنجليزي.
وكان زين الدين الآمدي كفيف البصر ومحترفا لبيع الكتب في بغداد، ولكي يعرف زين الدين الآمدي عناوين هذه الكتب وأسماء مؤلفيها وأثمانها اخترع طريقة الكتابة البارزة لهذه العناوين وتلك الأسماء والأسعار بلصق حروف مصنوعة من ورق مقوى في صورة كلمات حسب ترتيب حروف كل كلمة على كعوب الكتب التي يبيعها أو أغلفتها، وكان يدرك بيانات هذه الكتب عن طريق اللمس ببنان الأصابع. ثم استخدم زين الدين الآمدي هذه الطريقة في تعليم الصبية العميان ببغداد القراءة للحروف والكلمات.
وقد اعتمد في اختراعه هذا لطريقة الكتابة البارزة على سمة مميزة للعميان وهي أن الحواس الأخرى تقوى وتحل محل البصر فاعتمد على حاسة اللمس لإدراك الحروف وترتيبها لمعرفة الكلمات والنصوص المراد قراءتها.
وبعد خمسة قرون قام العالم التربوي الإنجليزي لويس برايل (1224 – 1269هـ/1809-1852م) بمحاولة أخرى لمساعدة المكفوفين على القراءة والكتابة عن طريق النقط البارزة، وكان يعمل مدرسا بمدرسة للعميان بلندن، وكان بدوره مثل زين الدين الآمدي كفيف البصر فقد بصره منذ أن كان في الثالثة من عمره
وكان برايل قد لاحظ من تجربته في تعليم المكفوفين عن طريق المشافهة أن تلك الطريقة تجعل الكفيف يتعلم تعليما فيه اعتماد على الغير دون القدرة على القراءة أو التحصيل بنفسه مما يعوق في أحيان كثيرة عن إبراز بعض العبقريات الفردية فابتدع برايل طريقة الكتابة البارزة لكتابة الحروف والإشارات الموسيقية بهدف تعليم الكفيف القراءة بنفسه دون مساعدة. تلك الطريقة التي سميت باسمه عام 1245هـ/1829م.
وجاءت طريقته هذه أفضل من طريقة مون الإنجليزية في الكتابة البارزة السابقة عليه. وقد نشر برايل رسالة يشرح فيها طريقته هذه عام 1255هـ/1839م، فووجه بمعارضة شديدة في مدينة لندن -حتى في المدرسة التي كان يعلم بها المكفوفين عن طريق المشافهة- لم يواجه زين الدين الآمدي بمثلها في مدينة بغداد.
ومنذ عام 1277هـ/1860م أدخلت على طريقة برايل تعديلات وإصلاحات كثيرة، وتعود نسبة الفضل الأول إلى زين الدين الآمدي العالم المسلم في ابتكار طريقة الكتابة البارزة.
وفاة الآمدي وأهم مصنفاته :
(توفي بُعيد 712هـ – 1312م)، وللآمدي تصانيف كثيرة في اللغة والفقه وخلافه. كما صنف زين الدين الآمدي في علوم اللغة العربية وعلم الخلاف والفقه،
ولكن ضاعت معظم مؤلفاته ولم يبق منها إلا كتابان هما: «تعاليق في الفقه» و«جواهر التبصير في علم التعبير»، أو«البصيرة في تعبير الرؤيا» كما ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون».