موتسارت .. رائد الأوبرا الهزليةهزلية

مؤلف موسيقي نمساوي، من أشهر العباقرة المبدعين في تاريخ الموسيقى، أجمع المؤرخون أن طفولته كانت أعجوبة الدهر في عالم الموسيقى، قدمت موسيقاه تنوعا كبيرا في شكلها وقوالبها رغم أنه كتب بوحي الساعة، وعفويه اللحظة، وبحساسية مفرطة، وباستسلام عذب وبتلقائية كاملة، وجسدت موسيقاه أسلوب جمال الموسيقى الحي والروحي الخالص؛ لما فيه من تمكن رفيع واقتصاد شديد في استخدام الوسائل الفنية، والتعبير إلى أقصى حدود المستطاع، وتكامل ورزانة ذوقه ومتانته وسلاسته.

ولد فولفغانغ أماديوس موتسارت في مدينة سالزبورج في 27 يناير من عام 1756م وكان أبوه ليوبولد عازف كمان ومؤلفاً موسيقياً في البلاط البطريركي وعلى شيء من الشهرة ، وقد وضع كتاب الطريقة لتدريس العزف على آلة “الكمنجة” وظل الكتاب الوحيد الذي استعمل استعمالاً كبيراً خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وقام موتسارت الصغير بمرافقة والده بعدة رحلات إلى ميونيخ وفيينا وباريس ولندن وروما حيث استقبله الجميع أحسن استقبال واستمرت هذه الرحلات الفنية إلى عواصم أوروبا حتى بلغ الثانية والعشرين من عمره.

حزن موتسارت كثيرا عندما توفيت والدته وهي تصحبه في رحلة إلى باريس وعاد إلى النمسا ليستقر في مدينة سالزبورج ويعمل في قصر البطريرك وكانت تقاليد القصر تضع الموسيقيين في مرتبة الخدم، ولم تطل إقامة موتسارت في هذا القصر فمؤلفاته والأوبرات التي كتبها تسببت في شهرته وعطف الإمبراطور والنبلاء عليه لكن الشهرة وإعجاب العظماء والجماهير لم تكن كافية لضمان حياة كريمة للمؤلفين وكان على الموسيقي الالتحاق ببلاط ما لتأمين عيشه.

تعرف موتسارت إلى هايدن واستفاد من خبرته وشهد هايدن بعبقريته وأعلن لوالده أنه لم يعرف مؤلفاً موهوباً مثله استطاع خلق أسلوب خاص يتصف بالوضوح والبساطة وعذوبة الألحان، وكان موتسارت ألماني النزعة في أوبراته كما في سيمفونياته لم يهتم بالميلودي كالإيطاليين ولم يهتم بالناحية التمثيلية كالملحنين الفرنسيين بل استهدف الإنتاج الموسيقي الرفيع وسعى ليكون الشعر أداة طيعة في يد الموسيقى وأعطى الأوبرا الجادة الكثير من صفات الأوبرا الهزلية ليخفف من عوامل التراجيديا فيها ويعتبر موتسارت مبتكراً للأوبرا الألمانية.

كان إنتاجه خصباً في حياته القصيرة البالغة خمس وثلاثون عاماً وشمل هذا الإنتاج جميع أنواع الأوبرات والكنتاتات والسيمفونية الإحدى والأربعين والسوناتات والكونشرتات للبيانو والكمان وخاصة للكلارينيت وكذلك القداسات فيما تربو مؤلفاته على الستين قطعة مليئة بالحنان والصفاء والبهجة.

ومن أهم إبداعاته “الخطف من السراي” وفيها الكثير من الموضة التركية في اللباس والعزف الإنكشاري، و “زواج الفيغارو” وهي من نوع الأوبرا الهزلية الإيطالية، و “دون جيوفاني” وهي دراما مرحة، ومن أعماله أيضاً أوبرا “هكذا يفعل الجميع والناي السحري” وهي أوبرا ألمانية أكسبته شهرة واسعة كما ألف بعض الأوبرات على النمط الإيطالي مثل “ايد مينيو” و” تسامح تيتو” و”71 قداساً” ويعتبر موتسارت أول مؤلف كونشرتو للبيانو.

وبعد معاناة كبيرة بسبب عدم توفر المال الكافي تدهورت أحواله الصحية كما المادية إلى أن جاء شخص مجهول الهوية متنكراً ويعتقد بعض المهتمين بحياة موتسارت بأن ذاك الرجل المجهول هو المؤلف أنطونيو ساليري الذي كان يحقد على موتسارت وقد جاء إليه عارضاً مبلغاً كبيراً من المال مقابل أن يؤلف له موتسارت موسيقى القداس الجنائزي “ريكويم” وقد وافق موتسارت وبدأ بالتأليف لكنه توفي يوم 5 ديسمبر من عام 1791م بمرض الحمى ولم يكن قد انتهى من تلحين القداس الجنائزي ويقال بأن أحد طلابه قام بتكملته، ودفن موتسارت بإحدى ضواحي العاصمة النمساوية فيينا، في مقبرة سانت ماركس في 7 ديسمبر وبعد وفاته لم يحضر أحد جنازته لكن بعد عدة قرون أصبحت موسيقاه وصوره تزين شوارع مدينة سالزبورغ.

Exit mobile version