مؤتمر التكنولوجيا في الشرق الأوسط التزاوج بين التلفاز و الهاتف

بفضل تقنيات «الاندماج الرقمي» تستطيع الهواتف العادية الوصول إلى التلفزيون عبر الشبكة الالكترونية الدولية، الأرجح أن النقاش عن شبكات الهاتف المحمول المتطورة تقنياً والتي يُشار إليها باسم «الجيل الثالث» («ثري جي» 3G)، تحوّل في مصر، كما في الكثير من الدول النامية، من الكلام عن علاقة تلك الشبكات بالتنمية إلى جدال حول إمكان نجاح التزاوج بين التلفزيون والهاتف المحمول. ومن المعلوم أن ثمة تقنيتين متنافستين في البث المرئي- المسموع المُخصّص للهواتف النقّالة وهما «الفيديو للأجهزة المحمولة يدوياً»؛ و «الميلتي ميديا للأجهزة المحمولة يدوياً».

تُعرف الأولى باسمها التقني «ديجيتال فيديو برودكاستنغ» Digital Video Broadcasting، واختصاراً «دي في بي» DVB. وتُسمى الثانية «ديجيتال ميلتي ميديا برودكاستنغ» Digital Multimedia Broadcasting. وتُعتبر الثانية الأقرب إلى مفهوم تلفزة الهاتف المحمول، التي تُسمى أيضاً «التلفزيون النقّال» أو «موبايل تي في» Mobile TV.

ويقتضى الحصول على تلفزة الهاتف المحمول اتصال أجهزة الجمهور مع شبكات سريعة، مثل تلك التي توفر اتصالهم بنظام «الدخول السريع إلى وصلات الإنزال» High Speed Downlink Packet Access، الذي يُعرف تقنياً بمصطلح «اتش اس دي بي آيه» HSDPA.

ويسمح نظام «آتش اس دي بي آيه» تقنياً لشبكات الهاتف المحمول من «الجيل الثالث» بأن ترسل كميات كبيرة من المواد إلى الهواتف النقّالة التي تقدر على التعامل مع تلك الشبكات.

ولذا يتناسب هذا النظام مع توفير خدمات خليوية مثل بث التلفزيون ومواد الميلتي ميديا من الانترنت وعقد مؤتمرات الفيديو وغيرها.

«التقارب الرقمي»

يُطوّر الاتصالات الذكية

وحضرت التقنيات الذكية في الاتصالات الرقمية الى مدينة الغردقة المُطلّة على البحر الأحمر، عبر المؤتمر الإقليمي الذي عقده «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» تحت عنوان «الوسائط المتعددة مع تكنولوجيا الاتصالات والخليوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». واعتبر المؤتمر الحلقة الثالثة في سلسلة وُرَش عمل يتولاها الجهاز القومي لتناقش أبعاداً مختلفة في الاتصالات الرقمية وتشابكاتها. وتسعى الوُرَش لالقاء الضوء أيضاً على مفهوم التقارب الرقمي «ديجيتال كونفرجنس» Digital Convergence، الذي يشير إلى ميل التكنولوجيات المرتكزة على الأساليب الرقمية إلى الاندماج، بدءاً من نُظُم التشغيل والتطبيقيات والبرمجيات مروراً بالخدمات والشبكات ووصولاً إلى الأجهزة الالكترونية الذكية. وفي سياق «التقارب الرقمي»، ظهرت خدمات البث التلفزيوني على الهاتف المحمول، وتقديم الخدمات الثلاثية للصوت والصورة والبيانات. وتُسمى هذه الأخيرة «تريبل بلاي» Triple Play. وتسمح بالاندماج بين عالمي المعلومات والاتصالات من جهة والإعلام من جهة أخرى. ويؤدي ذلك إلى جعل الوسائط المتعددة (ميلتي ميديا) أداة عملانية وجدية. فمع رواج الهاتف المحمول والشبكات اللاسلكية، بما فيها تلك التي تُستخدم في الدخول الى الانترنت بواسطة أجهزة نقّالة؛ اعطت تقنيات الاندماج الرقمي دفعة قوية لخدمات الاتصالات. ولذا، اهتم هذا المؤتمر المصري ببحث تقنيات «التقارب الرقمي»، وكذلك بدراسة النتائج التي تنجم من تبنيها في الإعلام والاتصالات.

وتميزت الورشة بالتفاعل بين القطاعين العام والخاص، سعياً للتوصل إلى رؤى توافقية تراعي مصالح جميع الأطراف. وساهمت في أعمالها هيئات تنظيم الاتصالات العربية وأجهزتها، إضافة إلى ممثلين عن شركات القطاع الخاص وعدد كبير من الخبراء والمتخصصين. وكذلك حضر إليها عدد من الشباب بهدف إكسابهم الخبرة والاستماع أيضاً لوجهات نظرهم باعتبار أن تقنية الاندماج هي من التقنيات المرشحة للتطور في شكل سريع مستقبلاً.

واعتُبِرت الورشة استكمالاً لنقاشات أشرف عليها «الجهاز القومي» حول تقنية الاندماج منذ آذار (مارس) العام الماضي. وحينها، عُقدت ورشة شرم الشيخ بعنوان «التنظيم في عصر الاندماج الرقمي». وساهمت في وضع تصور للتعامل بكفاءة مع تقنيات الاندماج الالكتروني، واطلاع المشاركين على أحدث ما وصلت إليه تلك التقنيات. وبعدها ، عقد الجهاز عينه ورشة عمل أخرى في مقره في «القرية الذكية» في القاهرة، تحت عنوان «تأثيرات الاندماج بين عالمي الاتصالات والمعلومات والإعلام» لاستكمال المناقشات التي بدأت في ورشة شرم الشيخ الأولى. وحضر الى «القرية الذكية» 6 دول عربية هي الأردن والمغرب والسعودية والجزائر ولبنان والسودان. وشاركت سبع دول من أوروبا وأميركا هي بريطانيا وفرنسا وهولندا والسويد وإيطاليا والولايات المتحدة.

وأكد خبراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن نجاح صناعة خدمات «التلفزيون على الهاتف المحمول» رهن بالتعاون بين أطراف عملية التشغيل وهم مقدمو المحتوى الرقمي وشركات الهاتف المحمول وأجهزة تنظيم الاتصالات.

ابتكرت شركة «فيليبس» أداة تمكّن التلفزيون التقليدي من التقاط الأقنية الرقمية

وأشاروا إلى أن سوق استقبال البث التلفزيوني على الهواتف النقّالة ما زال سوقاً وليداً، على رغم توافر تكنولوجياته منذ فترة غير قصيرة. وتتحرك صناعة الهاتف المحمول نحو تبني معايير متعددة للاستفادة في شكل أفضل من امكانات السواق. واشتملت أعمال مؤتمر الغردقة على جلسات عدّة، خصّصت إحداها لموضوع «الطيف الترددي للبث التلفزيوني على الهاتف المحمول والإطار التنظيمي». وسعت لتبيان سبل جني ثمار توفير الحيز الترددي (أي موجات البث) لهذه الخدمات. وبحث الخبراء الوضع الراهن في خدمات التلفزة النقّالة، وتوقعات السوق واقتصادياته ونماذج عمله. وناقشوا طُرق تعزيز مستوى هذه الخدمات في جلسة بعنوان «سوق وخدمات ونماذج عمل البث التلفزيوني على الهاتف المحمول».

ودعا الخبراء عينهم إلى توحيد الاستراتيجيات الإقليمية لتعزيز التزام المستثمرين في مجال نشر خدمات تلفزيون الهاتف النقّال. ونوهوا بسعي المشغلين لإنشاء نماذج الأعمال التجارية كفوءة، بما في ذلك خطط تسعير الخدمات ونطاق التغطية وتقديم الخدمات وقطاع التجزئة وغيرها.

وشدّد الخبراء أيضاً على ضرورة توفير الطيف الترددي في موجات البث التلفزيوني، بما يتناسب مع هذه الخدمات؛ الأمر الذي يعد أمراً حيوياً لها من الناحية الاقتصادية. وأشاروا إلى أن توفير القنوات الرقمية على ترددات «يو أتش أف» UHF سيعمل على تنشيط السوق وانتشار خدمات «التلفزيون النقّال».

وجرى نقاش تفصيلي لماهية الطيف الترددي للموجات وأطر تنظيمه استثمارياً. وتناول البحث سبل ضمان الاستخدام الفعال للطيف الترددي لخدمات البث التلفزيوني على الهاتف المحمول، والتحديات المرتبطة بتنظيم محتوى هذا البث.

نوقشت سبل تخصيص الحيز المتاح من موجات الطيف الترددي بطريقة كفيّة، إضافة الى نوع الخدمات التي ستستفيد منها وكيفية تخطيط الموجات المتاحة راهناً. وطاول البحث النماذج المطبقة في دول أخرى لتنظيم موجات بث تلفزة الهاتف المحمول، إضافة الى خلاصات «مؤتمر اتصالات الراديو» في العام 2007 عن هذا الشأن.

وتوقع الخبراء أن يصل عدد مشتركي خدمات تلفزيون الهاتف المحمول عالمياً خلال العام 2008 إلى 26 مليون مشترك مقابل 3.4 مليون في العام 2006 و11.8 مليون في العام 2007. وتوقعوا أيضاً أن تصل أعداد المشتركين إلى 72.5 مليون في العام 2009 و112.8 في العام 2010 و335 مليوناً في العام 2011.

وقدر الخبراء عائدات خدمات الترفيه على الهاتف المحمول، التي تشمل المعلومات ومواد الترفيه والتلفزيون على الهاتف المحمول والموسيقى والألعاب وبرامج الكبار والمراهنات؛ بقرابة 25 بليون دولار خلال العام الحالي. وتوقعوا أن يصل الرقم إلى 45 بليوناً في العام 2010 و62 بليوناً العام 2012 . وقدّروا نصيب تلفزة الهاتف المحمول من تلك العائدات بنحو 3 بلايين دولار في العام 2008، مع توقّع وصول الرقم إلى 7 بلايين في العام 2010 و12 بليوناً في العام 2012.

وضمت قائمة خبراء ورشة العمل المُشار إليها آنفاً الدكتور ديفيد كرافورد رئيس «مؤتمر البث الدولي» والأستاذ في جامعة «أسيكس» في بريطانيا، ومحيي عبد الغني الرئيس التنفيذي لمؤسسة «نيوبورت ميديا»، وجان بيير بيانامي الرئيس التنفيذي لقطاع تطوير أعمال «ميديا فلو» في مؤسسة «كوالكوم»، وروبرت مارتيني كبير مهندسين مؤسسة «إيه جي كوم». وضمت القائمة أيضاً الدكتور جينز ارنباك الرئيس المؤسس لـ «الجمعية الأوروبية لمجموعة المنظمين» والأستاذ في «جامعة ديلف للتكنولوجيا» بهولندا، وليني دوروارد نائب الرئيس التنفيذي للشؤون الحكومية والتنظيم في مجموعة «زين»، وسبنجيز أفسي رئيس لجنة «موجات الطيف الترددي» في «منتدى النظام العالمي لاتصالات الهاتف المحمول ومجموعة خدمات الهاتف المحمول والتلفزيون»، وجون مارتينسيون مدير أسواق موجات الطيف الترددي في «هيئة البريد والاتصالات» في السويد، وميندل دي لانوريه رئيس مجموعة إدارة الاتصالات ورئيس لجنة العمل الفرعية في «لجنة اتصالات الراديو لعام 2007» ويافيس بيلليجو مدير الإستراتيجية والتخطيط في شركة «فرانس تليكوم» وغيرهم.

وأكّد كرافورد أن الاندماج بين الاتصالات والتكنولوجيا يوفر فرصاً كبيرة للاستثمار في الشرق الأوسط حيث توفر موجات التردد الرقمي من نوع «يو أتش أف» مجالاً مميزاً للنهوض بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام واستثماراتهما. وأوضح أن تلك الموجات تتلاءم مع التقنيات الجديدة وخدماتها، مثل البث التلفزيوني على الهاتف المحمول، والانترنت الفائق السرعة على الهاتف النقّال.

وتوقع كرافورد نمو خدمات البث التلفزيوني على الهاتف المحمول بحلول عام 2012 إلى حوالي 12 بليون دولار عالمياً، منها 1.2 بليون دولار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأوضح أن توفير الموجات المناسبة أمر حيوي لتحقيق آليات اقتصادية ناجحة لهذه الصناعة. وأوضح أيضاً أن استقبال القنوات التلفزيونية على الخليوى يمثّل خدمة واعدة، ويساهم أيضاً في عملية الدمج بين الاتصالات والمعلوماتية من جهة، والاعلام المرئي-المسموع من جهة اخرى. ووصف استقبال القنوات المتلفزة على الهاتف المحمول بأنه نطاق مبتكر من الخدمات التي تفيد المجتمع. وأكد أيضاً أن الإطار التنظيمي لمنح تراخيص ذلك النوع من البث، سيكون عاملاً رئيسياً في تشجيع الاستثمارات في هذا القطاع.

وأعرب عن اعتقاده بأن استقبال الانترنت الفائق السرعة على الهاتف المحمول يمكن الجمهور من الوصول إلى فضاء المعلومات من دون انقطاع، وبشكل تفاعلي. ويفيد الأمر عينه في تقديم خدمات نوعية في الصحة والتعليم والتجارة الالكترونية. وبيّن أن توافر الطيف الترددي الرقمي من نوع «يو أتش أف» سيعمل على نشر خدمات الانترنت الفائق السرعة على الخليوى بتكلفة مناسبة، ما يساهم في تقليل حجم الفجوة الرقمية.

تفاهم مصري جزائري في الاتصالات

على هامش مؤتمر الغردقة، وقّع «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» في مصر مذكرة تفاهم مشترك مع نظيره الجزائري «سلطة الضبط للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية».

وتهدف المذكرة إلى تبادل الخبرات بين البلدين وتفعيل التعاون في مجال تنظيم قطاع الاتصالات. وتناولت الموضوعات ذات الاهتمام المشترك مثل الخدمة الشاملة وآليات التسعير والكلفة، وحماية المستهلك ومستوى جودة الخدمة، إضافة إلى المسائل المتصلة باعتماد نوع أجهزة الاتصالات المناسبة لمفهوم «التقارب الرقمي». وجاءت المذكرة في إطار السياسة العامة التي قررها مجلس إدارة الجهاز المصري برئاسة الوزير طارق كامل.

وأكد مسؤولو الجهازين أهمية تفعيل التعاون بين البلدين خصوصاً مع وجود شركتين مصريتين تعملان في مجال خدمات الاتصالات الثابتة والهاتف المحمولة في الجزائر. وشدّدوا على أهمية تدريب الكوادر البشرية وتأهيلها، وتبادل المعلومات ونتائج الأبحاث والدراسات بين مصر والجزائر.

وتعتبر هذه المذكرة السادسة في قائمة اتفاقات مماثلة بين الجهاز القومي المصري وهيئات وأجهزة تنظيم الاتصالات في تونس والإمارات والأردن وسورية والسودان.

الحياة – 20/04/08//

Exit mobile version