ما يصعب التعبير عنه

ما يصعب التعبير عنه

مازلت أذكر قولا طريفا لمعلم “القواعد” في مدرستي الابتدائية حيث قال: جميعنا يعرف “المبتدأ” ويجيد استعماله، ولكن القليل منا يجيد تعريفه أو شرحه للآخرين..

وهذه المفارقة تشرح لماذا نتحدث “العربية” ولكننا نعجز عن شرح قواعدها وإعراب مقاطعها.. كما تشرح لماذا ننجح في تعلم اللغات الأجنبية من خلال التقليد والمحاكاة ونفشل من خلال القواعد و “الجرامر” وتصريف الأفعال..

وهذا النموذج اللغوي يثبت امتلاكنا ذكاء بديهياً (وحدساً بالصح والخطأ) يتجاوز النصوص المكتوبة والكلمات المنطوقة.. فكثيرا ما نملك شعورا قويا بالمفهوم والمعنى مقابل عجز عن الصياغة والتعبير (فتقول جملاً من قبيل: لا أعرف كيف اشرح لك الموضوع ولكن….)!!

فقبل أيام مثلا سألني أحد القراء عن الفرق بين “الإبداع” و “الاكتشاف” و”الابتكار” و “الاختراع”.. ورغم أنني كتبت كثيرا في هذه المواضيع إلا أنني أجبته بقولي: هذه من الأمور التي يسهل إدراكها ولكن يصعب التعبير عنها…. فهذه المصطلحات تبدو مفهومة في سياق الموقف ولكن يصعب التعبير عنها – أو صياغتها – بكلمات دقيقة أو متفق عليها. وحين جلست لكتابة هذا المقال فكرت بالبحث أولا عن “التعريف الرسمي” لها غير أنني قررت اختبار قدرتي على التعبير عنها وصياغة مفهومي الخاص حولها..

ما يصعب التعبير عنه
ما يصعب التعبير عنه

– فـ”الإبداع” في رأيي الخاص مصطلح عام يشير إلى أي جهد متميز وفكرة مختلفة وفعل فريد.. وهو غالبا ما يعبر عن محصلة العمل وتميز الفعل أكثر من الفاعل نفسه (كأن نقول: هذا عمل مبدع بحق).. ورغم اسمه المخادع إلا أنه قد يتبلور نتيجة للتنظيم والتفاني والإخلاص دون أن يرتبط بالضرورة بموهبة “الابتكار” أو “الاختراع” (فالطبيب والمعلم يمكنهما الإبداع في مجالهما دون أن يبتكرا شيئا جديدا بالضرورة)..

– أما “الابتكار” فموهبة ذهنية خاصة ترتقي بعملية الإبداع ذاتها وتطبع صاحبها بصفة العبقرية والتميز ؛ فحين نصف شخصاً ما بأنه “مبتكر” نعني غالبا امتلاكه موهبة “التفكير الابتكاري” والقدرة على إبداع شيء فريد وغير مسبوق.. وبهذا يمكن القول إن مفهوم الابتكار يقف خلف كافة الإبداعات العلمية والفنية والأدبية التي تتميز بالتفرد والأصالة والإضافة الحقيقية..

– أما “الاكتشاف” فمحاولة لتفسير وفهم أشياء موجودة سلفا (كأن نقول اكتشف العلماء كوكبا جديدا أو فيروسا خطيرا).. وهو لا يندرج بالضرورة تحت مفهوم “الإبداع” ولا يحتاج غالبا الى “تفكير ابتكاري” كونه يتعرف على أشياء موجوده أصلا.. فالقارة الأمريكية مثلا موجودة منذ القدم – ومعروفة لأهلها الأصليين منذ آلاف السنين – ولكن تم اكتشافها بالصدفة من قبل شخص غير مبتكر يدعى كولومبس (كان هدفه الأساسي الوصول الى الهند من ناحية الغرب)!!

– أما “الاختراع” فجزء من عملية الابتكار ويرتبط غالبا بالمجال التقني أو الانتاج الصناعي.. وهو موهبة تتطلب دمج عناصر معروفة سلفا لتركيب جهاز أو منتج جديد يؤدي هدفا مختلفا.. فالسيارة مثلا اختراع رائد يتركب من عناصر معروفة (كالمسامير والأسلاك والتروس المعدنية) شكلت مع بعضها جهازا جديدا يؤدي مهمة مختلفة… وبناء عليه يمكن القول إن “الاختراع” أحد أوجه “الابتكار” ويندرج تحت مفهوم “الإبداع” ولكنه معاكس “للاكتشاف” كونه خُلق لحالة غير موجودة أصلا!!

… على أي حال..

إن لم أوفق في التعبير عن مفهومي الشخصي (تجاه هذه المصطلحات) فتذكر أن الكلمات نفسها مجرد “اختراع” ركيك قد يفشل في التعبير عن فهمنا الخاص للأشياء..

“لا أعرف كيف اشرح لك، ولكن…..”!!

فهد عامر الأحمدي ما يصعب التعبير عنه 

 

Exit mobile version