Table of Contents
الإبداع.. إلهام أم إرادة؟ 1
بقلم : عبد الحليم عبد القادر
باحث ومفكر في العلوم
الإبداع.. إلهام أم إرادة؟
كيف تأتي إلهامات الإبداع؟ كيف يصل المخترع إلى اختراعه؟ وهل بالضرورة يجب على المخترع أن يكون على صلة أكاديمية وتخصصية بموضوع اختراعه؟!
مخطئ من يظن أن المخترع يجب بالضرورة أن يكون متخصصاً أكاديمياً في مجال اختراعه، فربما يندهش القارئ إذا علم أن إحدى الدراسات أكدت أن 80% من الاختراعات قام بها هواة وليس أكاديميين!
ولا تعجب عزيزي القارئ إن وجدت بوناً شاسعاً ما بين عمل ذلك الهاوي ونوع الاختراع الذي أنتجه! إذ يحوي التاريخ عشرات بل مئات من القصص الطريفة التي تؤكد هذه الحقيقة، أذكر منها على سبيل المثال آلة الغزل التي اختُرعت عام 1769م وكانت سبباً من أسباب مجد بريطانيا صناعياً، ولكن من صاحب ذلك الاختراع العجيب في وقته يا ترى؟ لن تصدقوا… إنه ليس ميكانيكي آلات أو خبيراً في الصناعة، بل يعمل فى مجال لا يمت لنوع الاختراع بأي صلة، إنه بكل بساطة حلاق… إنه المخترع (الحلاق) ريتشارد أركريت (1732-1792 م) أجل حلاق!!
يؤكد المثال السابق ما أريد إيصاله للقارئ بأن عملية الاختراع ممكنة فقط لمن يريد ذلك، والآن ماذا تريد عزيزي القارئ أن تخترع؟… ما يزيد القارئ عجباً إذا علم أن الاختراعات كانت من ضمن الحرف المنتشرة آنذاك.. ولكن غير الرسمية وتشبه إلى حد ما المنقبين عن الآثار… سنكتشف ذلك إذا تتبعنا تاريخ المخترع السابق ذكره، فسنجد أنه اضطُر لعمل ذلك الاختراع لتحسين ظروف معيشته!!
الأمر إذاً ليس موهبة فذة أو عشقاً قديماً من الطفولة لإنجاز المخترعات العظيمة.. وإن كنت لا أنكر أن ذلك من ضمن العوامل المساعدة، إنما الأصل في ذلك موهبة في الإرادة والعزيمة لاستغلال تلك الملكات الكامنة والمتوافرة في أى شخص منا، ومن لم يصدقني فليطالع سيرة ماكس بلانك (1858-1947م)، أحد أعظم العلماء المؤسسين للفيزياء الحديثة ومبدع ميكانيكا الكم، ما كان طموحه فى أن يعمل مستقبلاً.. عالم فيزياء؟ بالطبع لا، فقد كان أمل الرجل أن يصبح موسيقياً مشهوراً!! وإذ لم يتحقق حلمه لم ييأس ولكن استغل أهم الملكات لدى الإنسان لإنجاز عمله العظيم… تأسيس نظرية الكم فى مجال عمله الذى لم يرغب فيه!! .
ولِمَ نذهب بعيداً، فإن هدف كلية الهندسة فى الأصل إنما هو لتخريج مخترعين مبدعين بعد إكسابهم المهارات الأساسية القائمة على فهم المبادئ الأساسية فهماً جيداً (وليس مجرد تلقين العلوم الهندسية)، أمّا إذا أصرت إدارة الكلية على أن تكون مشاريع التخرج تقليدية فهذا شيء آخر!
والآن عزيزي القارئ فإن كانت لديك تلك الموهبة (الإرادة والتصميم) فماذا تنتظر؟!
فبالضرورة والاحتياج الشديد تأتي إلهامات الاختراع، وصدق المثل الذي يقول: “الحاجة أُم الاختراع”، وذلك الباب مفتوح بالفعل لجميع الناس بلا أي استثناء، مثلاً تجد المرأة البسيطة إذا وضعت في مشكلة ما فقد تأتي بحل رائع لم يخطر لها على بال، ذلك الحل هو ما نسميه اختراعاً وإبداعاً لحل تلك المشكلة، والحق يقال بأن حصر الإبداع والاختراع على الأكاديميين لهو إجحاف كبير لهذه العقول التي لم يقدر لها الانتظام في التعليم، وأعتقد أنه لو صدر في العهود البائدة قانون ينص على منح امتياز لحكر الاختراع على الأكاديميين فقط، تقوم الدولة بموجبه برفض اختراع أي شخص غير أكاديمي، إذاً لتأخرت الحضارة لعشرات بل لمئات القرون، فلنا أن نتصور إذاً الحضارة بدون اختراع الورق، والمطبعة، والآلة البخارية، والمصباح الكهربي… كلها اختراعات عظيمة من عظماء لم يكملوا تعليمهم!
الإبداع.. إلهام أم إرادة؟
انتهى الجزء الأول من المقال، وقبل الشروع في الجزء الثانى أود أعلام القارئ بأن إكمال تتمة المقال القادم ربما يكون صادماً في سرد بعض الحقائق والأمثلة.. كذلك سنخرج بنتيجة مدهشة أرجو أن تغير حياتك.