الغسيل الكهربي ك ثمة حاجة ملحة للتقنيات التي يمكنها تنقية مصادر المياه غير التقليدية بكفاءة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على المياه النظيفة.
تتطلب محطات معالجة المياه عادةً سلسلة من وحدات الفصل المكلفة لتحقيق تحلية المياه وإزالة الملوثات السامة مثل المعادن الثقيلة والبورون. وتُظهر البيانات أن مصادر المياه العذبة آخذةٌ في النضوب، وستستمر عوامل أخرى مثل تغير المناخ وارتفاع عدد سكان العالم في وضع ضغوط على تلك المصادر، لذا تتطلب هذه المشكلات وجود طرق لمعالجة وإدارة مصادر المياه المعقدة الأخرى بكفاءة.. يقول “أوليانا” إن غشاءه الجديد قد يسهم في حل جزءٍ من تلك المشكلة؛ “فمستقبل مياه الشرب لن يكون للأنهار التي قد تنضب نتيجة تغيرات مستوى الأمطار، بل سيكون لمعالجة المياه من الصرف الصحي أو مياه البحار والمحيطات”.
في دراسة نشرت مؤخراً في دورية “science“، صمم الباحثون غشاءً جديدًا عالي الكفاءة يسمح بتحلية المياه وتنقيتها في خطوة واحدة، يعني ذلك إمكانية تنقية مياه الصرف الصحي، والبحار، ومياه المستنقعات بتكلفة زهيدة في المستقبل، الأمر الذي قد يُسهم في توفير المياه للمناطق التي تُعاني نقص خدمات المياه النظيفة والصحية.
“الغسيل الكهربي”
لإزالة الملوثات السامة، يجب أن تكون تلك الأجهزة أكثر تعقيدًا، تتألف من عدة مراحل، وبالتالي تكون أكثر كلفةً وأكبر حجمًا، إلا أن الباحثين في الدراسة الجديدة قاموا بتصميم سلسلة من الأغشية النانوية المسامية والممتصة والقوية لها القدرة تنقية المياه من مصادرها غير التقليدية بكفاءة عالية، وإزالة الملوثات السامة مثل المعادن الثقيلة والبورون، كل ذلك في خطوة واحدة فقط وبتكلفة قد تصبح زهيدةً في المستقبل القريب، “حال تصنيع تلك المادة على نطاق واسع”.
ووفقاً للعلماء لا تقوم الأغشية الجديدة بترشيح المياه وتنقيتها فحسب، بل تعمل أيضًا على استعادة الأيونات ذات القيمة المحتملة، أيْ الأملاح المعدنية الموجودة في المياه النقية، والتي لها أهمية تغذوية على الصعيد الصحي. فالغشاء يعتمد على إستراتيجية فصل فعالة من خطوة واحدة تسمى “الغسيل الكهربي لالتقاط الأيونات”، أو “الديلزة الكهربائية”.
في تلك الطريقة، يستخدم الباحثون تكوينات غسيل كهربي مع أغشية امتصاص لتحلية مصادر المياه، وفي الوقت نفسه تلتقط المواد المذابة المستهدفة والتي لها قيمة غذائية بشكل انتقائي.
التقاط الملوثات المستهدفة
يقول “آدم أوليانا” الباحث بقسم الهندسة الكيميائية والبيولوجية الجزيئية في جامعة كاليفورنيا بيركلي لموقع للعلم: إن البحث أبرزَ طريقةً جديدةً لتنقية المياه، يمكنها تحلية المياه بكفاءة لإعادة استخدامها مع التقاط الملوثات المستهدفة من المياه في الوقت نفسه مع استعادة المواد المذابة المتنوعة المنقولة بالماء، “والأهم هو إنشاء فئة جديدة كُليًّا من أغشية التبادل الأيوني الممتصة التي تُظهر خصائص واعدة للغاية في تنقية المياه”.
علي مدار السنوات الماضية، قام الباحثون بتطوير مواد ماصة مسامية (PAFs) واستخدامها في عمل أغشية لتنقية المياه بشكل أكثر كفاءة، يقول الباحث “آدم أوليانا”: إن الفريق البحثي الذي نفذ تلك الدراسة ظل 3 سنوات كاملة يحاول إنشاء نظام جديد لتنقية المياه يعمل بصورة أفضل مع كل مصادر المياه.
تمثل الأطر العطرية المسامية (PAFs) فئةً مهمةً من المواد الصلبة المسامية، تمتلك PAFs أطرًا صلبة ومساحات سطحية عالية بشكل استثنائي وفريد، ويتم تصميمها من وحدات بناء أروماتية/عطرية، وهي خاصية كيميائية يكون فيها الجزيء على شكل حلقة مرتبطة بالكربون.
وتُظهر مواد PAFs خصوصيةً في خواصها الكيميائية ووظائفها، مقارنةً بالمواد المسامية التقليدية مثل الزيوليت والأطر العضوية المعدنية؛ فالميزات الفريدة لـPAFs تجعل استخدامها سلسًا ومعالجتها أكثر سهولة وتشكيلها أمرًا في غاية البساطة.
الديلزة الكهربائية
في ذلك الغشاء الجديد، يُدخل الباحثون مصدرًا للمياه من جانب الغشاء الأيسر على سبيل المثال، يُخفض الغشاء درجة عكارة المياه، وينقيها من الميكروبات والسُّميات، ثم تأتي مرحلة “الديلزة الكهربائية”، وفيها يُستخدم تيار كهربائي متردد لفصل الأيونات، وبسبب تزويد الغشاء بمواد نانوية خاصة، تلتصق الأيونات المفيدة على الفور بجوانب الغشاء، أما الأيونات غير المستهدفة فتترسب ويتم طردها خارجًا، “وهذا مفهوم جديد تمامًا بالنسبة لذلك النوع من الأغشية”، على حد قول ” آدم أوليانا”.
لكن مع استمرار تدفق المياه عبر الغشاء، يُمكن أن تتراكم المواد السامة في مسامات الغشاء، فكيف يُمكن التخلص منها؟
يقول الباحث”آدم أوليانا” إن الأمر سهل للغاية؛ إذ علينا فقط في تلك الحالة عكس التدفق، “لو كان تدفق المياه المراد تنقيتها من اليمين إلى اليسار يتم عكس التدفق، وبالتالي سيتم التخلص من أيّ تراكم قبل بدء العملية من جديد”.
تتميز تلك الطريقة في كونها “عملية ذات خطوة واحدة”، وهي تنافس بشكل كبير كل منهجيات معالجة المياه التقليدية، التي تتطلب خطوات متعددة لتحقيق نتائج مماثلة.
الميزة الأساسية في ذلك الغشاء هو احتواؤه على جسيمات نانوية مسامية منتشرة في جميع أنحائه، “يعني ذلك الأمر قدرةً كبيرةً على تصحيح مستويات الأملاح الذائبة في الماء بصورة يُمكن ضبطها وفقًا للحاجة”، مشيرًا إلى أن الأزمة الحقيقية التي تواجه هذا النوع من الأغشية هو “كون مواد PAFs جديدةً نسبيًّا”، وهذا يعني أن ثمن الغشاء سيكون مرتفعًا. تلك المادة جرى استخدامها لأول مرة في صناعة الأغشية قبل نحو 12 عامًا فقط، “غير أن صناعتها على مستوى تجاري واسع سيخفض بكل تأكيد من سعرها ويجعله في متناول الجميع”.