عوائق الإبداع وآفاته .. الغرور والتسرع أبرزهم

من مثبطات الإبداع أو معوقاته: القيود والضغوط الاجتماعية والسياسية، والتقليد الأعمى، وأجواء الكراهية والحسد، والبيئة المتخلِّفة التي تكثر فيها العقول المتحجرة، والاتكالية، وانعدام النقد والحريّة في التعبير.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك، فقدان الأمن، وتقديس التراث، وشيوع الأسلوب التنظيري وانعدام أجواء التجريب والمختبرات والورشات، كما إنّ الخوف من طرح الأسئلة، والهروب منها، وعدم الإجابة عنها بشفافية تعيق الإبداع وتعرقل سيره وتربك خطاه.

أمّا أسلوب التلقين في التعليم وحفظ المعلومات واستذكارها وتقدير معدلات النمو والتفوّق بالعلامات المدرسية، دون الالتفات إلى السعي السنويّ من حيث المساهمة في النشاطات، والنقاش، وطرح الأسئلة، فهو مما يخنق الإبداع أيضاً.




هذا فضلاً عن أنّ الاستخفاف والاستهزاء والتوهين والسخرية وأساليب التشويه التي يواجه بها المبدع وهو في ريعان إبداعه قد تكسر ميوله إلى الاستمرار والتطلّع إلى إبداعات أوسع.

لقد كتب الشاعر المصري الكبير (إبراهيم ناجي) أيام شبابه قصيدة وأرسلها إلى مجلّة أدبية، فما كان من المحرّر إلاّ أن نصح الشاعر بعدم دخول عالم الشعر لأنّه لا يصلح كشاعر وحين قرأ إبراهيم ردّ المجلّة أصيب بالخيبة وارتطم بعمود الكهرباء أثناء سيره إلى البيت وكسرت ساقه !

لكنّ إبراهيم ناجي .. أفاق بعد ذلك من ذهوله وخيبة أمله ليصبح شاعراً مبدعاً من الطراز الأوّل، ولو كان استسلم للصدمة لحرم الأدب العربي من قصائد وجدانيّة غاية في الروعة والإبداع.

ويمكن أن نشير أيضاً إلى آفات أخرى تؤثر على شخصية المبدع وعلى مستواه الإبداعي، ومنها:
1 ـ الغرور: فالغرور قاتل الإبداع لأنّه يوحي لصاحبه أنّه بلغ الكمال وأنّه الأفضل بين الآخرين، ومَن كان هذا شأنه فهو إلى الانهيار والتراجع أقرب منه إلى الارتقاء والتطور.
2 ـ الإحساس بالحقارة أو الدونية: وهو شعور مناقض للشعور السابق لكن نتيجته مؤسفة أيضاً، فهو يقعد بصاحبه عن أيّ إبداع حينما يرى نفسه أقلّ وأصغر وأضأل من الآخرين، وقد يمتلك بعض نوازع ومقومات الإبداع لكن انعدام ثقته بنفسه يميت إبداعه ويحطمه.
3 ـ العجلة والتسرّع: فكما قلنا فإنّ (الإتقان) و (السرعة) لا يجتمعان ولا تجد عملاً إبداعياً ـ إلاّ ما ندر ـ جاء على وجه السرعة. فقد يترك المبدع عمله الإبداعي الجديد فترة من الزمن قبل أن يباشر في تنفيذه وذلك لغرض التمكّن الكامل منه.
4 ـ الاستجابة للضغوط: فإذا خضع مبدع لشروط صاحب المال أو السلطة أو المؤسسة، أو لواقع اجتماعي متعسِّف، فإنّه سيحطِّم إبداعه بيديه، لأنّه سيفقد عاملاً أو شرطاً من شروط إبداعه وهو (الحريّة) و (الاستقلاليّة).
5 ـ المسكّرات والمخدّرات والدخان: فهذه كلّها تفعل فعلها التخريبيّ في الخلايا الدماغية والعصبية والجسدية، الأمر الذي يهدد بأمراض تضعف القابلية على الإبداع كاضطراب الغدد وتأثير ذلك على السلامة النفسية، فاضطراب غدة (الثايارويد) مثلاً قد تؤدِّي ـ كما يقول أهل الاختصاص ـ إلى البلادة! وإذا لم ترشح الغدة الدرقية مادة (التيروكسين) فإن ذلك سيضعف الذكاء ويزيله، كما أن زيادة أو ضعف الكالسيوم في الجسم يسبب اختلالاً نفسياً، وما أكثر الأمراض المشخّصة وغير المشخّصة التي تسببها المسكّرات.
ولا نعتقد بصحة ما يشيعه البعض من أن هذه الخبائث والشرور والمواد السامّة الفتّاكة تساعد المبدع على المزيد من الإبداع .. إنّها تضرّ به وتضعفه، وقديماً قيل: «العقل السليم في الجسم السليم».
6 ـ الشيخوخة: فكلّما تقدّم العمر بدأت علامات النبوغ والإبداع بالأُفول والاضمحلال والتلاشي كجزء من حالة الانحدار الصحيّ التي تصيب المتقدِّم بالسنّ.

يقول (شارل ريشيه): إنّ قوى الذهن وجميع القوى المتعلِّقة بها تضعف بالتدريج بعد سن (45) سنة، وإن قوة الابداع والابتكار التي تنبع من الذكاء والفراسة تصل إلى ذروتها بين سن الثلاثين والأربعين حتى سن الخمسين، ثمّ تأخذ بالضعف بعد ذلك بالتدريج وتصاب بالركود في السبعينات من العمر، رغم انّه يوجد في مثل هذه المرحلة نوابغ في العالم.
فالقاعدة هي أن ملامح الإبداع قد تبدأ من الطفولة ثمّ تظهر بشكل بارز في مرحلة الشباب فهي المرحلة المؤهلة للإبداع، أو لمستوى إبداعيّ قابل للنمو والتكامل، وهذا هو السرّ في اغتنام الشباب قبل الهرم.

7 ـ القناعة: ومن محبطات الإبداع القناعة بما وصل إليه المبدع، والرضا بمستوى أو مرحلة معيّنة من العطاء، والنوم على أمجاد الماضي.. إنّ المراوحة في المكان قد تبدو غير الرجوع إلى الوراء.. لكنها في حساب الزمن والعطاء كذلك.

Exit mobile version