يُعتبر الدكتور نبيل القليني واحدًا من أبرز العقول المصرية في مجال الفيزياء النووية خلال القرن العشرين. تخرّج في كلية العلوم بجامعة القاهرة، حيث أظهر تفوقًا ملحوظًا في دراسته، ما أهّله للحصول على بعثة علمية إلى تشيكوسلوفاكيا لاستكمال دراساته العليا. هناك التحق بجامعة براغ التي كانت آنذاك من المراكز الرائدة في أبحاث الفيزياء الذرية.
Table of Contents
عبقرية علمية مبكرة
في أوروبا، برز اسم نبيل القليني سريعًا كأحد العلماء الشباب الواعدين في مجال الذرة. فقد نشرت الصحف التشيكية تقارير عن أبحاثه المبتكرة التي أظهرت عبقرية استثنائية في التعامل مع موضوعات معقدة تتعلق بالذرة والطاقة النووية. لم يكن مجرد طالب يواصل دراساته العليا، بل كان عقلًا لامعًا يبشّر بمستقبل كبير لمصر في مجال العلوم النووية.
وبالفعل، نجح القليني في الحصول على الدكتوراه في الذرة من جامعة براغ بعد أن قدّم أبحاثًا أثارت إعجاب أساتذته وزملائه على حد سواء.
يوم الاختفاء الغامض
في صباح يوم الاثنين، الموافق 27 يناير 1975، رنّ جرس الهاتف في الشقة التي كان يقيم فيها الدكتور القليني في براغ. التقط السماعة وتحدث لبضع دقائق، ثم غادر الشقة مسرعًا، ولم يُشاهد بعدها أبدًا. ومنذ ذلك اليوم، لم يُعرف عنه أي خبر، ليبدأ فصل طويل من الغموض يحيط بمصيره.
لم تعثر الشرطة التشيكية على أي أثر له، ولم ترد أي أخبار عن مكان وجوده، لتُغلق القضية وسط تساؤلات لا تنتهي.
نظريات حول اختفائه
أثار اختفاء نبيل القليني الكثير من التكهنات، خصوصًا أنه جاء في فترة حساسة من الحرب الباردة حيث كانت الأبحاث النووية ذات قيمة استراتيجية هائلة. ومن أبرز النظريات التي طُرحت حول مصيره:
-
الاختطاف من قِبل أجهزة استخبارات أجنبية:
قيل إن وكالات كبرى مثل CIA الأمريكية أو الموساد الإسرائيلي كانت وراء اختفائه، بهدف الاستفادة من أبحاثه أو حرمان مصر من عقل نووي بارز. -
تجنيد إجباري لصالح دولة أخرى:
هناك من يعتقد أنه ربما أُجبر على العمل في أحد البرامج النووية الغربية أو الإسرائيلية، تحت ضغط أو إغراءات. -
الاغتيال لإخفاء إنجازاته:
بعض المصادر ربطت اختفاءه بعمليات تصفية استهدفت علماء الذرة العرب، مثل يحيى المشد، الذي اغتيل في باريس عام 1980. -
فرضية الهروب الطوعي:
وهي فرضية ضعيفة، لكنها ذُكرت؛ حيث قيل إنه ربما قرر الاستقرار في دولة أخرى لأسباب شخصية أو مهنية.
الأثر العلمي والسياسي لاختفائه
أثار غياب نبيل القليني قلق الأوساط الأكاديمية والعلمية في مصر، حيث كان يُنظر إليه كأحد أبرز العقول القادرة على دفع برنامج مصر النووي إلى الأمام. كما طرح اختفاؤه أسئلة مهمة حول أمن العلماء العرب في الخارج، ومدى استهدافهم من قِبل قوى كبرى لا ترغب في تقدم المنطقة علميًا.
كان لاختفائه أيضًا أثر نفسي كبير على المجتمع المصري، إذ أصبح يُذكر دائمًا ضمن قائمة طويلة من العلماء العرب الذين تعرضوا للاختفاء أو الاغتيال في ظروف غامضة، مثل يحيى المشد، سميرة موسى، وغيرهم.
نبيل القليني وإرثه العلمي
على الرغم من اختفائه المبكر، إلا أن أبحاث نبيل القليني في الذرة لا تزال تُعتبر شاهدًا على عبقريته. فقد أظهر للعالم أن مصر قادرة على إنجاب علماء ذوي تأثير عالمي، قادرين على المنافسة في أصعب المجالات وأكثرها حساسية.
ورغم أن تفاصيل حياته الأخيرة لا تزال غامضة، فإن قصته تُشكّل حافزًا للأجيال الجديدة من العلماء كي يتمسكوا بالعلم رغم كل التحديات.
لغز بلا حل
حتى اليوم، وبعد مرور ما يقرب من نصف قرن على اختفائه، يبقى مصير الدكتور نبيل القليني مجهولًا. لم تُغلق الأسئلة ولم تُكشف الحقائق، وما زال اسمه يُذكر كلما طُرحت قضية استهداف العلماء العرب في الخارج.
إن قصة القليني ليست مجرد حكاية عن عالم لامع اختفى فجأة، بل هي أيضًا رمز لصراع العلم والسياسة والمصالح الدولية. إنها تذكير دائم بأن العقول العلمية قد تكون أثمن من أي ثروة، وأخطر من أي سلاح.
انقطاع الاتصالات
ولما انقطعت اتصالات الدكتور مع كلية العلوم بجامعة القاهرة، أرسلت الكلية إلى الجامعة التشيكية تستفسر عن مصير الدكتور نبيل الذي كان بعبقريته حديث الصحافة التشيكية والأوساط العلمية العالمية، ولم ترد الجامعة التشيكية، وبعد عدة رسائل ملحه من كلية العلوم بجامعة القاهرة، ذكرت السلطات التشيكية أن العالم الدكتور القليني خرج من بيته بعد مكالمة هاتفية ولم يعد.
والغريب أن الجامعة التشيكية علمت بنبأ الاتصال الهاتفي, فمن أين علمت به؟ وهل اتصلت بالشرطة التشيكية؟ فإذا كانت الشرطة أخبرت إدارة الجامعة التشيكية, فمن أين عرفت الشرطة؟ ولكن الأغرب أن السلطات المصرية (عام 1975) لم تحقق في هذه الجريمة. ومن ثوابت ووقائع الاختفاء يرجح أن الدكتور تم استدراجه إلى كمين من قبل الموساد, بعدها إما أن يكون قتل أو تعرض لما يسمى بغسيل الدماغ بما يحقق تعطيل كل ما في عقله من دراسات علمية متطورة, وإما أن يكون في أحد السجون الغربية أو الإسرائيلية, وإما أن يكون قد تم مبادلته ببعض الجواسيس الإسرائليين في مصر بعد توقيع معاهدة “كامب ديفيد”.
الخلاصة
كان نبيل القليني مثالًا للعالم المصري الطموح الذي حمل راية المعرفة إلى أوروبا، وحقق إنجازات علمية كبيرة في الفيزياء النووية. لكن اختفاءه الغامض في عام 1975 جعله لغزًا لم يُحل حتى اليوم، وفتح الباب أمام تساؤلات حول دور القوى الكبرى في تعطيل مسار التقدم العلمي في العالم العربي.
إنه يظل اسمًا محفورًا في ذاكرة مصر والعالم كعالم لم يُستكمل مشروعه، وكرمز للتحديات التي تواجه العلماء في منطقة مضطربة سياسيًا.