أحد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين، ارتبط اسمه بشعر الثورة والدفاع عن الوطن المسلوب، ساهم في تطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه، وتميزت أشعاره بالملمح التسجيلي الوثائقي الذي يعنى بإبراز المشهد، والتقاطه بعفويته وبكارته، ومحاولة تثبيته في الزمن، كشاهد على لحظة تاريخية وإنسانية محددة، وقد ترجمت أعماله إلى ما يقرب من 22 لغة وحصل على العديد من الجوائز العالمية، وهو يعتبر بحق شاعر المقاومة الفلسطينية.
ولد الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في عام 1941م في قرية “البروة” وهو الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات وفي عام 1948م لجأ إلى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد ، عاد بعدها متسللا إلى فلسطين وبقي في قرية “دير الأسد” لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية “الجديدة” في شمال غرب قريته الأم “البروة” .
انضم محمود درويش إلى الحزب الشيوعي في إسرائيل ، وبعد إنهائه تعليمه الثانوي، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الصحف مثل “الاتحاد” والمجلات مثل “الجديد” التي أصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك درويش في تحرير جريدة الفجر.
ولم يسلم من مضايقات الاحتلال، حيث تم اعتقاله أكثر من مرّة منذ عام 1961م بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية، حتى عام 1972م حيث نزح إلى مصر وانتقل بعدها إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجا على اتفاق أوسلو.
شغل درويش منصب رئيس “رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين” وكتب في مجلة الكرمل ، وأقام في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث دخل إلى إسرائيل بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه، وقد سمح له بذلك.
وفي كل مراحل محمود درويش الشعرية، يشكل الحلم عتبة أساس، وعصبا فارقا في تطوير قصيدته، ودفعها إلى آفاق مثيرة للدهشة والتأمل، يظل الهاجس الأهم والمفصلي في تخليص قصيدة درويش من ركام العادة والمألوف، وتحويلها في الوقت نفسه إلى طقس شعري، تمتزج فيه شتى ألوان المعرفة، بهموم الإنسان وأحلامه في العدل والحب والحرية، ولم يكف درويش عن مناوشة الحلم في نصه شعرا ونثراً، حتى أصبح الحلم بمثابة مصفاة تخلص الجغرافيا والتاريخ، والعناصر والأشياء من شوائبها، لتتعرى أمام حقيقتها الأولى، كظل للحلم، وفضاء مفتوح على تخوم البدايات والنهايات معا.
وكان الحلم أيضا هو سؤال اللغة والقصيدة على حد سواء، ولا فواصل بينه وبين الذاكرة، كلاهما يشكل الآخر، ويفيض عنه، في لحظات إنسانية فارقة يتقاطع في ظلالها الزمن، وينفتح الشعر على وعي الشاعر بذاته، وحقيقة وجوده وواقعه الإنساني، وقبل كل شيء على طفولته، وعلى المكان، كفضاء حي يلملم شتات الروح والجسد.
ومن أهم الإبداعات الشعرية التي تركها درويش: “حالة حصار”، “جدارية” وهي قصيدة كتبها في عام 1999م، و”لماذا تركت الحصان وحيدا”، و”أحبك أو لا أحبك”، و”ذاكرة للنسيان”، و”الكتابة على ضوء البندقية”، و”العصافير تموت في الجليل”، و”أوراق الزيتون”، و”شيء عن الوطن”، و”عصافير بلا أجنحة”، و”جندي يحلم بالزنابق البيضاء”، و”يوميات جرح فلسطيني”، و”آخر الليل نهار”.
وصدرت له الأعمال الشعرية الكاملة في عام 1973م ، و”عاشق من فلسطين” عام 1966م، و”حبيبتي تنهض من نومها” عام 1970م، و”محاولة رقم 7″ عام 1973م، و”تلك صورتها وهذا انتحار العاشق” عام 1975م، و”أعراس” عام 1977م، و”مديح الظل العالي” عام 1983م، و”حصار لمدائح البحر” عام 1984م، و”هي أغنية عام 1986م، و”ورد أقل” 1986م، و”أرى ما أريد” عام 1990م، و”أحد عشر كوكباً” عام 1992م، و”سرير الغريبة” عام 1999م، و”يوميات الحزن العادي” عام 1973م، و”وداعاً أيتها الحرب وداعاً أيها السلام” عام 1974م و”في وصف حالتنا” عام 1987م، و”عابرون في كلام عابر” عام 1991م.
وحصل محمود درويش على العديد من الجوائز منها “جائزة لوتس” عام 1969م، و”جائزة البحر المتوسط” عام 1980م، و”درع الثورة الفلسطينية” عام 1981م، و”لوحة أوروبا للشعر” عام 1981م، و”جائزة ابن سينا” في الإتحاد السوفيتي عام 1982م، و”جائزة لينين” في الإتحاد السوفييتي عام 1983م.
وفي يوم السبت التاسع من أغسطس من عام 2008م توفي الشاعر الكبير في مستشفى هيوستن بولاية تكساس الأمريكية حيث كان يخضع للعلاج بعد أن أجريت له جراحة دقيقة في القلب، وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد لمدة ثلاثة أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاة الشاعر الفلسطيني، واصفا درويش بأنه “عاشق فلسطين” و”رائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء”.