مرّت حتى الآن 15 سنة تقريبًا على تحقيق أول خطوة رسمية في مجال إنتاج الطاقة المتجددة، وظلت لسنوات طويلة حلم الكثيرين، في الوقت نفسه هي مصدر قلق مصانع إنتاج الكهرباء من المصادر التقليدية منها المفاعلات النووية. إلا أن حادث المفاعل النووي في مدينة كرشكر بسلوفينيا الذي وقع قبل يومين، دعم موقف المطالبين في ألمانيا بوقف كل المفاعلات النووية بأسرع وقت والتحول إلى الطاقة المتجددة، مذكرين بالحادثة التي وقعت أيضًا قبل عام ونصف في احد المفاعلات النووية الألمانية ومخاطرها التي لا تحصر، إلا أن قرار الحكومة اليوم أنها سوف ترفع حتى عام 2020 الاعتماد على الطاقة المتجددة لتشكل حوالى الثلاثين في المئة من كامل الاستهلاك.
وتشير دراسة إلى تزايد مصانع إنتاج الطاقة المتجددة مع نمو قطاع صناعة المعدات المولدة للطاقة المتجددة، إن من الشمس او الرياح في السنوات الماضية بشكل ملحوظ ليس في ألمانيا فقط أو في العالم الغربي بل في الدول النامية والعربية أيضًا، والسبب في ذلك أن المصادر المعتمدة لإنتاج الطاقة الكهربائية تزيد من تلوث البيئة في الوقت الذي يكافح فيه العالم من اجل تخفيض نسبته، إضافة إلى انخفاض تكاليف تجهيزات بناء مولدات للطاقة المتجددة حيث تراجعت مقارنة مع أسعار مطلع الثمانينيات إلى حوالى 35 في المئة، لذا ليس غريبًا عند التجول في مناطق كثيرة في ألمانيا خاصة في الشمال حيث كثرة الرياح مشاهدة المئات من المراوح ذات الشفرات الطويلة لإنتاج الطاقة من الرياح، وتنصب سنويًا في ألمانيا لوحدها فوق مساحات شاسعة مئات من هذه المراوح إضافة إلى الصفائح المخزنة للطاقة الشمسية التي تبنى أمام المنازل أو على الأسطح.
ويمكن القول إن ألمانيا من الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة حيث شجعت في منتصف الثمانينات، كل عالم أو مهندس يطور او يبني محطات تجريبية جيدة بتحملها 50 في المئة من التكاليف. وبعد فترة قامت شركات خاصة بدعم من الحكومة ببناء حقلين من المراوح على ساحل بحر الشمال، بعدها أعلنت ” برنامج المائة ميجاواط”. وينص على تقديم دعم لكل مستثمر في استغلال طاقة الرياح قدره ثمانية فنك (حوالى 4 سنتات حاليًا)عن كل كيلوواط ساعٍ مولّدًا من طاقة الرياح.
ونظرًا للنجاح الذي ظهر في منتصف التسعينيات طورت الحكومة الاتحادية برنامجها ورفعت سقف إنتاجه إلى 250 ميغاوا، وبعد تسلم شركات ألمانية خاصة معظم مشاريع بناء محطات إنتاج الطاقة المتجددة رفعت استطاعة المحطات العاملة من 50 إلى 600 كليوواط ثم إلى ألف كيلوواط.
واكب هذا التطور تطوير مجال انتاج الطاقة المتجددة من الشمس حيث يباع سنويا ما مساحته 70 ألف متر مربع تقريبا من المجمعات الشمسية وتبلغ مساحة هذه المجمعات المركبة حتى الآن أكثر من مليوني متر مربع.ومع أن تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة مازالت غير منخفضة رغم تراجع أسعارها مقارنة مع قبل 15 عاما، إلا أن نسبة الاعتماد عليها حسب لوائح الرابطة الاتحادية لصناعة الأجهزة المنتجة للطاقة المتجددة تتجاوز إلى العشرة في المئة من مجموع احتياجات الطاقة الأولوية، وهناك أكثر من 400 ألف منزل في ألمانيا يعتمد على المجمعات الشمسية التي تبنى على أسطح المنازل يصل إنتاجها الإجمالي حتى 140 ميغواطًا من اجل سدّ الحاجات اليومية من التدفئة وحتى تسخين المياه والإضاءة وتشغيل الأجهزة الكهربائية.
وتعتبر مدينة فرايبورغ من المدن الرائدة حاليا في الاعتماد على الطاقة المتجددة المنتجة من الشمس في ألمانيا، فهي تضيء عدة منشآت فيها منها برج محطة القطارات الرئيسية، وتعتمد إحدى مدارسها الثانوية على ثمان شرائح لتخزين الطاقة الشمسية تنتج 1.035 كيلوواط وفيها محطة قدرتها السنوية 56 ألف كليواط ساعي.وبهدف تخفيض غاز ثاني أكسيد الكربون يعتمد عدد كبير من سكان ولاية شلزفيغ – هولشتيان على الطاقة المتجددة. فعلى سواحل الشمالية المعروفة بكثرة الرياح توجد اكثر من عشرة آلاف مروحية هوائية يصل ارتفاعها إلى 90 مترًا ويزيد طول مروحتها عن 30 مترًا.
وبناءً عليه لاقت قضية إنتاج الطاقة المتجددة من الرياح والشمس في ألمانيا استحسانًا لدى بعض الدول العربية، لأنه من المتوقع حسب دراسة للوكالة الدولية للطاقة ارتفاع حجم استهلاك الطاقة في العالم العربي حتى عام 2020 إلى أكثر من ضعف المعدل الحالي. هذا الوضع شجع العديد من المعاهد والمؤسسات العلمية ووزارة الإنماء والتعاون الاقتصادي على إقامة تعاون لاستغلال الشمس والرياح وهي وفيرة لديها من اجل إنتاج هذه الطاقة.
ومن المشاريع المهمة التي نفذت في مصر وخفضت نسبة انبعاث الغازات المضرة وكان بدعم من بنك الإعمار الألماني في فرانكفورت مشروع توليد الكهرباء من طاقة الرياح في منطقة زعفرانة على البحر الأحمر حيث الرياح قوية. ووصلت استطاعة المرحلة الأولى من المشروع إلى 20 ميغاواطًا وإنتاج 80 غيغواطًا ساعٍ من الكهرباء في السنة. ولقد خفض هذا المشروع انطلاق قرابة 70 إلف طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تنطلق من المحطات العاملة بالمازوت الثقيل ويلحق أضرار جسيمة بالبيئة.وأول مشروع رائد لإنتاج الطاقة المتجددة من الشمس تم تنفيذه بالتعاون ما بين الحكومتين المصرية والألمانية ضمن إطار التعاون التقني والعلمي كان لإنارة قرية أولاد الشيخ في مصر وتقع بين القاهرة والإسكندرية في صحراء النطرون من الطاقة الشمسية.
المصدر: إيلاف