كان يقرأ الجريدة قبل أن يبلغ العامين من عمره، وفي سن السابعة كان يتحدث ثماني لغات، ودخل الجامعة وهو في الحادية عشرة، وترواح معدل ذكائه بين 260 – 300، متفوقا على نيوتن وأينشتاين وغيرهما من عباقرة العالم (معدل الذكاء للإنسان العادي 80 = 120)، ورغم هذا، لم يحصد أي شهرة ولم يسمع به أحد تقريبًا، وعاش وحيدًا يعمل في وظيفة متواضعة.
هذا هو “وليام جيمس سيديس – William James Sidis“، الرياضي والعالم والمؤرخ واللغوي والمخترع والكاتب والطبيب وعالم النفس.
وُلِدَ وليام في نيويورك عام 1898، وكان أبوه “بوريس سيديس” أستاذ علم نفس بجامعة هارفارد وحاصلا على 4 درجات علمية، وكانت أمه “سارة مندلبوم سيديس” حاصلة على الدكتوراة في الطب، وقد كان لدى والده “بوريس سيديس” نظرية أن التعليم في المدارس يقلل من قدارت الأطفال، وأنه إذا تُرك الطفل بدون تعليم سيصبح أذكى من المتعلمين.
بعد زواج بوريس وسارة، توقع الجميع أن أولادهما سيكونون أذكياءً مثلهما، لكن ذكاء وليام فاق الحدود الطبيعية، فقد بدأ تعلم الحروف الأبجدية في عمر 6 أشهر، وحين بلغ عمره سنة ونصف أصبح يقرأ صحيفة “نيويورك تايمز”، وتعلم اللاتينية قبل أن يتجاوز ثلاث سنوات، وفي السابعة من عمره أتقن التحدث بثماني لغات بطلاقة وهم الفرنسية، اللاتينية، اليونانية، العبرية، الروسية، الإنجليزية، التركية، الألمانية.
ولما لاحظ أبوه تميزه وعبقريته، حاول تسجيله في جامعة هارفارد وهو في سن التاسعة، وبالرغم من اجتيازه من جميع الاختبارات المطلوبة للالتحاق بالجامعة، إلا أن الجامعة رفضت قبول لصغر سنه، فلم ييأس الوالد وتابع المحاولة، إلى أن نجح في إلحاق ابنه بالجامعة عام 1909 وهو في سن الحادية عشرة، ليصبح أصغر شخص يتم قبوله في جامعة هارفارد.
بعد سنة واحدة من الدراسة بالجامعة وصلت معرفة وليام بالرياضيات أقصى درجة، حتى أنه بدأ في إلقاء المحاضرات على زملائه في الجامعة وعلى أساتذته أيضا، مما أكسبه لقب “المعجزة”، وحصل على درجة البكالوريوس في سن السادسة عشرة، ليعمل مدرسا بالجامعة وليكون أصغر من درّس بجامعة هارفارد، ثم انتقل منها إلى “جامعة برايس” للعمل كأستاذ للرياضيات.
كتب وليام 4 مؤلفات في الرياضيات، وقام بتطوير نظريات عدة في علم “اللوغاريتمات”، وقدم مقالات عديدة في علم التشريح وفي علم النفس وفي اللغويات، مما جعله يتصدر عناوين الأخبار وعلى رأسها “النيويورك تايمز”، وفي عمر 24 عاما أتقن التحدث بأكثر من 40 لغة، بل وابتكر لغة جديدة خاصة به.
ولكن رغم شهرته وذكاءه الخارق، لم يلقَ التقدير الكافي الذي يستحقه، واعتبره الناس شخصا شاذا يتظاهر بالذكاء للفت الأنظار إليه، وتعرض لانهيار عصبي أثناء دراسته في الجامعة، وفي العشرينات من عمره استقال من منصبه كأستاذ بجامعة “رايس” بسبب الضغوط النفسية، وقيل أنه لم يتحمل ضغط الإعلام عليه، وانسحب من أي مهنة تحتاج إلى مجهود ذهني عالٍ.
وعلى الرغم أن وليام كان يستمتع بالتعلم عندما كان صغيرا، إلا أن رأيه تغير عندما تقدم في السن بسب ما لاقاه من ضغط عصبي ممن يحيطون به، ففضل العيش بعيدا عن المنافسة والأضواء والشهرة، واختار أن يشتغل وظائف كتابية منخفضة الأجر، لينعم بالحياة الهادئة التي كان ينشدها.
وبالرغم من ذلك، لم يتركه الناس وشأنه، بل ظلوا يلاحقونه ليتعرفوا عليه، ولم يتركوا له خيارا سوى تغيير وظيفته عدة مرات هربا من تطفل الناس على حياته، وفي عام 1924 اكتشف الصحفيون أنه يعمل في وظيفة يحصل منها على 23 دولارا في الأسبوع، فتصدر هذا الخبر عناوين الصحف مرة أخرى، ولامه الكثيرون على عدم استخدامه لذكائه بالشكل المطلوب من وجهة نظرهم ليكمل ما بداه في طفولته.
لكن الحقيقة أن وليام لم يتوقف عن العطاء يوما، فكان يؤلف كتبا قيمة لكن بأسماء مستعارة حتى لا يعرفه أحد.
مات وليام عام 1944 وهو في سن الـ 46، بسبب إصابته بنزيف في الدماغ، ونُسِيَ أمره تقريبًا ولم يعرفه عامة الناس.