مدينة الحسن العلمية :تسعى المملكة الأردنية الهاشمية إلى اللحاق بركب الثورة التقنية التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، من خلال خلق بيئة محفزة يُعطى فيها العلماء والباحثون والطلبة الأردنيون والعرب، الفرصة لدعم اقتصاد معرفي قائم على الإبداع والريادة، في وقت يعتمد فيه الاقتصاد العالمي “المعولم” على المعرفة بشكل كبير، ليصبح على الدول النامية أن تعمل على رفع قدراتها من أجل اكتساب هذه المعرفة.
وفي هذا الصدد جاءت “مدينة الحسن العلمية” التي أطلقها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عام 2007م احتفالا بالعيد الستين لميلاد الأمير الحسن بن طلال والذكرى الـ 37 لتأسيس “الجمعية العلمية الملكية” لتكون أداة لتحقيق ذلك الهدف، حيث تشكل المدينة تجمعا متميزا يشمل أربع مؤسسات عريقة ساهمت في تحقيق نهضة الأردن وتقدمها في جميع المجالات، وهي “الجمعية العلمية الملكية” و”المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا” و”جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا” و”مركز الملكة رانيا للريادة”.
وتسعى المدينة إلى خدمة خطط التنمية الوطنية والعربية وتعزيز مكانة الأردن العلمية عربياً ودولياً، وتستهدف استقطاب العلماء والباحثين من مختلف التخصصات العلمية والتطبيقية لبناء اقتصاد معرفي بمعنى الكلمة.
شاركت “مدينة الحسن العلمية” العام الماضي في فعاليات مؤتمر “المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا” الذي عُقد في مدينة فاس المغربية، وقدم الدكتور عادل الطويسي رئيس اللجنة التأسيسية للمدينة خلال المؤتمر، عرضا عن فلسفتها وأهدافها المتمثلة في خفض وتيرة “هجرة العقول” على المستوى المحلي الأردني والإقليمي العربي، ومحاولة توطين هذه العقول لأهميتها في تقدم العلوم والتكنولوجيا. وأوضح الطويسي أن “مدينة الحسن العلمية” ستساهم في تحويل الاقتصاد الأردني إلى اقتصاد مبني على المعرفة، إضافة إلى فلسفة ثقافة الريادة في الأعمال و”مأسسة” عملية ريادية الإبداع بشكل عام.
وأشار رئيس اللجنة التأسيسية للمدينة إلى الإجراءات التي يجب أن تقوم بها المؤسسات العلمية العربية، خاصة مؤسسات التعليم العالي، في قضايا التقدم العلمي والتكنولوجي في البلدان العربية، داعيا إلى إيجاد ثقافة البحث العلمي الجماعي، ودعم الجامعات بالمال والمعدات والتجهيزات اللازمة لتحديث مختبراتها، من أجل تمكين هيئات التدريس فيها من إجراء بحوث علمية في مجال البحث والتطوير، وجعلها قادرة على المساهمة في إيجاد منتجات وخدمات جديدة أو تطوير القائم منها.
وعرض الدكتور الطويسي الأهداف التي حددتها “الأمم المتحدة” للألفية الثالثة، ودور مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي في تحقيق هذه الأهداف، المتمثلة في القضاء على الفقر والجوع وتعميم التعليم الأساسي في جميع أنحاء العالم، وإيجاد شراكة عالمية في سبيل التنمية، واستمرارية المحافظة على البيئة، وتحسين الصحة الإنجابية.
وتمثل “جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا” المُكّون الأكاديمي للمدينة، فيما يمثل كل من “الجمعية العلمية الملكية” و”المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا” و”مركز الملكة رانيا للريادة” المُكّون البحثي لها، أما المُكّون الثالث فهو “متنزه الأعمال” والذي سيحتوي على حاضنات وبنية تحتية وفوقية ملائمة لاستقطاب شركات في مجال التكنولوجيا الرفيعة والالكترونيات، ويتمثل المُكّون الرابع في الخدمات الاجتماعية الترفيهية التي ستوفرها المدينة للشركات والعاملين فيها.
وأعلن الدكتور الطويسي عن الاتجاه لإقامة جامعة للدراسات العليا بالمدينة، بالإضافة إلى استقطابها للاستثمارات في النشاطات ذات التكنولوجيا المتقدمة والمبنية على البحث والتطوير، للمساعدة في توسيع قاعدة المعرفة ورعاية الإبداع وتعزيز الريادة لدى الأفراد والشركات، مشيراً إلى أن هناك اتجاهاً لإقامة جامعة عبر الانترنت لأول مرة في الأردن، تحت مظلة المدينة التي يطمح الجميع لأن تكون تجمعا مميزا للمؤسسات العلمية، وبيئة محفزة تحتضن العقول الشابة وتستقطب العقول المهاجرة، من أجل دعم بناء الاقتصاد الأردني على أسس معرفية تتميز بالإبداع والريادة، داعيا إلى تطوير الإبداع والابتكار في الأعمال التي تخلق – بدورها- مؤسسات وشركات جديدة، من شأنها توفير فرص عمل ذات قيمة رفيعة للمجتمع الأردني تساهم في تخفيف البطالة التي يعاني منها.
وقعت “مدينة الحسن العلمية” مؤخراً مذكرة تفاهم مع “مؤسسة جينسس للاستثمار” ومقرها البحرين، وتهدف المذكرة إلى إيجاد شراكة إستراتيجية بعيدة المدى بين الطرفين لتنفيذ ما جاء في رؤية ورسالة كل منهما، من حيث دعم المجتمع من خلال التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
وبموجب المذكرة سيعمل الطرفان على استكشاف مواضيع البحث المشترك في إطار أولويات الأردن، في مجالات الطاقة والماء والبيئة والتكنولوجيا الحيوية والصحة البيولوجية، وعلم المواد وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودعم تعزيز الإبداع لإيجاد البيئة المناسبة لرعايته.
ونصت المذكرة على قيام “مؤسسة جينسس للاستثمار” بعقد دورات في مجالات بناء القدرات والبرامج التعليمية والتوظيف، والمساعدة في توسيع شبكة علاقات المدينة مع الجهات المشابهة لها في العالم، واستحداث عدد من الجوائز لخلق المنافسة في مجالات الإبداع والريادة في الأعمال.
وقالت الأميرة سمية بنت الحسين إن هذه المذكرة هي الأولى التي توقعها “مدينة الحسن” في إطار الأهداف المذكورة في المذكرة، وهي نتيجة طبيعية لتلاقي أهداف المؤسستين، فيما يخص إنشاء المتنزهات العلمية والتكنولوجية ورعاية الإبداع والريادة في الأعمال، مؤكدة أن تركيز المذكرة على تطوير شبكة علاقات عالمية بين المؤسسات العلمية والتكنولوجية، يصب في صلب الدعوات المتكررة للأمير الحسن بضرورة تعزيز “العمل فوق القطري” بهدف الاستفادة من الذكاء الجمعي لبني البشر، عوضا عن الذكاء الفردي الذي لم يعد مؤثرا وفعالا في عالم تجتاحه “العولمة”.
ومن جانبه قال رئيس لجنة تأسيس المدينة الدكتور عادل الطويسي إن التعاون بين المؤسستين يأتي تتويجا للعلاقات المتميزة التي تربط المملكة الأردنية الهاشمية مع مملكة البحرين، مضيفاً أن المدينة تعمل على رعاية الإبداع والريادة في الأعمال وتوفير الظروف المحفزة للبحث العلمي والتطوير، وإنشاء مؤسسات جديدة من خلال الأفكار المبدعة، وتسعى إلى توفير فرص عمل ذات قيمة رفيعة لأبناء المجتمع الأردني خاصة والوطن العربي عموما.