لا يُعرف سوى القليل عن حياة ليوناردو بوناتشي بخلاف الحقائق القليلة الواردة في كتاباته الرياضية. خلال فترة صباه، تم تعيين والده جولييلمو، وهو تاجر بيزاني، قنصلًا على مجتمع التجار البيزانيين في ميناء بوجيا بشمال إفريقيا (الآن بجاية، الجزائر). تم إرسال فيبوناتشي ليدرس الحساب على يد أستاذ عربي. ذهب بعد ذلك إلى مصر وسوريا واليونان وصقلية وبروفانس، حيث درس الأنظمة العددية المختلفة وطرق الحساب.
في مدينة بيزا إحدى حواضر إقليم توسكانا الإيطالي القريب من البحر المتوسط، وفي عام 1180م/576هـ وُلِد ليوناردو بوناتشي في تلك المدينة التي كانت تعجّ بخليط من الأُمم الإيطالية والأتراك والليبيين والفرس والعرب، وكان ميناء الصيد الصغير التابع للمدينة قد كسب من صراعه مع المسلمين أثناء الحروب الصليبية لا سيما في سردينية وصقلية مركزا إستراتيجيا وثروة ضخمة، وأصبحت هذه المدينة حلقة الاتصال بين تجارة الشرق والغرب، واستطاعت بالسبل الدبلوماسية والتجارية أن تقيم فنادق تجارية في أهم مدن البحر المتوسط وسواحله من القسطنطينية والإسكندرية وحتى بجاية الجزائرية وسبتة المغربية.
السنوات المبكرة والتعليم
لا يُعرف عنه أو عن عائلته سوى القليل جدًا ولا توجد صور فوتوغرافية أو رسومات له. تم جمع الكثير من المعلومات حول فيبوناتشي من خلال ملاحظات سيرته الذاتية، والتي أدرجها في كتبه.
ثورة الأرقام العربية
طاف ليوناردو البلدان الإسلامية في المشرق والمغرب، في سبتة وتونس والإسكندرية والقاهرة ودمشق، ودرس كل ما حوته مخطوطات كبار الرياضيين من الإغريق والهنود والعرب، وألّف ليوناردو وهو في الثالثة والعشرين من عمره عام 1202م من عمره كتابه الشهير “Liber Abaci” أي “كتاب العدّ” أو “العدّاد” باللغة اللاتينية ليصبح ثورة في تاريخ علم الحساب والرياضيات في القارة الأوروبية في القرن الثالث عشر الميلادي.
في هذا الكتاب رأينا أول عرض أوروبي كامل للأرقام الهندية العربية، وللصفر، والطريقة العشرية، يقوم به مؤلف مسيحي، وكان، كما يقول ول ديورانت في “قصة الحضارة”، “بداية بعْث العلوم الرياضية في بلاد أوروبا المسيحية. وأدخل هذا الكتاب نفسه الجبر العربي في أوروبا الغربية، وأحدث انقلابا بسيطا في ذلك العلم لأنه كان يستخدم من حين إلى حين حروفا بدل الأرقام لتعميم المعادلات الجبرية واختزالها. واستخدم ليوناردو في كتابه “الهندسة التطبيقية” (Practica geometrica (1220)) لأول مرة في العالم المسيحي على ما نعلم الجبر في حل النظريات الهندسية، ووضع في كتابين آخرين نُشِرا في عام 1225 طرقا مبتكرة لحل معادلات الدرجة الأولى والثانية. وفي تلك السنة نفسها رأس فردريك الثاني في مدينة بيزا مهرجانا رياضيا، وضع فيه يوحنا بالرمو (John Palermo) مسائل مختلفة حلها فيبوناتشي”[
لقد كتب ليوناردو في الفصل الأول من كتابه “Liber Abaci” عن الأرقام العربية قائلا: “إن الأرقام الهندية التسعة هي: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9. وبواسطتها جميعا، علاوة على تلك العلامة “0” التي تُسمى الصفر العربي، فإنه يمكن كتابة أي عدد مهما كان”. وكان ليوناردو -كما تقول المستشرقة الألمانية الكبيرة آنا ماري شيمل- “يقرأ كالعرب من اليمين إلى اليسار، وحتى الكسور يكتبها إلى يسار الأعداد الصحيحة، فيكتب مثلا: واحد ونصف على هذه الصورة 2/1، وكما علّمه معلمه العربي وهو صبي، فقد شرع ليوناردو في تعليم الغرب تلك الأرقام بما فيها تلك العلامة “0” التي يسميها العرب صفرا”.