المجلةبنك المعلومات

“الاستشفاء بالرمال” يثبت تأثيره الإيجابي على الكثير من الأمراض المزمنة

هنا صورة ذهنية سائدة بأن الطبيعة لا يمكن لها أن تساعد ذوى الآلام الذين لم يألوا جهدا فى طلب العلاج على عتبات عيادات الأطباء والمستشفيات، ولكن الحقيقة التى يعلمها البعض، ويجهلها ربما البعض الآخر، أن هناك ممارسات شعبية وتقليدية، ثبت تأثيرها الإيجابى على الكثير من الأمراض المزمنة، ومن أشهرها، الدفن فى رمال سيوة الساخنة، فى موسم محدد سنويا بالأشهر الثلاثة الأكثر حرارة فى صيف تلك الواحة. الأمر لم يعد اجتهادا فطريا، إذ علمنا بتدخل أبحاث ودراسات علمية لتقييم أثر تلك العلاجات، وبذلك استحق الموضوع أن يأخذ طرحا جديدا ومختلفا.

على بعد أكثر من سبعمائة كيلومتر عن العاصمة المصرية القاهرة،  حيث واحة سيوة.. وحيث الطقس العلاجى القديم المتمثل في الاستفادة من الخصائص الطبيعية التي حبا الله بها تلك الواحة، كشف عنه، وجود معاصر الزيتون القديمة التى تم اكتشافها، إذ ترتبط عملية الاستشفاء باستخدام الزيت مع الأعشاب والرمال و«لبخة رماد الحطب» فى البرنامج العلاجى، وفقا للمتوارث لدى أبناء سيوة إضافة إلى الاستحمام فى مياه عين الشفا، حيث يبدو الأمر، وكأن الله أودع سرا خاصا فى رمال الواحة التى تنخفض عن سطح البحر بنحو ٢٢ مترا، مما جعل هواءها جافا ونقيا، بينما يوفر ارتفاع درجة حرارتها فى شهور الصيف، موسما مثاليا للاستشفاء، إذ تتعامد أشعة شمسها نهارا على تلك الرمال، الغنية بالعناصر والمعادن المفيدة.

العلاج التقليدى بالدفن فى رمال «سيوة» ليس متاحا طوال العام، إذ يحدد المعالج التقليدى الفترة المناسبة لتحقيق الاستفادة المطلوبة بـ٣ أشهر فقط، تبدأ من منتصف يونيو وحتى منتصف سبتمبر، وهى الفترة التى يبدأ فيها استقبال مرضى أوجاع الظهر والمفاصل، وبعض أصحاب الأمراض المناعية كالصدفية والروماتويد، كما تفيد فى علاج الأمراض الجلدية، وتخفيف آلام المفاصل والظهر، وتقوية العضلات، وهذا ما يؤكده الدكتوران: “أحمد حسنى” طبيب العظام والعمود الفقرى، و”خالد التركى” أستاذ مساعد الطب الطبيعى بجامعة ٦ أكتوبر، إذ يكشف الأول أن العلاج الحرارى يعمل على تحسين عمل الجهاز المناعى بكفاءة، موضحًا أن الدفن فى الرمال يزيد من إفراز المواد المثبطة للألم، وأن المعادن التى يمتصها الجسم كذلك من الرمال تفيده بشدة.

ذاكرة أهالى «سيوة» تحتفظ بمشاهد للجنود الإيطاليين والألمان، وهم يستمتعون بحمامات الرمل عندما احتلتها قوات المحور فى أثناء الحرب العالمية الثانية، ذلك أن ممارسة هذا الطقس العلاجى قديمة فى الواحة، وكانت تتم بشكل فردى، إلى أن تحولت لعملية شبه منظمة فى السبعينيات من القرن الماضى، على يد أشهر قدامى المعالجين: موسى سطوحى، فيما ورث الآن الجيل الثالث المهنة، ومنه ذلك الشاب الصغير محمد أبو القاسم «١٤ عاما»، الذى يتحرك فى المردم بنشاط تحت أشعة شمس تتجاوز غالبًا ٤٠ درجة مئوية، وهو ما يلزم لنجاح العلاج، الذى يتم من خلال ٢٠ «مردما» على الأقل، وهو الحفرة التى يتم إعداها وتجهيزها، بحيث تتشبع من الداخل بأشعة شمس الصباح، قبل أن يدلف بداخلها طالب العلاج فى فترة الظهيرة، مشيرا إلى أن الاستشفاء برمال سيوة، وعيونها الكبريتية، أمر يجذب المصريين والأجانب من جميع الجنسيات، ويحقق رواجا تجاريا فى الواحة.

تحت الرمال

عندما تشتد آلام الانزلاق الغضروفى، فلا يخرج العلاج عادة عن أمرين، إما العلاج التحفظى بالأدوية والمسكنات، إضافة إلى جلسات العلاج الطبيعى، وإما اللجوء للحل الجراحى، وقد كان الأخير هو ما استقر عليه الأطباء قبل سنوات بالنسبة لحالتى، التى تستلزم جراحة عاجلة لمعالجة آلام شديدة بالفقرات القطنية، لم أتحمس كثيرا للجراحة خاصة أنها تتطلب وقتا طويلا من الراحة، ويتبعها أيضا تعليمات مشددة، وتعلقت بأى أمل يعيد لى سهولة الحركة والمشى دون آلام مبرحة، وكانت النصيحة التى أشار علىّ بها أحد الأصدقاء، هى الخضوع لتجربة الدفن فى رمال سيوة المشهورة بقدرتها على تخفيف آلام العظام والانزلاق الغضروفى، وبالفعل حدث تحسن كبير فى حالتى، وقتها، جعلنى أنسى أمر الجراحة والمسكنات، وإن اكتشفت أن الأمر يحتاج لتكرار تلك الوصفة، إذ عاودتنى الآلام مرة أخرى بعد سنوات، ووجدتنى أتذكر تجربتى السابقة، فعقدت العزم على العودة إلى ذلك المشفى الطبيعى الذى لن يكلفنى سوى أن أقطع الطريق إلى سيوة، وفى جيبى عدة مئات من الجنيهات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، شاملة كل تكاليف الدفن والطعام والمشروبات، الأمر يستحق إذن أن نقطع كل هذه الكيلومترات، لكن هذه المرة قررت أن تكون الزيارة ليست فقط تجربة شخصية بل أيضا مهمة صحفية، رافقنى فيها زميلى المصور.

يقول الدكتور سمير الجزار، عميد كلية العلاج الطبيعى بجامعة هليوبوليس إن رمال سيوة بالفعل تساعد على تحسن أعراض التيبس لدى المصابين بأمراض تؤثر على الجهاز الحركى كالروماتويد والروماتيزم والصدفية، وخشونة المفاصل والانزلاق الغضروفى، والالتهابات العضلية، نتيجة حرارة الرمال الساخنة، وتوزيعها على أجزاء الجسم، بنسب متساوية، مما يساعد على توسعة الأوعية الدموية، وإزالة عوالق الالتهابات، وإفراز المواد المثبطة للألم فى السائل الشوكى.

الطب الحديث

أثبتت دراسة الدكتوراه للباحثة نشوى علام، بكلية العلاج الطبيعى بجامعة القاهرة، للمقارنة بين نتائج تطبيق برنامجى العلاج السيوى والعلاج الطبيعى لمرضى الروماتويد، أن الدفن فى الرمال حقق نجاحا بينهم، إذ أثبت قدرته على تخفيف الألم، وتحسن الأداء الوظيفى لأجهزة الجسم.

الدراسة الميدانية أجريت على عينة من ٣٠ مريض روماتويد، تم تقسيمهم إلى مجموعتين، وأُخضعت الأولى لبرنامج العلاج الطبيعى، والثانية للدفن فى الرمال، فأثبتت النتائج فاعلية الرمال الحاملة لذرات الكربون والماغنيسيوم والكالسيوم والسيلكون، التى يمتصها الجسم من خلال وسيط حمضى هو العرق عن طريق الجلد، ومسامه المفتوحة.

أثبتت الدراسة تحسنا فى «مجموعة سيوة» بنسبة تزيد على ٥٠% عن المجموعة المماثلة التى خضعت للعلاج الطبيعى، بل وتحسنت قدرة المرضى على الحركة أكثر من ٥٠%، بحسب تأكيدها.

تذهب الدكتورة نشوى، كذلك، إلى أن المعدل التراكمى للدفن فى الرمال يزيد من فرص الشفاء، لاسيما فى حالات الروماتويد والأمراض المناعية، بتكرار الدفن لأربع سنوات متتالية.

ووفقًا لدراستها، تنشط درجة الحرارة المرتفعة الدورة الدموية، وتخلصه من النفايات والمواد المسببة للالتهابات، ومن سموم الجسم.

زر الذهاب إلى الأعلى