“GPS” سيصبح قديماً. ماذا تعرف عن تقنية “النمل” لتحديد المواقع؟

منذ عصور ما قبل التاريخ يسعى الإنسان لابتكار وسيلة ما تهديه معرفة الطريق والتنقل بين السهول والهضاب المختلفة للبحث عن المراعي الغنية موطن له ولقطعانه؛ فاتخذ من السماء دليلاً ومرشداً، إذ تتبع مشرق الشمس ومغربها للحفاظ على طريقه في النهار، وراقب النجوم ليلاً كي لا يحيد عن مساره.

وفي العصر الحديث ومع التقدم الكبير في علوم الفضاء والتطور التكنولوجي في أنظمة الإرسال والاستقبال، طوّر البشر أنظمة متعددة لتحديد المواقع يتم عن طريق الأقمار الصناعية.

ومن أشهر هذه الأنظمة نظام تحديد المواقع العالمي “GPS” الذي يعمل على توفير تغطيته 73 قمراً اصطناعياً متمركزة في مدار الأرض وعلى ارتفاع 12000 ميل.

كذلك يوجد نظامان آخران يؤديان نفس الدور وهما نظام “Galileo” الخاص بالاتحاد الأوروبي، و “GLONASS” الخاص بروسيا.

عيوب أنظمة الملاحة الحديثة

ولكن هذه الأنظمة رغم ما تحتويه من تقنيات عالية التطور والدقة فإن ذلك لا يعني أنها لا تخلو من العيوب، فإذا ما صادف مرور أحد بالقرب من بنايات عالية وأبراج شاهقة، وهي ما تميز المدن الحديثة؛ فإن أنظمة تحديد المواقع لا تعمل بشكل صحيح وتظهر أخطاء في دقتها.

قد لا يأبه البعض إن كان هناك خطأ في تحديد المواقع بعض الأمتار، لكن ذلك يقود إلى نتائج كارثية خاصةً تلك المتعلقة بتحديد مسار المركبات الفضائية.

وإن تعطلت خدمة الخرائط نتيجة خلل ما بعض الوقت قد لا يشعر بها الكثيرون، لكن إن صادف حدوث الخلل في وقت الكوارث وعمليات الإجلاء والبحث عن المفقودين فإنّ ذلك يعني فقدان العديد من الأرواح.

الحل يكمن في النمل

يطور الباحثون في الجامعات وبعض من كبريات شركات التكنولوجيا في العالم تقنيات ملاحية متقدمة مصممة لسد الفجوات عند فشل أنظمة الملاحة.

واتجه العلماء إلى الطبيعة باعتبارها مصدراً لا ينضب من الأفكار، وركزوا بحثهم تحديداً على النمل الصحراوي الذي يمتلك طاقات ملاحية فريدة.

على مدى العقود الأربعة الماضية صمم الباحثون في جامعة “إيكس مرسيليا” في فرنسا سلسلة من أجهزة الاستشعار مستوحاة من رؤية الحشرات.

ما هو “AntBot”؟

أحدث صورة لعملهم هي “AntBot”، وهو روبوت مستقل ذو نظام ملاحة يعتمد على الحواس الفريدة وقدرات استكشاف المسارات مثل النمل الصحراوي.

أثناء التنقل يكون النمل الصحراوي قادراً على قياس اتجاهه من خلال الضوء السماوي، فعند دخول الضوء إلى الغلاف الجوي، يؤدي إلى اتخاذه استقطاباً معيناً، ويمكن للنمل استخدام هذا للحصول على اتجاهه.

وقال جوليان دوبيروكس، مهندس في جامعة إيكس مرسيليا: “يستطيع النمل الصحراوي المشي لمسافة تصل إلى كيلومتر واحد في غضون 30 دقيقة، ويمكنه العودة إلى مدخل عشه دون التعرض لخطر الضياع”.

وأضاف: “أردنا التحقيق في كيفية جعل هذا النوع من التنقل يعمل في الروبوتات”.

ومن خلال الشراكة مع المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، طور دوبيروكس وفريقه هذا الروبوت، وتم تجهيزه بمستشعرات الأشعة فوق البنفسجية القادرة على اكتشاف نطاقات من الضوء المستقطب، الذي يستخدمه النمل الصحراوي للتنقل مثل “البوصلة السماوية”.

وكإجراء إضافي فإن “AntBot” يقوم بحساب خطواته لتحديد معدل حركته بالنسبة إلى الشمس، تساعد هذه الجوانب المدمجة في تحديد موقعه بدقة تصل إلى سنتيمتر واحد لكل 14 متراً، قارن ذلك بدقة نحو خمسة أمتار لنظام “GPS” المدني، ويعتقد دوبيروكس أن نظامه يمكن استخدامه في الطائرات من دون طيار.

“AntBot” ليس الروبوت الوحيد الذي يستخدم ميزة الملاحة المستوحاة من نمل الصحراء، حيث طور الباحثون في جامعة “ساسكس” نظاماً يمكن أن يعمل من دون نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، بل باستخدام خوارزميات تحاكي دماغ النمل الصحراوي.

التنقل المرئي

ووفقاً للباحث في جامعة ساسكس وعالم الروبوتات آندي فيليبس، في المملكة المتحدة، يعتمد النمل على التنقل المرئي.

في المختبر درس فيليبس وفريقه كيفية تنقل النمل الصحراوي بدقة شديدة، واكتشفوا أن النمل يميل إلى التوقف والمسح الضوئي في اتجاهات متعددة أثناء سفره إلى ما بعد عشه.

دفع هذا السلوك الباحثين إلى استنتاج أن النمل يستخدم لقطات مميزة من العالم للمساعدة في توجيه نفسه وتحديد المسار الذي يجب اتخاذه.

وبعبارة أخرى؛ للرجوع إلى أعشاشه يحفظ النمل الصحراوي نوعاً من اللقطات المألوفة، حتى يصل إلى موقع يشبه بصرياً منزله، ويطلق فيليبس على هذا النظام “الملاحة القائمة على الألفة”.

وقال: “ما يعنيه هذا هو أن النمل قد يتعلم المعلومات المرئية للطريق كما تظهر له في أول مرة يجتازه، فإذا كان بعد ذلك بالقرب من الطريق، فإنه يحاول توجيه نفسه حتى يرى الشيء المألوف الذي يعرفه”.

استخدم فيليبس وفريقه هذه النتائج لتطوير برنامج للتعلم الآلي مدمج في روبوت يسجل المشاهدات التي يراها على طول الطريق، للعثور على طريقه في العودة إلى المنزل.

الطائرات المستقلة

وكان لهذه الدراسة تطبيقات عدة، حيث استخدم باحثون من شركة نفيديا الأمريكية المختصة ببرامج الرسومات أسلوب “التنقل المرئي” على طائرات من دون طيّار، وجعلها تطير لمسافات طويلة بشكل مستقل عبر المناطق المشجرة، ويتوقع الباحثون جعل هذه الخاصية مفيدة جداً للبحث عن المفقودين في المناطق الصعبة وعند انقطاع نظام تحديد المواقع العالمي.

أحذية مستوحاة من النمل

كما قام طلاب من جامعة “يوتا” في الولايات المتحدة الأمريكية بتطوير نظام يتضمن مجموعة من المستشعرات المرفقة بأحذية المستخدمين يمكنها تقدير موقع مرتديها بدقة تبلغ نحو خمسة أمتار على غرار “GPS”، ولكن دون الحاجة إلى الأقمار الصناعية.

مثل هذا النظام يمكن أن يساعد الجنود أو المستكشفين على توجيه أنفسهم عندما يكونون في عمق الأراضي غير المألوفة.

محاكاة لأدمغة النمل

واستخدم باحثون من معهد “SETI” المختص بأبحاث الفضاء، مؤخراً طائرة من دون طيار مُجهزة بـ “Lidar” وهو نظام شبيه بالرادار لعمل خريطة ثلاثية الأبعاد للجزء الداخلي من كهف جليدي في آيسلندا.

ويعتقد الباحثون أن هذه التقنية يمكن استخدامها لرسم خريطة مستقلة للكهوف دون الاعتماد على “GPS”، وأيضاً عبر محاكاة لأدمغة النمل وتقليدها.

https://www.youtube.com/watch?v=4_TmPA-qw9U

 

Exit mobile version