30 % من الولادات على مستوى العالم “قيصرية” !

رجحت دراسة طبية بريطانية ارتباط الزيادة في معدلات “الولادة القيصرية” بزيادة عدد النساء اللاتي يقررن إنجاب أطفال في سن متأخر من العمر، حيث أثبتت الاختبارات أنه كلما تقدم عمر الأم ضعفت قدرة العضلات المرنة بالرحم على الانقباض والتقلص, وهو ما ينجم عنه تباطؤ المخاض ومن ثم تزيد احتمالات اللجوء إلى الولادة “القيصرية”.

وقال “غوردون سميث” المشرف على الدراسة من جامعة “كامبردج” البريطانية “إن النتائج تشير بوضوح إلى وجود صلة بين تقدم السن وتردي ظروف الولادة”، واستند سميث وزملاؤه في نتائجهم إلى تحليل لبيانات شملت 583 ألفا و843 امرأة دخلن قاعدة البيانات الاسكتلندية في الفترة من سنة 1980 إلى 2005.

وارتفعت نسبة النساء اللائي وضعن مولودهن الأول في عمر بين 30 و34 بمعدل ثلاثة أضعاف طيلة فترة الدراسة –حوالي 25 سنة- وزادت نسبة النساء في عمر 35 إلى 39 عاما سبعة أضعاف، وارتفعت نسبة النساء في الأربعين فأكثر عشرة أضعاف.

جاء ذلك فيما كشفت دراسة أخرى، نشرتها مجلة “لانسيت” الطبية، أن “الولادة القيصرية” في الحمل الأول، تزيد من احتمالات ولادة الجنين ميتا في الحمل الثاني، وأظهرت الدراسة أن من بين 17.754 امرأة وضعن أول طفل لهن عن طريق الجراحة، كان هناك 68 ولادة لجنين متوفي في الحمل الثاني قبل فترة المخاض، حيث بلغت معدلات مخاطر الأجنة المتوفاة في الولادة “القيصرية” الثانية نسبة 1.1 في المائة بين كل ألف امرأة لتنخفض إلى 0.5 في المائة بين كل ألف امرأة وضعت حملها الأول طبيعياً.

وفي العالم العربي، تقدم سن الزواج لدى الإناث، وبالتالي عمر المرأة عند الإنجاب للمرة الأولى، حتى أن هناك تزايدا في حالات الإنجاب الأول بعد سن 35، فاللجوء إلى “العملية القيصرية” يكون أكثر أماناً للأم والجنين في هذه الحالات، كما أن التقدم في التقنيات الحديثة لعلاج العقم، وتنشيط المبايض أدى إلى ارتفاع نسبة تعدد الأجنة داخل الرحم، وبالتالي “الولادة القيصرية”.

وأفادت الدراسات أن “الولادة القيصرية” قد ارتفعت نسبتها خلال العشرين سنة الماضية على مستوى العالم حتى وصلت نسبتها إلى 30% من عدد الولادات التي تتم، وترجع أهم أسباب تعثر الولادة إلى ضيق مقاييس الحوض وزيادة حجم الجنين عن معدلاته الطبيعية، ووجود الجنين في الوضع الخاطئ للولادة وتعدد الأجنة، وكذلك اختلاف أسلوب الحياة الحديثة.

أسباب الجراحة القيصرية

يُطلق على الولادة القيصرية اسم (Cesarean section, C-section)، وهو إجراء جراحي يتم اللجوء فيه إلى عمل شق في منطقة البطن والرحم للمرأة أثناء الولادة لإخراج الطفل بسبب عدم قدرة المرأة على الولادة بالشكل الطبيعي ذلك لأسباب متعددة، أو بسبب حدوث حالات طارئة أثناء الوضع لم يتم التشخيص المسبق لها.

وتُجرى الجراحة القيصرية في غرفة العمليات تحت تأثير التخدير العام أو النصفي تبعاً لوضع المرأة الصحي، وتبقى المريض مستلقية مدة 24ساعة دون طعام أو شراب، وتتغذى فقط بواسطة المصل، ثم تتحرك وتسير رويداً رويداً إلى مسافات ابعد مع القيام بحركات رياضية خفيفة، وتتناول وجبات الطعام التي تحتوي مرق الدجاج واللبن وعصير الفواكه على أنواعها، وفي اليوم السابع من إجراء “العملية القيصرية” يكشف الطبيب على مكان الجرح ويزيل “القطب” التي تكون عادةً من خيوط النايلون الرقيقة، أما الجرح فيكون عادة أفقي فوق شعر العانة مباشرة عوضاً عن الشق الذي يمتد من الشرة إلى الأسفل فيشوه منظر البطن، ولا تعوق هذه الجراحة  رضاعة الأم لوليدها، أما مدة إجراء العملية القيصرية فلا تتجاوز ساعة واحدة غالبا.

وهناك عدد من الدوافع التي تحتم إجراء “العملية القيصرية” وهي :
•    تعسّر الولادة بسبب كبر حجم الجنين وضيق حوض الأم.
•     في حالة حدوث نزف دموي صاعق يهدد حياة المرأة خلال الولادة بسبب تمزق المشيمة أو أطرافها.
•    في حالة “تسمم الحمل” وارتفاع ضغط الدم إلى درجات عالية تشكل خطراً على صحة الأم الحامل.
•    مجيء الجنين بالعرض وتعذر الولادة بشكل طبيعي، وعدم فعالية “طلق الولادة” بعد مرور عدة ساعات على بدئها.
•    تخطي عمر الجنين أربعين أسبوعاً وعدم بدء الولادة.
•    عندما يهدد حياة الجنين خطر ما يستدعي ولادته قبل أن يموت في بطن أمه الحامل.
•    كسل الرحم وتوقف “الطلق”، أو وهن المرأة وتوقفها عن الاشتراك الفعال في عملية الولادة.
•    في حال كانت المرأة قد تعرضت لعمليات قيصرية من قبل .

الولادة المتعثرة

تزداد المخاوف لدى المرأة من المرور بتجربة ولادة متعثرة، خاصة مع خطورة مضاعفاتها على الأم والجنين، الأمر الذي جعل الكثير من النساء الحوامل يفضلن أسلوب “الولادة القيصرية” للهروب من متاعب الولادة الطبيعية، ووفق الدكتور مراد حسنين- أستاذ أمراض النساء والولادة بجامعة الأزهر – فإن الطبيب يلجأ للولادة القيصرية في حالة تعثر الولادة الطبيعية نتيجة لبعض المشكلات الصحية الخاصة بالأم مثل ضيق الحوض، في إشارة إلى أن أكثر من 80% من الفتيات يتزوجن في سن من 28  إلى 40 مما يقلل من فرص إنجابهن لأكثر من مرة، فيحاول الطبيب الحفاظ على الجنين باختيار “العملية القيصرية” لهن.

وأشار الدكتور “مراد حسنين” إلى أن هناك بعض المشكلات الصحية الخاصة بالطفل والتي تؤدي إلى تعثر الولادة الطبيعية، واختيار “الولادة القيصرية” كبديل آمن، وهي حالات زيادة وزن الطفل أكثر من أربعة كيلو جرامات، أو بقاء الطفل حتى الشهر التاسع في الوضع غير الطبيعي للولادة، وكذلك في حالات التوائم الملتصقة.

وتلعب السمات الجسمانية للمرأة دوراً مهما في تحديد نوع الولادة، فيقول الدكتور حسين يوسف- استشاري أمراض النساء والتوليد – أن قصر القامة لدى السيدة يصاحبه ضيق في أبعاد الحوض، والولادة قيصرياً تكون أفضل لها، كما أن الوزن الأمثل لزيادة الوزن أثناء فترة الحمل لا يزيد على 12 كيلو جراما، فالسمنة المفرطة يمكن أن تؤدي إلى مشكلات الولادة العسرة، وتشمل مضاعفات الولادة المتعثرة حدوث إصابات وجروح بالجهاز التناسلي وانفجار الرحم وحدوث التصاقات بجدار الرحم والنزيف الرحمي ما بعد الولادة.

وقد تكون “الولادة القيصرية” أفضل للأم التي عانت من عدم القدرة على الإنجاب لمدة خمس أو عشر سنوات متتالية، حيث أكدت الدراسات أن “القيصرية” أفضل كثيراً من الولادة “بالجفت والشفاط” خاصة في الولادات المتعثرة، والتي تؤدي إلى مضاعفات خطيرة على الجنين قد تصل إلى الوفاة، كما أن التقدم الحالي في معدلات الولادة القيصرية إلى 30% عالمياً يرجع إلى التقدم الطبي، والاهتمام بالخدمات الصحية ومتابعة ورعاية الحمل.

وتحذر الدكتورة “نادية عارف” – استشاري التوليد والنساء – من توليد الحامل “بالجفت أو الشفاط” في حالة الولادة المتعثرة حفاظاً على حياة الأم والجنين، فمعظم العمليات “القيصرية” التي تم إجراؤها تكون متكررة للمرة الثانية أو الثالثة، فيجب على طبيب النساء المتابع لحالة الأم أن يقوم بعمل أشعة بالموجات فوق الصوتية لحجم ووزن الجنين، وفحص الأم للتعرف على مدى سعة الحوض عند تأخر ميعاد الولادة أكثر من أسبوع، لآن لكل ولادة ظروفها المختلفة، فيمكن للحامل التي أجري لها عملية ولادة قيصرية أن تنجب للمرة الثانية بشكل طبيعي.

“ولادة بدون آلم”

تعد “العملية القيصرية” من العمليات الرائجة في الآونة الأخيرة نظرا لسهولتها، ولتقبل المرأة وذويها لها، وتغيّر شروط الوضع، والدوافع الموجبة لإجرائها، وكذلك تحسن شروط الاستشفاء، الأمر الذي أدى إلى زيادة انتشار هذه العمليات حتى أن نسبة إجرائها تضاعفت أكثر من خمس مرات خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

وهناك بعض السيدات يطلبن إجراء “عملية قيصرية” لهن رغم تأكيدات الأخصائي المشرف على الحالة بإمكانية الولادة طبيعيا، وذلك لتلافي المرور بمتاعب الولادة الطبيعية، وينصح المتخصصون بضرورة اهتمام المرأة بصحتها، وأسلوب تغذيتها أثناء الحمل والقيام بممارسة بعض التمرينات الرياضية البسيطة، التي تساعد في الولادة بسهولة وتجنب ارتداء الحذاء ذي الكعب العالي لما له من تأثيرات ضارة على الحوض، وجعله غير ملائم لاستقبال الجنين في أثناء عملية الولادة.

ويقوم بعض الأطباء بإجراء “العملية القيصرية” بناء على رغبة الحامل التي تخشى من متاعب الولادة الطبيعية، وتريد أن تلد تحت تأثير المخدر حتى لا تشعر بأي آلام، ولكن تظل هذه الحالات قليلة بالمقارنة بالحالات التي يلزم معها فعلاً إجراء الجراحة “القيصرية”.

ويحذر الأطباء من المخاطر التي قد تتعرض لها المرأة في “الولادة القيصرية” والتي من بينها: مخاطر العدوى، والنزيف، والتجلطات دموية، وتكون الأم معرضة لإصابات بالمثانة أو الأمعاء وآلام بعد الولادة، وتحتاج لفترة أطول لشفاء المرأة، بالإضافة إلى احتمالية تعرض المرأة للمخاطر مع كل ولادة قيصرية في الحمل الذى يليها، لكنها قد تكون ضرورية وأكثر أماناً لصحة الأم وطفلها في بعض الحالات الحرجة.

صلاح عبد الصبور

Exit mobile version