في مكان بعيد عن الأنظمة المتقدمة والعوالم التي تضم كبرى الشركات التكنولوجية بالعالم، تشهد ليبيا التي مزقتها الحرب ميلاد جيل جديد من المبادرين التقنيين الذين استغلوا قدراتهم للوقوف أمام الأزمة التي خلفتها الحرب في بلدهم على مستويات عدة. مؤخراً تمكنت مهندسة ليبية من ابتكار تطبيقاً يساعد نساء ليبيا على بيع منتجات صنعوها في منازلهن لدعم الاقتصاد ودعمهن مادياً، وتصبح واحدة من مبادرين كُثر خرجوا من رحم الأزمة.
يقول موقع “عربي بوست” ان “فاطمة ناصر” واحدة من هؤلاء المبادرين، ولدت في مدينة سبها الواقعة جنوب غربي ليبيا، وكانت تبلغ من العمر 13 عاماً فقط حين بدأ الربيع العربي في عام 2011، وأطيح بقائد ليبيا معمر القذافي، الذي أحكم سيطرته على السلطة زمناً طويلاً.
ومنذ ذلك الحين، عانت البلاد ويلات التوترات السياسية، والنزاعات المسلحة، والتحديات الاقتصادية؛ فنزح الآلاف، ودمرت البنية التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية في البلاد.
ومع ذلك، تصر فاطمة على أن هذا الصراع الذي سيطر على سنوات مراهقتها كان له جانب إيجابي، وفق حوار نشرته لها صحيفة CNN الأميركية.
تقول فاطمة: «لقد ساعدتني الظروف المحيطة على النمو بطريقة لم تكن قط لتحدث في الظروف العادية، دفعتني الحرب وتأثيرها على الاقتصاد الليبي -بطريقة ما- للطموح إلى أن أكون مبادرة».
Table of Contents
الأزمة والفرصة
أنشأت فاطمة، البالغة من العمر حالياً 21 عاماً، تطبيقاً إلكترونياً لتوصيل الطعام، باسم «Yummy». وعن طريقه، يتم توصيل وجبات تعدها منزلياً النساء في مطابخهن. وقد اختبرت فاطمة الخدمة بنجاح في بلدتها سبها، وتقول إن هناك 300 طاهية مستعدة لبدء العمل حين ينطلق التطبيق خلال الشهر الجاري (أغسطس/آب 2018) في مدينة بنغازي، التي تعد ثاني كبرى المدن الليبية، وفي العاصمة طرابلس أيضاً.
تطبيق Yummy إحدى الوسائل التي تراها مناسبةً لتشجيع تطوير الأعمال الحرة، والمساعدة على إرساء التنوع في الاقتصاد الليبي بعيداً عن النفط.
وفي عام 2017، تعاونت شركة «تطوير للأبحاث» تمولها الحكومة وتهدف إلى خلق اقتصاد المعرفة الليبي، مع منتدى المشاريع العربية التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لإطلاق أول مسابقة للشركات الناشئة في ليبيا باسم «إنجازي»، وكان تطبيق «Yummy» بين الفائزين الثلاثة الأوائل.
في العام ذاته، تعاونت «تطوير للأبحاث» مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ لتشكيل مبادرة «تطوير لريادة الأعمال» التي تمتد 3 أعوام، ويمولها الاتحاد الأوروبي لدعم الشركات الناشئة عن طريق تقديم التدريب، والاستشارات، ومراقبة الأداء، وتوفير مساحات العمل، والمساعدات المادية.
يقول سلطان حاجييف، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا: «كل أزمة هي أيضاً فرصة، لكن في سياق الأزمة، يحتاج الناس إلى دعم إضافي.. وهذا هو ما نحاول تقديمه».
عقبات خطيرة
وعلى الرغم من أن الفرصة تأتي من رحم الأزمة، كما أشار حاجييف، فإن هناك مشكلات صاحبت إطلاق الشركات الناشئة في ليبيا؛ فالأعمال التجارية الجديدة تواجه تهديدات أمنية، وضعفاً في بنْيتها الملموسة والاقتصادية، فضلاً عن الانقطاع المستمر لخدمات الإنترنت والتيار الكهربائي.
يقول خالد المفتي، الرئيس التنفيذي لشركة «تطوير للأبحاث»، إنهم يحتاجون إلى التغلب على تلك التحديات في نماذج أعمالهم التجارية.. وبناء أنظمة دعم بديلة.
أما فاطمة، فتقول إنها قد أعدت قائمة للمشكلات التي قد تقع في أثناء توصيل الطعام، وحلاً لكل منها.
ولعل أحد أكبر التهديدات هو توصيل الوجبات إلى الأماكن غير الآمنة، التي تشهد الكثير من عمليات سرقة السيارات؛ ويحدد التطبيق نقاط التقاء محايدة في المدينة، وهو ما يتيح توصيل الطلبات إلى أقرب مكان ممكن من الزبائن دون تعريض السائق للخطر.
وثمة مشكلة أخرى تكمن في عدم استقرار الإنترنت؛ ولكن في حالة انقطاع الخدمة، يوفر التطبيق رقم تليفون؛ كي يتم التعامل مع الطلبات دون استخدام الإنترنت.
ويعتقد خالد المفتي أن تلك العقبات قد تخلق فرصاً وتقلل من المنافسة؛ إذ يقول: «إذا كانت كل الأمور تجري على نحو سهل ولطيف، فستجد جوجل وأمازون والجميع يقومون بذلك بطريقتهم».
النساء في ساحات العمل
تزعم فاطمة أن فكرة تطبيق Yummy كانت مدفوعة بالأثر الاجتماعي المحتمل للتطبيق أكثر مما هي مدفوعة بالربح. ففي ليبيا؛ تعمل واحدة فقط من بين كل 4 نساء، بحسب البنك الدولي. وتعتزم فاطمة تغيير ذلك، ولكنها على دراية أيضاً بأن العملية ستحدث بالتدريج.
وتؤكد: «عندما تأتي بفكرة جديدة في مجتمع كهذا، عليك حقاً أن تأخذ في اعتبارك العادات والقيود الاجتماعية؛ فنحن لا نريد أن نأتي بفكرة يخشاها الناس».
ومن خلال تطبيق Yummy، بإمكان النساء العمل من المنزل، دون ذكر أسمائهن، ودون الاضطرار إلى التعامل مع الزبائن الذكور. وهذا يجعل الأمر محرراً للنساء ومقبولاً اجتماعياً، بحسب وصف فاطمة.
إعداد الأطعمة المنزلية أصبح فكرة شائعة منذ اندلاع الحرب، حيث أصبحت مغادرة المنازل أمراً أكثر خطورة بالنسبة للنساء، في حين أن هناك حاجة اقتصادية متزايدة لعملهن.
إخلاص أكرم، سيدة تبلغ من العمر 26 عاماً من مدينة سبها، ولم تكن ترى أي حاجة للعمل قبل الحرب، «ولكن بعدما تدهورت الأوضاع الاقتصادية للبلاد، أصبح من الضروري أن يكون لها عمل خاص»، حسب قولها.
وبدأت «إخلاص» العمل بشكل مستقل كطاهية من المنزل؛ للمساعدة في شؤون والديها وإخوانها الخمسة، ولكن تبين لها أنها تستقبل طلبات محدودة وتواجه مشكلات في التوصيل، وبالتعامل مع الزبائن، وفي مصداقية الطلبات أيضاً.
وتقول «إخلاص»: «لقد حل تطبيق Yummy كل هذه المشكلات؛ لأنه قدم خدمة التوصيل، ويعمل بمثابة وسيط بيني وبين الزبائن؛ لذلك أتعامل الآن باستخدام التطبيق فقط، وهم يتولون باقي الأمور».
دعم للحياة
يقول المفتي إن «تطبيق Yummy يقدم دعماً لحياة الكثير من النساء»، شارحاً ذلك بأنه في ظل الأزمة الاقتصادية لم يعد بإمكان دخل الذكور إعالة الأسرة بالكامل.
وفي حين تحاول ليبيا أن تنأى بنفسها عن النفط والغاز، الذي يمثل 70% من ناتجها الإجمالي المحلي، بحسب إحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أصبحت العمالة النسائية أكثر وأكثر أهمية.
ويعمل حل مشكلة تمكين النساء في ليبيا على سد الفجوة بين الجنسين بسوق العمل، والإسهام في تحسين الناتج المحلي الإجمالي لليبيا، وحل عدد من المشكلات الاقتصادية والتحديات التي تواجهها البلاد.