استياء في المنظومة الديمقراطية
الكتاب: استياء في المنظومة الديمقراطية.
تأليف: جان بيير لو غوف.
الناشر: ستوك باريس ــ 2016
الصفحات: 272
القطع: المتوسط.
تسود في البلدان الغربية عموماً التي يطلقون عليها الديمقراطيات الغربية حالة من الاستياء العام تبرز اصداؤها في الكثير من النقاشات التي تصل أحياناً إلى حد التحذير من «إمكانية نشوب حروب أهلية». بل لم يتردد أحد الكتّاب من الحديث مؤخّراً عن «الحرب الأهلية القادمة». ومن الملاحظ أن مثل هذه المقولات تعود بقوّة إلى القاموس الذي يستخدمه المثقفون ورجال السياسة في الغرب الأوروبي تحديداً. وفي مثل هذا السياق صدر قبل أسابيع قليلة كتاب لـجان بيير لو غوف، الفيلسوف وعالم الاجتماع والكاتب الذي قدّم عشرات الأعمال والدراسات عن الحركات الاجتماعية في أوروبا وفرنسا منذ ما يعرف بثورة الطلبة في عام 1968 وحتى اليوم. يحمل الكتاب عنوان: «اســتياء في المنظومة الديمقراطية».
تأكيد
الفكرة الأساسية التي يطورها مؤلف هذا الكتاب تكمن في التأكيد أن الأحداث والاضطرابات الكبرى التي عرفها الغرب عموماً، وفرنسا بشكل خاص، منذ ستينات القرن الماضي حتى اليوم قد أدّت إلى حدوث «شروخ كبيرة وعميقة ذات طبيعة اجتماعية بالدرجة الأولى».
ويكشف المؤلف في تحليلاته عن بروز العديد من المفاهيم «المتناقضة» فيما يخص العلاقة مع عالم العمل والتربية والثقافة والاعتقاد، وحتّى فيما يتعلّق بـ «الهويّة الوطنية». بهذا المعنى يشكّل الكتاب نوعا من الدراسة حول مسار تطوّر المجتمعات الغربية منذ أواسط القرن الماضي، العشرين، حتى اليوم.
هذا مع التركيزعلى فرنسا بشكل خاص حيث يحاول المؤلف توصيف «الشروخ التي يعاني منها المجتمع الفرنسي والمآزق التي يجد نفسه فيها». ويشير بأصابع الاتهام للطبقة السياسية الفرنسية، وخاصّة اليسارية منها، بأنها تخلّت عن «المسائل الاجتماعية والاقتصادية». وتخلّت من خلال ذلك عن مصالح الغالبية العظمى من الفرنسيين.
مواجهة حقيقية
يشرح «جان بيير لو غوف» أن الديمقراطيات الغربية تعاني من حالة «استياء متعاظم». ويرى أنها إذا «استمرّت في التعامي عن نقاط ضعفها» و لم تلجأ بالتالي إلى القيام بـ «مواجهة حقيقية» مع الواقع القائم الذي يحيط بها وما يزخر فيه من تحديات فإنها تحكم على نفسها بـ«فقدان جميع الأسلحة المطلوبة أمام الفوضى العالمية» التي تبرز ملامحها وطبيعتها في العديد من مناطق العالم. ومن الأعراض التي يشير لها المؤلف بأشكال مختلفة للدلالة على واقع الاستياء الذي تعاني منه المجتمعات الديمقراطية الغربية هناك «تنامي النزعة الفردية» وما يترتب على ذلك من مفاهيم الانتماء الوطني و «تدنّي المستوى المطلوب في المنظومة التربوية» و «تفشّي ظاهرة البطالة» و«تدنّي الثقافة» و«تعاظم ظاهرة الانغلاق في مجال المعتقدات وما يمكن أن يترتب على ذلك من تطرّف».
ظاهرة
تجدر الإشارة أن المؤلف يكرّس قسمه الأول تقريبا لتفنيد ظاهرة «تنامي النزعة الفردية» في المجتمعات الغربية. وهو يتبنّى التعريف الذي قدّمه عالم الاجتماع الفرنسي «اليكسي دو توكفيل» ومفاده:«النزعة الفردية هي شعور يدفع كل مواطن للانزواء عن نظرائه والانسحاب بعيدا مع أسرته وأصدقائه. ذلك بحيث إنه يخلق بذلك نوعاً من المجتمع الصغير لاستخدامه الفردي، وبالتالي يتخلّى بمحض إرادته عن المجتمع الكبير نفسه».
والدعوة بالتوازي إلى قدر أكبر من «المسؤولية الفردية والجماعية». ذلك أنه لا يكفي، حسب التحليلات المقدّمة، تكرار «الشعارات» التي يتم وضعها تحت خانة «العيش معاً». ذلك أنها اثبتت عدم فعاليتها في مواجهة الواقع وتحدياته.
والتأكيد أن «النموذج» ينبغي أن يأتي من أعلى سلطة في الدولة وأن واجبها هو أن لاتبحث عن إرضاء الجميع بل تبنّي خطاب «الحقيقة». ذلك أن «إرادة إرضاء الجميع تؤدّي في النهاية إلى عدم إرضاء أحد وتقليل أكثر فأكثر لمصداقية الحديث السياسي على مستوى قمّة الدولة».
والإشارة أن المهم ليس «العيش معاً» الذي يعني واقعياً «عيش جمع متنافر من المجموعات والأفراد». لكن التركيز بالأحرى على مفهوم «العيش المشترك» الذي يجمع مختلف مكونات المجتمعات المعنيّة حول انتماء مشترك. ويرى مؤلف هذا الكتاب أن شعار «العيش معاً» هو ثمرة الأفكار التي طرحها المحتجوّن في فرنسا في شهر مايو من عام 1968. ثم ساهمت في تعزيز ذلك الشعار المفاهيم «الاقتصادية الليبرالية». نقاط الضعف التي تعاني منها المجتمعات الغربية في السياق الراهن، وبالتحديد بالنسبة للمجتمعات الأوروبية، يجد المؤلف أن القاسم المشترك بينها كلّها يكمن في «الثقافة». فالثقافة السائدة اليوم في المجتمعات المعنيّة تميل أكثر فأكثر نحو «العفوية» و «السطحية».
بالتالي يرى أن سبيل الخلاص الحقيقي بالنسبة لها هو في «العودة إلى ينابيعها الثقافية والتاريخية الأساسية» التي بنت على أساسها معالم عظمتها في الماضي غير البعيد. والتأكيد أن «إعادة بناء أوروبا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ينبغي أن يترافق مع إعادة بنائها ثقافيا، وامتلاك إرثها الثقافي من جديد».
المؤلف في سطور
جان لبيير لوغوف، فيلسوف وعالم اجتماع وكاتب فرنسي. تتركز أعماله حول الحركات الاجتماعية الأوروبية منذ ما عُرف بـ «ثورة الطلبة» في شهر مايو من عام 1968.
من مؤلفاته الكثيرة:«اليسار أمام الامتحان 1968 – 2011» و«مايو 1968، الإرث المستحيل» و«فرنسا في المرآة الأوروبية»..إلخ