* حين اخترع الأخوان رايت أول طائرة حقيقية عام 1903تجاهلت الصحف انجازهما لمدة خمس سنوات.. حتى المجلة العلمية الرصينة ساينتفك أميركان وصفت التجربة بأنها “خدعة” وقالت إن تحليق (جسم أثقل من الهواء) مستحيل عملياً!!
نفس المعارضة واجهها جون بيرد حين اخترع التلفزيون، وتشالز بارسونز حين اخترع التوربين، وجون فرانكلين حين اخترع مانعة الصواعق..
وهذه المواقف مثال على تسرعنا في نقد الأفكار الجديدة وتشكيكنا في كل ما يخالف معارفنا القديمة؛ فالإنسان “عدو ما يجهل” وحين يُخير بين المعروف والمجهول يأخذ الأول بدون تردد.. وهذا الطبع ينسحب على المجتمع ككل ويلاحظ حتى في الأوساط العلمية. فحين يخرج أحد المبدعين بفكرة جديدة يواجه بالتشكيك والتجاهل كرد فعل لمقاومة التغيير.
غير أن المجتمع ـ بعد فترة من الاستيعاب والاستعمال ـ يكتشف كم كان مخطئاً وكم تحمل المبدع مشقة الوقوف في وجه التيار.. وحين نتأمل اليوم الاختراعات العظيمة نتعجب كيف لم تلق قبولاً في بداياتها الأولى..
* فعلى سبيل المثال رفضت أكاديمية العلوم الإنجليزية مبدأ توليد الكهرباء الذي اكتشفه مايكل فارادي. وحين ادعى أن الكهرباء تتولد بإدارة سلك معدني داخل فجوة مغناطيسية (وهي الطريقة التي يعمل بها المولد الكهربائي) ضحك أعضاء الأكاديمية واتهموه بالسذاجة!
* أما الحكومة البريطانية فعارضت وجود السيارة ورأت أنه “اختراع خطير” وحين قررت ـ بعد عشر سنوات ـ السماح بقيادتها داخل المدن أصدرت قانوناً يلزم كل سائق باستئجار فتى يحمل علماً أحمر ويسير قبل السيارة بعشرين ياردة (تصور)!!
* وفي عام 1902أعلن فون زيبلن أنه صمم أول بالون يمكن استغلاله تجارياً. إلا أن هذا الادعاء لم يرق لجمعية المهندسين الألمان فأصدرت بياناً تعارض فيه زيبلن (وما هي إلا سنوات قليلة حتى كان زيبلن يسير رحلات منتظمة عبر المحيط الأطلسي إلى أمريكا)!!
* وفي عام 1668اخترع ليونهوك الميكروسكوب ورأى بواسطته الجراثيم. ولكن الجميع نعته بالجنون حين ادعى انه شاهد بواسطته مخلوقات لا ترى بالعين المجردة.. الغريب أن اكتشافه بقي مهملاً طوال مائتي عام ـ ولم يكلف أحد نفسه عناء التأكد مما قال!!
* وحين أخبر اديسون مكتب براءات الاختراع في واشنطن أنه يعمل على اختراع مصباح يعمل بالكهرباء نصحه المكتب بعدم الاستمرار في مشروع كهذا ـ بل كتب صراحة “أنها فكرة حمقاء”!
* وعلى ذكر المكتب.. في عام 1899أرسل مدير مكتب الاختراعات رسالة إلى الرئيس الأمريكي يطالبه فيها بإغلاق مكتب براءات الاختراع لأنه ـ حسب رأيه ـ لم يبق في الدنيا شيء لم يخترع بعد.. وبسبب ضيق افق هذا المدير تم فصله بتوصية من الرئيس نفسه!
* أما القس النمساوي مندل فقد أسس علم الوراثة بعد سنوات طويلة من مراقبة نباتات البازلاء. وحين ارسل نتائج بحثه إلى أحد العلماء المشهورين رد عليه قائلاً: لم أصادف في حياتي شخصاً ضيع عمره في عمل تافه كهذا!!
* أما مخترع الهاتف الكسندر بيل فقد عرض اختراعه على شركة وسترن يونيون للتلغراف فلم يلق قبولاً. ثم عرضه على مكتب البريد في لندن قائلاً: “ان الهاتف سيصبح ذات يوم بديلاً للبريد العادي” فرد عليه المكتب بقوله “ولكن انجلترا تملك عدداً كبيراً من الأولاد العاملين في توزيع البريد”.. وحين شارك في معرض دولي للاختراعات لقي اختراعه تجاهلاً غريبا من الزوار. وكي يلفت انتباههم إلى أهمية الهاتف صرخ من خلاله “أيها السادة انتم حمير” فلقي اهتماماً من الجميع!!
وكما هو واضح لم يخترع بيل جهازاً عظيماً فحسب، بل أسلوباً قاسياً لتنبيه العقول الجامدة!!.
فهد عامر الأحمدي