غوستاف هنري .. رسام الكاريكاتير الفرنسي وحكاية اعتناقه للإسلام
محمد ابو الوفا
غوستاف هنري .. رسام الكاريكاتير الفرنسي وحكاية اعتناقه للإسلام
من الشخصيات التي تعرفت عليها مؤخرًا وأذهلتني عبد الكريم جوصو أو غوستاف هنري ( ديجون، فرنسا، 16 أبريل 1866 – سيدي بوسعيد، تونس، 7 أبريل 1951)، رسام الكاريكاتير الفرنسي الذي نفر بكل قواه إلى بلاد الشرق منقذًا نفسه من تردي على مستوى الجسد والروح.. حتى اعتنق الإسلام.
Table of Contents
غوستاف هنري وكتاب “اعتناقي للإسلام”
وجد غوستاف هنري ضالته في روابي تونس وبين أهلها، وفي الإسلام هدأت روحه وحصل على التسليم بعدما مر بتجربة أليمة هي فقده لابنته والتي أعقبتها محاولات منه للتغلب على ذلك الفقد عبر الانخراط في أنشطة جماعات تحضير الأرواح وغيرها ثم تسلية نفسه بالرسم والسخرية الاجتماعية، فانحدرت روحه ناحية الظلام والقسوة أكثر، حتى حنت إلى مقامها في بلاد أفريقية التي مكث فيها قبل ذلك مع زوجته لمدة عام، فجاء إليها وسكن بها واهتدى للإسلام وحينها اتهمته الصحافة اتهامات عديدة، فكتب كتابه العذب “اعتناقي للإسلام“، يشرح فيه كيف اهتدى إليه وما هي المعاني العظيمة التي تدفقت إلى ضميره منه..
والرجل في جزء من الكتاب يكاد ينفطر حزنًا على ديار الشرق إذ يترك أهلها عاداتهم الكريمة وحضارتهم السخية ويقلدون الفرنجة، فما من عاقل في رأيه يترك الملابس العربية والمجالس العربية والمعاني الإسلامية ليلحق بما هو أردأ…
حياته ومهنته
بدأ غوستاف هنري حياته المهنية تحت إشراف جان بول لورينز ويوجين كاريير . يمكن التعرف على أسلوبه كرسام كاريكاتير على الفور بسبب إشارته التعبيرية إلى Cloisonnism الذي قدمه إميل برنارد . سافر إلى بريتاني وربما تأثر بمدرسة بونت آفين .
يُذكر بشكل أساسي بالعلامة التي تركها في العديد من الأعداد الخاصة لمجلات باريس، أبرزها l’Assiette au beurre، ومن بين المساهمين فيها كيس فان دونجن ، فيليكس فالوتون ، فرانتيشيك كوبكا ، ستاينلين ، أدولف ويليت ، وجاك فيلون .
كان الكثير من أعماله يسخر من البرجوازية ، كما يتبين من عناوين الكتب المصورة التي أنتجها: Artistes et Bourgeois (باريس: لويس ميشود 1896)؛ جوكي كلوب سردين (1897); Minces de trognes (باريس: هازارد، 1896)؛ فياند دي بورجوا (باريس: لويس ميشود، 1906).
عُرضت أعماله في العديد من المعارض الجماعية الكبرى في باريس: Salon des Cent (1894، 1895) Salon de la Société Nationale de Beaux Arts (1895)؛ صالون أوتومني (1908، 1909، 1911)؛ صالون المستقلين (1894، 1896، 1910، 1911، 1921). أدى معرضه الكبير في متحف رودولفين إلى تعزيز مكانته الدولية في عام 1908، ثم في الصالون التونسي عام 1912. وعلى الرغم من أن جوسو قال في كثير من الأحيان إنه أوقف جميع أنشطته الفنية، إلا أنه كان لا يزال يرسل أعماله إلى الصالون التونسي حتى يوم وفاته.
في مزاد علني في نيويورك (12 يونيو 1980) تم بيع لوحة لجوسو تحمل عنوانًا رائعًا “Anti Nabis” (المرجع: Bénézit 1999). يشير هذا العمل، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1894، إلى Les Nabis ، الذي كان له تأثير مهم في ذلك الوقت.
الاتهام بالفوضوية
وُصف غوستاف هنري بأنه فوضوي، وهو ما نفاه. وعلى الرغم من أنه لم يكن متشددًا أبدًا، إلا أنه كان بالتأكيد منتقدًا لاذعًا للأنظمة الاجتماعية والسياسية في عصره.
وبعد رحلاته إلى تونس عامي 1896 و1904، انتقل بشكل نهائي إلى سيدي بوسعيد عام 1911.
في كتابته ” Dépêche tunisienne ” (10 فبراير 1913)، قارن جوسو زيف الحضارة الغربية مع بساطة الإسلام، وأشاد بالإسلام لأنه “ليس لديه أسرار، ولا عقائد، ولا كهنة، ولا احتفالات تقريبًا”، ولأنه “أكثر الدين العقلاني في العالم.”
كتب جوسو عدة كتيبات بعنوان Ma Conversion و Le Sentier d’Allah و Le Fetus récalcitrant حيث حاول تجميع واستئناف أكثر من مائة مقالة منتشرة في الصحف الفرنسية والتونسية. هناك يمكننا أن نقرأ فلسفته الفردية بالقرب من جورج دارين ، أو جورج بالانت ، أو حتى جيدو كريشنامورتي ، وقناعاته الميتافيزيقية، ومناهضته لرجال الدين ومشاركته السلمية خلال الحربين العالميتين، وكفاحه ضد انتهاكات الاستعمار.
هداء كتاب عبد الكريم (اعتناقي الإسلام)
إهداء كتاب غوستاف هنري (اعتناقي الإسلام) :
“الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله الذي جاء بالحق ليظهره على الدين كله، مرغمًا أنف من عاند وحقد وحسد، فدعا لسبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادل الناس بالتي هي أحسن، فمنهم من تجبر ونفر، ومنهم من انقاد وأذعن وأقر، وتلك سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وعلى كافة الأنبياء والمرسلين، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم وتلاهم إلى يوم الدين.
أما بعد؛
فإن المنازل تستهوي ألباب قاطنيها بما يتاح لهم تحت أديمها من أفانين السعادة والسعادة – لا زلت لها قرينًا – نوعان : سعادة أرواح، وسعادة أشباح، بينها من التفاوت كما بين النار والنور، والظل والحرور. وقد صادفت أثناء إقامتي بالقطر التونسي سعادةً لنفسي، وراحةً لفكري، مِن نصبٍ وكفاحٍ مارسته عقدين من السنين، أعني حين قرّ قراري، وسكنت نفسي، وانقاد ضميري، لاتباع دين الهدى وشريعة الإسلام، فصار هذا القطر حينئذٍ وطنًا للنفس تحن إليه، وترفرف بأجنحتها عليه، ومَن كان حرَّ الضمير يصدع بالحق لا يخشى لومًا ولا تثريبًا. لذلك أردت أن أبدي للناس عندما نجز هذا التأليف ما لفؤادي من الود والميل نحو قطر يجدر لي أن أدعوه : ( قطر السعادة )، فوطدت العزم على إهداء الكتاب لأميره الأعظم، وملاذه الأفخم، صاحب السؤدد والفخار، سيدنا محمد الناصر باشا باي، صاحب المملكة التونسية، لا زال رفيع العماد، طويل النجاد ؛ آمين.
وهذه مقدمته
تقوّلت عني بعض الصحف الفرنسية عندما اعتنقت دين الإسلام أني أريد تمهيد السبيل للتزوج بأربع نساء، وامتلاك ما أشاء من الجواري، سبحانك اللهم هذا رجمٌ بالغيب، وقذفٌ بالبهتان ؛ بل إني أسلمت لله رب العالمين، مخلصًا له الدين، وما أنا أول المهتدين .وجدت الإسلام دينًا سمحًا سهل المأخذ، بين العقيدة، واضح البرهان، مجردًا مِن الغموض، لا يفتقر أتباعه في عبادة خالقهم إلى واسطة، فارتضيته لنفسي والحمد لله.
لقد كنت بادئ بدء أردت أن أقلد أسلافي الكاثوليكيين، ولكن الفكر أبى أن يعتقد شيئًا لا دليل عليه، وكيف يقام البرهان على صحة العقائد الكاثوليكية وقساوستها ورهبانها وكردينالاتها عاجزون عنها.
بعد ذلك مكثت نحو عشرين سنة أبحث عن الدين الحق لأكون من شيعته، إذ لا غنى لمخلوق عن عبادة خالقه. فاتفق لي في أواخر هذه المدة أن جبت بعض الأقطار الإسلامية، فأثّر جمال حياة أهلها تأثيرًا عظيمًا على قريحتي الفنية، واستهوتني محاسنها إلى أن اندفعت للبحث في شؤونهم إجمالاً وتفصيلاً، وإذ ذاك أخذ دين الإسلام يستميلني شيئًا فشيئًا، إلى أن تجلّى اليقين أمام عيني، وعلمت أن الدين عند الله الإسلام.
وها أنا أبيّن للواقفين على هذا الكتاب خلاصة أبحاثي من أولها إلى آخرها تفنيدًا لمزاعم الواهمين” . اهـ.