ليس دائما يكون الشعور بالنقص داعيا للإحباط وليس شرطا أن تكون الإعاقة مدعاة للانزواء بل علي العكس من ذلك قد يكون هذا الشعور حافزا علي التميز ودافعا للإنجاز وجمعية النور والأمل هي المثال الصريح علي ذلك..فتيات صنعن النور من الظلام وأخرجن الأمل من رحم اليأس.
“جمعية النور والأمل” تأسست لتأهيل الفتيات كفيفات البصر، لممارسة العمل في مهن مناسبة، تمكنهن من العطاء ولتكون كل فتاة منهن عضوةً نافعةً في المجتمع ولتضمن لهن سبل العيش الكريم، وإضاءة طريق الأمل والمستقبل المشرق، نحو تحدي الإعاقة بل وتخطيها إلى مستقبل أكثر إشراقاً، وتعد الجمعية أول مؤسسة في الشرق الأوسط لتعليم ورعاية وتأهيل الكفيفات، وتستقبل الجمعية الآن 300 من الفتيات الكفيفات، مع توفير الإقامة الكاملة المجانية لهن بالقسم الداخلي.
وكان للسيدة “استقلال راضي” دور كبير في تأسيس الجمعية بمعاونة مع مجموعة من السيدات المتطوعات في عام 1954م، وتعددت أنشطة الجمعية؛ حيث افتتحت مدرسة الجمعية ومركز التأهيل المهني، وبدأت تستقبل الطالبات الكفيفات بها عام 1957م، وبعدها تم إنشاء قسم السجاد في عام 1958م، ويتولى هذا القسم تدريب الفتيات على صناعة السجاد اليدوي، طبقا لأحدث تقنيات صناعة السجاد الحديثة وكان ذلك داخل الجمعية، أو ذهابا إلى بيوت الكفيفات لتعليمهن، بعدها تم إنشاء قسم لتعليم الكتابة على “الآلة الكاتبة” وذلك في عام 1960م، ثم تم افتتاح قسم صناعات القش والبامبو، الذي يقوم بتصنيع جميع منتجات القش والبامبو، ثم أنشئ قسم لصناعات البلاستيك في عام 1977م، ثم افتتاح قسم التريكو عام 1983م، وبعدها تم إنشاء المكتبة السمعية، وأخيرا تم إنشاء المركز الثقافي للنور والأمل والذي تم افتتاحه عام 2004م.
من أهم إنجازات الجمعية إنشاء “أوركسترا النور والأمل” والتابعة لمعهد الموسيقى التابع لجمعية النور والأمل، الذي تأسس في عام 1961م، وأصبح نشاط الأوركسترا أهم الأنشطة التي تقدمها الجمعية؛ فمنذ إنشاء الأوركسترا عام 1981م، وعلى مدار 27 عاما وهي تجوب العالم شرقا وغربا، مالئة الدنيا موسيقى، ولأنها هي الفرقة الوحيدة في العالم، المكونة من مكفوفات يعزفن الموسيقى الغربية والشرقية المتطورة، نالت إعجاباً عربياً وعالمياً وأصبحت سفيراً للمعاقين.
وتتم الدراسة في معهد الموسيقى التابع للجمعية على ثلاث مراحل، هي الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتشمل الدراسة مواد العزف العملية، والدراسات الموسيقية النظرية المكملة لها، والمقررة بالمعاهد الأكاديمية الموسيقية، وتحصل الفتيات على نوعين من التعليم؛ حيث يدرسن في المدرسة صباحا مواد الدراسة العادية، ثم يدرسن بمعهد الموسيقى في فترة بعد الظهر.
وتشمل الدراسة في المعهد كافة جوانب الموسيقى التطبيقية، و”الهارموني والسولفيج” والتدريب السماعي ويتم تعليم الفتيات الكفيفات في المعهد قراءة “النوت” الموسيقية بطريقة “برايل” وهي اللغة التي يتم من خلالها تحويل لغة الموسيقى من لغة عادية، يراها الشخص إلى إشارات وحركات يلمسها الكفيف، ويتم ترجمة “النوتة” الموسيقية على يد أساتذة متخصصين، حتى يفهمها الكفيف وتسمى هذه العملية “بالسولفيج”، ليحفظها الفتيات بعد ذلك.
بدأ أوركسترا معهد الموسيقى بعدد 5 فتيات، وتطور على مدى السنين ليصل إلى 34 فتاة من المكفوفات، ويشمل الأوركسترا 4 أقسام هي الأوتار، والآلات الخشبية والآلات النحاسية وآلات الإيقاع، ويتم تدريـب عازفات الأوركسترا في المعهد على الآلات المختلفـة كـ”الفيولينة الأولى والثانية والفيولوالتشيلو والكونترباص”، بالإضافة إلى تدريبهن على آلات النفـخ المختلفة كـ”الفلوت والأوبوا والفاجوتا الكورنو والطرامبيت والطرمبون” بالإضافة لآلات الإيقاع.
ويشرف على المعهد مجموعة من المتخصصين منهم المايسترو “يوسف السيسي”، كما درّست فيه مغنية الأوبرا “كارمن زكي” وتولى الموسيقار “اندريا رايدر” قيادة العزف، ويتولى إدارته مجموعة من الأساتذة ذوي الكفاءة والخبرة العالية، وهم إما أساتذة في معهد “الكونسرافتوار” وهو من أرقى المعاهد الموسيقية في مصر، أو كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، أو أوركسترا القاهرة السيمفوني.
وساهم في تكوين الفرقة عدد من قائدي الفرق، كان من بينهم المايسترو الراحل “اندريه رايدر”، ثم بدا المرحوم المايسترو “أحمد أبو العيد” بالتدريس بالمعهد في السبعينيات، ثم تولى الإشراف على تدريب وقيادة الأوركسترا لمدة عشرين عاما، وقد نجح في تنمية التكنيكات والطرق خاصة لتتمكن الفتيات من الأداء والعمل دون قراءة النوتة، ودون الاعتماد على عصا المايسترو الشهيرة.
قام الأوركسترا بتقديم العديد من الحفلات في مختلف عواصم العالم، وكانت أول دعوة قد تلقتها الأوركسترا من النمسا في عام 1988م، وبعد النجاح الباهر الذي حققته، تلتها دعوة أخرى من الدولة نفسها في عام 1989م، وقد عزف أوركسترا المكفوفات في العديد من المدن النمساوية مثل “انسبروك، فلدن، جراتسي، لينز”.
وما دلل على النجاح الباهر الذي حققته الأوركسترا في النمسا “بلد عمالقة الموسيقى” ما وصف به المستشار النمساوي “تشانسلر فرانتسكي” الأوركسترا حين قال: “الأوركسترا ملأت فيينا بالموسيقى”، كما قال وزير الشئون الاجتماعية وقتها: “هذه الاوركسترا معجزة إنسانية”، أما محافظ مدينة” لينز” فقال خلال زيارة الأوركسترا إلى المدينة :” إن حضور أوركسترا النور والأمل يعتبر أجمل حدث لمدينتنا في العصر الحديث”.
وتوالت الدعوات من مختلف الدول بعد ذلك، ففي 1989م، دعت “الهيئة الدولية لرعاية المعوقين بغرب آسيا” الأوركسترا لإقامة حفلة موسيقية خلال مؤتمر”الاسكوا”، وأقامت الأوركسترا بعدها حفلة في دولة الكويت عام 1990م, وإنجلترا, والسـويد, ثم ألمانيا عام 1992م, وإسبانيا, ثم توجهت الأوركسترا إلى دولة قطر عام 1993م, ثم المغرب عام 1994م, وفي العام نفسه توجهت إلى اليابان وتايلاند، ثم دولة الإمارات 1995م، أما الحفلة التي أقامتها الأوركسترا في دولة كندا، فكانت في العام 1998، وبعدها توجهت مرة ثانية إلى ألمانيا 1999م, وأثينا عام 2005م.
وحصلت الأوركسترا على عدد كبير من الجوائز، منها درع “الجمعية النسائية الاجتماعية الثقافية” الكويتية, ودرع “المخيم العربي السادس للمكفوفين” بالإسكندرية, ودرع “جمعية الهلال الأحمر” القطري, ودرع الإمارات العربية المتحدة, وكأس “التقدم الممتاز الألمانية”.
محمد علاء الدين