تُعد الدكتورة سلوى حبيب واحدة من أبرز الأصوات الأكاديمية في مصر خلال القرن العشرين. شغلت منصب أستاذة بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، وهو معهد يختص بدراسة شؤون القارة السمراء سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. وقد تميزت حبيب بدقة أبحاثها وجرأتها في طرح القضايا الحساسة المرتبطة بالسياسة الدولية، خصوصًا تلك المتعلقة بالحضور الإسرائيلي المتنامي في إفريقيا.
كانت معروفة بين طلابها وزملائها بصرامتها الأكاديمية وانعزالها الاجتماعي؛ إذ لم تكن كثيرة العلاقات أو الظهور الإعلامي، وفضّلت الانغماس في البحث العلمي على حساب أي مجاملات اجتماعية أو سياسية.
Table of Contents
سلوى حبيب | اهتمامها بالقضية الإفريقية
ركزت أبحاث الدكتورة سلوى حبيب على قارة إفريقيا، بوصفها عمقًا استراتيجيًا لمصر والعالم العربي. درست بعناية طبيعة العلاقات الدولية في القارة، والعوامل التي تُؤثر على مسارها السياسي والاقتصادي. وفي هذا السياق، كان اهتمامها منصبًا على محاولات القوى الخارجية – وبالأخص إسرائيل – التغلغل داخل إفريقيا لكسب النفوذ والتأثير.
لم يكن هذا الاهتمام مجرد دراسة أكاديمية محايدة؛ بل كان مشبعًا بالوعي السياسي والوطني. فقد رأت أن استهداف إفريقيا هو جزء من مشروع استعماري أوسع يرمي إلى تطويق مصر والعالم العربي وإضعاف نفوذهما.
مناهضتها للمشروع الصهيوني
تُعتبر سلوى حبيب من أكثر الأكاديميين المصريين صراحة في نقدها للمشروع الصهيوني. فقد كرست أبحاثها لكشف المخططات الإسرائيلية في إفريقيا، حيث رصدت نشاط القادة الإسرائيليين في بناء شبكة علاقات اقتصادية وعسكرية وثقافية مع العديد من الدول الإفريقية الناشئة بعد الاستقلال.
وكانت تؤكد أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى التعاون، وإنما إلى الهيمنة، عبر تقديم الدعم العسكري والتكنولوجي، والتغلغل في البنية الاقتصادية والسياسية لتلك الدول.
كتابها الأخير: “التغلغل الصهيوني في إفريقيا”
أكثر ما أثار الجدل في مسيرة الدكتورة سلوى حبيب كان كتابها الأخير، الذي كان قيد النشر بعنوان: “التغلغل الصهيوني في إفريقيا”. في هذا الكتاب جمعت وثائق وتحليلات معمقة تكشف خفايا الدور الإسرائيلي في القارة، وعلاقاته المشبوهة مع بعض الحكومات والحركات السياسية.
كان الكتاب بمثابة قنبلة فكرية تهدد بكشف أبعاد خطيرة لم تكن معروفة للرأي العام. وربما كان هذا الكتاب هو السبب المباشر في استهدافها، حيث كان من المتوقع أن يُحدث ضجة كبرى بمجرد صدوره.
مقتلها الغامض
في واقعة هزت الأوساط الأكاديمية المصرية، عُثر على جثة الدكتورة سلوى حبيب مذبوحة في شقتها. أثار الحادث صدمة كبيرة، خاصة أن أسلوب القتل كان وحشيًا ويُشير إلى رسالة واضحة: إسكات صوتها.
ورغم جهود رجال المباحث، لم يُكشف عن هوية الجناة، لتبقى الجريمة لغزًا مفتوحًا حتى اليوم. وقد اعتبر كثيرون أن اغتيالها يدخل ضمن سلسلة استهداف العلماء والمفكرين العرب الذين تجرؤوا على فضح المشروع الصهيوني ومخططاته، مثلما حدث مع الدكتور جمال حمدان.
تشابه مع جمال حمدان
كثيرًا ما قورن مصير الدكتورة سلوى حبيب بمصير المفكر الكبير جمال حمدان، الذي وُجد هو الآخر ميتًا في شقته في ظروف غامضة. كلاهما كان يعيش حياة شبه منعزلة، وكلاهما كان يُحضّر لإصدار كتاب بالغ الأهمية عن إسرائيل ومخططاتها.
هذا التشابه عزز من الاعتقاد بأن الجريمة لم تكن جنائية عادية، وإنما اغتيال سياسي يستهدف العقول التي تجرؤ على كشف الحقائق.
إرثها العلمي والفكري
رغم رحيلها المأساوي، إلا أن سلوى حبيب تركت إرثًا علميًا مهمًا، يتمثل في أبحاثها ودراساتها التي تناولت العلاقات الدولية في إفريقيا، ونبهت إلى خطورة المشروع الصهيوني هناك. لقد ساهمت في إرساء وعي أكاديمي وسياسي بضرورة الانتباه لما يجري في القارة السمراء، وعدم تركها مرتعًا للتغلغل الأجنبي.
كما أن سيرتها أصبحت رمزًا للشجاعة الفكرية؛ فقد واجهت قضايا خطيرة لم يتجرأ كثيرون على الاقتراب منها، ودُفعت حياتها ثمنًا لذلك.
الخاتمة
تمثل قصة الدكتورة سلوى حبيب مثالًا مأساويًا على استهداف العقول الحرة في العالم العربي. فهي لم تكن مجرد أكاديمية تُحلل العلاقات الدولية، بل كانت باحثة وطنية تحمل همًا استراتيجيًا، وتسعى لكشف المخططات التي تستهدف أمن مصر والعرب.
لقد رحلت مذبوحة في شقتها، لكن صوتها ما زال حاضرًا من خلال أبحاثها، وكتابها الأخير الذي لم يرَ النور لكنه ظل شاهدًا على ثمن الحقيقة. إن سيرتها تذكير بأن المعركة مع المشروع الصهيوني ليست فقط سياسية أو عسكرية، بل هي أيضًا معركة فكرية وعلمية، يخوضها الباحثون والمفكرون، وغالبًا ما يدفعون حياتهم ثمنًا لها.