فرانز اوليفييه جيسبير يكتب: شيراك.. سيرة حياة

فرانز اوليفييه جيسبير يكتب: شيراك.. سيرة حياة

 

 

 

الكتاب: شيراك.. سيرة حياة

تأليف: فرانز ــ اوليفييه جيسبير

الناشر: فلاماريون، باريس ــ 2016

الصفحات:

848 صفحة

القطع: المتوسط

 

يبلغ الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الثالثة والثمانين من العمر. أمضى القسم الأكبر من سنوات حياته في معترك العمل السياسي وتولّى العديد من المناصب الكبرى التي لم يكن أقلّها رئاسة بلدية العاصمة باريس وعدد من الحقائب الوزارية ورئاسة الوزراء ثمّ المنصب الأعلى في الدولة كرئيس للجمهورية الفرنسية خلال سنوات 1995 ــ 2007.

ورغم كل ما قيل وكُتب عن جاك شيراك فإن «هذا الرجل سر مجهول»، كما يصفه «فرانز ــ اوليفييه جيسبير»، الصحافي الفرنسي المعروف، والذي كان قد تعرّف إليه منذ بداية عقد السبعينيات في القرن الماضي، العشرين، وتابع عن قرب مساره السياسي وخصّه بأحد كتبه السابقة. وهو يكرّس له أيضاً عمله الجديد الذي يحمل عنوان «شيراك، سيرة حياة».

يشير «جيسبير» أن معرفته بالرئيس الأسبق شيراك تعود إلى عام 1972 بالتحديد. ويستهلّ كتابه الذي يفوق عدد صفحاته الثمانمئة صفحة بتلك الزيارة التي قام فيها الوزير الشاب شيراك للمنطقة الفرنسية التي ينحدر منها وبقي وثيق الصلة بها طيلة حياته، أي «الكور يز».

وفي تلك المنطقة تدور أحداث طفولة شيراك، كما يشرحها المؤلف في فصل يحمل عنوان «الملجأ والينبوع».

ثم تتالى الفصول عن «حرب الأزرار» حيث «تعرف فترة الشباب بعض الجنون»، ثمّ «سنوات القلق الأسود» خلال تلك الفترة لتتالى بعدها الفصول حتى الأخير منها الذي يحمل الرقم 116. والإشارة في هذا السياق أن مؤلف هذه السيرة يعتمد على 1000 شهادة مصدرها مقرّبون من شيراك بصفات متنوّعة، بالإضافة إلى عشرات الأحاديث الثنائية التي جمعته مع «الرئيس».

ولا يتردد «جيسبير» في وصف الرئيس الأسبق شيراك أنه «كان دائماً ذلك الشخص الذي لا يتوقف عن عدم قول الحقيقة وعن إصدار الوعود في كل الاتجاهات والمخاتلة وقتل أعدائه، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الاغتيال السياسي»، كما يكتب.

ويضيف في موقع آخر أن جاك شيراك «لم يتردد في تغيير خطابه كما يغيّر ملابسه». ويصل في مثل هذا السياق من التحليل لشخصية «جاك شيراك» إلى القول إنه، باستثناء«الخطابات التي وجهها للشعب الفرنسي» عندما كان رئيساً و«بعض المواقف الدبلوماسية الجريئة، لم يترك في الواقع إرثاً كبيراً جوهرياً للأجيال القادمة».

لكن جيسبير يؤكّد أيضاً سمات إيجابية كبيرة لدى ذلك الرجل الذي كان يميل باستمرار للاحتكاك بالآخرين والتعامل المباشر معهم، حتى أن عاش تجربة الرئاسة. ويصفه بعدها أنه «هو أيضاً نفس الشخص الذي انزوى، بدافع الحذر، في السنوات الأخيرة من رئاسته ــ غسق رئاسته ــ خلف جدار من العزلة التي قاربت أن تكون حالة من التوحّد»، كما نقرأ.

تجدر الإشارة أن مؤلف الكتاب يولي في هذه السيرة الكثير من الاهتمام الخاصّ لحالة «التحوّل» التي عرفها جاك شيراك عبر تجربة السلطة. يكتب «ذلك التحوّل والانبعاث هو الذي أريد التعرّض له بعد أن كنت قد تتبعت الرجل خطوة بعد خطوة. وأدرك جيداً أنه رجل غامض جداً. ولم يكن طيلة حياته ذلك الرجل الذي رسمته الصورة السائدة عنه».

ما يؤكّده المؤلف في هذه السيرة أن شيراك كان «أكثر تعقيداً» و«أكثر قرباً من الناس» مما أظهر. وهكذا يرسم له صورة إنسان كان يعرف كيف يبدو «بسيطاً وحارّاً» في علاقاته مع الآخرين «الكبار منهم والبشر العاديين». والإشارة أنه كان «يبتعد» أحياناً عن الصحافيين كي يمضي بعض الوقت مع «معاق عقلي».

ومن الأفكار السائدة عنه التي يسوقها المؤلف أنه قبل كل شيء «رجل جميع التناقضات»،كما قيل عنه كثيراً. وبأنه «ضعيف ومتسلّط» و«لبرالي ورجل تخطيط» و«تحرّكه عواطفه ويجيد الحسابات» وأشياء أخرى كثيرة تنمّ عن «التناقض».

ويشير أنهم شبّهوه بـ «نابليون بونابرت ومرغريت تاتشر والجنرال بينوشه وبالقائد العسكري جورج كلمنصو» وغيرهم. والنتيجة التي يخلص لها «جيسبير» من جميع تلك التوصيفات والتناقضات والتشبيهات مفادها أن «شيراك جمع بعض الشيء من ذلك كلّه».

وفي الإجمال يقدّم «فرانز ــ اوليفييه جيسبير» صورة للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك أنه كان «صبوراً ويعمل طويلاً بلا كلل ولا ملل». ذلك دائماً بهدف بارز دائماً هو أن «يستأثر بقلوب الرجال والنساء ويبلغ قدراً أكبر من السلطة». ومن صفاته الأولى «التصميم» حيث في كل مرّة «كان يسقط فيها عن صهوة جواد السلطة» يعود لـ «اعتلائها من جديد». ذلك ما أثبتته، كما يشير المؤلف، سيرة حياته كلّها.

رجل مهم لكنه لم ينجز شيئاً

يبقى الحب الأكبر للرئيس الفرنسي الأسبق «حبّه للحياة»، كما يحدد المؤلف. واللافت أنه جيسبير اختار كمطلع يفتتح فيه هذه السيرة الصادرة في مطلع 2016 الجملة التالية:«مكافأة الرجال العظام أنه بعد فترة طويلة من رحيلهم لا يتم التأكّد أنهم رحلوا».

ذلك في إشارة إلى أن جاك شيراك الذي نأى تماماً عن الحياة السياسية منذ سنوات عديدة لم يزل حاضراً في أذهان الكثير من الفرنسيين وقريباً جداً من قلوبهم. لكن المؤلف يشير بالوقت نفسه أن شيراك «رجل عظيم لكنه لم يفعل شيئاً عظيماً». وهذه الازدواجية تمثّل الخط الناظم للصورة التي يرسمها المؤلف لـ «بطله»..

المؤلف في سطور

فرانز ــ أوليفييه جيسبير، صحافي فرنسي معروف. من أب أميركي كان أحد الجنود الذين نزلوا على الشاطئ الفرنسي أثناء عملية الإنزال البحري الكبرى أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن أمّ فرنسية. عمل مع صحف ودوريات عدّة، من بينها «نوفيل اوبسرفاتور» و«الفيغارو» وأصبح لفترة مديراً لمجلة «لو بوان». من مؤلفاته: فرانسوا ميتران أو إغراء التاريخ، نهاية حقبة.

 

 

 

Exit mobile version