قبل عام واحد كان الحديث عن ” العلاج بالطقطقة” في العام العربي ضربا من الهزل والكوميديا، فلم يكن أحد منا يصدق أن هناك معاهد وكليات متخصصة في العلاج “بالتحريك اليدوي أو علم “الكيروبراكتيك” وهو استعمال الأيدي في “ضبط” العلاقات الميكانيكية ببن أعضاء الجسم، ومعالجة الإعاقة الحركية الناجمة عن أمراض العمود الفقري والرقبة..بلا جراحة!
ولكن الدكتور محمد طلعت عزالدين، استشاري جراحة العظام والروماتيزم ونائب رئيس “الجمعية المصرية لجراحة العظام” حاصل على درجة الدكتوراه الفخرية في “العلاج بالتحريك” من جامعة جورجيا الأمريكية عام 1987، في احتفال قومي كبير كان الدكتور عزالدين هو العضو رقم (11) ضمن المجموعة التي تم منحها هذه الدرجة في أمريكا، والعربي الأول في العالم.
وفي هذا الحوار يكشف لنا د. عزالدين أسرار هذا العلم الجديد-القديم “الكيروبراكتيك” وهل يمكن اعتياده فرعا من فروع الطب أم هو مجرد “فن” يمكن للشخص العادي ممارسته .. إلى آخر الأسئلة المثيرة والطريفة حول “العلاج بالطقطقة”:
فأجاب: “الكيروبراكتيك” يعني حرفيا علم ممارسة التحريك اليدوي ومن الناحية العامة فهو أحد فروع التطبيب التي تعني بصحة الإنسان وبأمراضه، وهو علم يهتم أساسا بدراسة العلاقات الميكانيكية بين عظام الجسم المختلفة وخاصة العمود الفقري والحوض، كما يهتم بالعلاقة بين هذه العظام وبين الأعصاب والعضلات والأوعية الدموية، مما يتطلب دراسة مستفيضة لهذه الأجهزة من الناحية التشريحية والفسيولوجية والباثيولوجية والكيميائية.
وأول من بدأ في استخدام اليدين لتقليل آلام الجسم هم الفراعنة القدماء وتلاهم الصينيين مثل (كونج فو) سنة (2700) قبل الميلاد ثم اليونانيين القدماء مثل (أبوقراط) الذي عاش في الفترة من (460-357) قبل الميلاد وتلاه العرب الذين برعوا في هذا العلم ثم الطبيب اليوناني (كلوديوس جالن) الذي عاش في الفترة من (130-200) بعد الميلاد والذي قال إن الجهاز العصبي هو مفتاح الصحة وبعد ذلك قل الاهتمام به، ثم انبعث من جديد “الكيروبراكتيك” على يد (د. دانيال ديفيد بالمر) في الولايات المتحدة عام 1895 وأثناء كشف الدكتور على أحد المرضى اليونانيين سأله عن معنى كلمة (بواسطة اليد) باللغة اليونانية فأخبره إنها تعني كيرو-براكتيكوس فأطلق الدكتور بالمر على هذا العلم اسم (الكيروبراكتيك) ومنذ هذا الوقت انتشر هذا العلم وأصبح يدرس ويستخدم الآن في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا واستراليا على نطاق واسع.
وأنشئت أول كلية للكيروبراكتيك في مدينة شيكاغو ديفونبورت عام 1911 وهي كلية بالمر نسبة إلى د. بالمر مؤسس “الكيروبراكتيك” في أمريكا ثم توالى إنشاء الكليات حتى بلغ عددهم الآن في الولايات المتحدة 17 كلية تخرج منها حوالي (60.000) متخصص في العلاج بطريقة “الكيروبراكتيك”، ثم انتشرت في انجلترا وفرنسا واستراليا وكندا واليابان، ويمكن القول إنه أعيد اكتشافه عالميا.
– ما هو التفسير العلمي لكيفية العلاج بـ”الطقطقة” أو “الكيروبراكتيك”؟
المعروف أن المرض عموما ينتج عند حدوث إثارة داخلية أو خارجية مثل الإثارة الميكانيكية أو الحرارية أو الكيميائية أو الهرمونية أو الطفيلية أو البكتيرية أو الفيروسية أو النفسية..الخ، هذه الإثارة تجعل وظائف الجسم غير طبيعية لأنها تجعل الجسم أقل قدرة على التكيف مع الضغوط والمؤثرات الجديدة، وهدف “الكيروبراكتيك” هو الحصول على النشاط الفسيولوجي الأمثل للجسم بواسطة تصحيح أي علاقة غير طبيعية بين أجزاء الجسم المختلفة وذلك يجعل الجسم أكثر استعدادا لاستخدام قدراته الذاتية لأداء وظيفته بطريقة سليمة ولهذا فهو يهتم في الأساس بسلامة الجهاز العصبي الذي يسيطر في النهاية على جميع وظائف الجسم وأي إثارة عادية للجهاز العصبي سواء كانت خارجية أو داخلية تجعل الجسم يعمل بطريقة غير مناسبة ما يعرضه للأمراض والآلام.
من المعروف أن الحوادث أو السقوط أو الإجهاد الشديد وبعض العوامل الأخرى تسبب تغيير موضعي طفيف أو عدم انتظار فقرة أو أكثر مما قد يسبب إثارة لجذور أعصاب النخاع الشوكي وهذا يسبب اضطرابا لوظائف الجسم الدقيقة مما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
وفائدة “الكيروبراكتيك” إزالة هذه الآثار العصبية مما يجعل الجسم أكثر مقاومة للأمراض ويتم ذلك بواسطة تحريك جزء معين من العمود الفقري مثلا لا يؤدي الوظيفة المتجانسة المطلوبة مع بقية الأجزاء، ويتم التحريك بقوة ضغط اليدين والأصابع بواسطة الأخصائي بهدف ” تليين” الأربطة والعضلات المسئولة عن هذا الانحراف للعظام وتستخدم قوة محسوبة بدقة شديدة على أسس ميكانيكية تشريحية وتتم بعدة دراسة مستفيضة لكل حالة بعد عمل الفحوص المختلفة مع استشارة الطبيب المختص، وهنا الضغط يكون بقوة محسوبة في نقطة معينة ليعود بعلاقات العظام والمفاصل ببعضها لشكلها الطبيعي كي تؤدي عملها الأصلي ويتم التحريك المطلوب بدرجة أكبر من التي يستطيع المريض أن يقوم بها بنفسه ولكنها في حدود الإمكانيات التشريحية للعظام والمفاصل والأربطة، فيصدر الجسم صوتا معروفا “بالطقطقة” فيشعر الشخص بالارتياح الفوري.
– هناك سؤال يطرح نفسه .. هل كل شخص يمكن معالجته عن طريق “الكيروبراكتيك” أم لا؟
قبل العلاج يخضع المريض لفحص دقيق يبدأ من قصة المريض، أي تاريخ الإصابة وتطورها يوما بعد يوم، فضلا عن إجراء “تقييم ميكانيكي” للعمود الفقري، مع فحص بأشعة “إكس” يتم على زوايا الأربطة وعلاقتها ببعضها البعضن وقياس درجة ميل الحوض، وتصوير المريض بالأشعة في وضع الوقوف وهكذا، وذلك من أجل التأكد من درجة تحمل المريض وقابليته لهذا النوع من العلاج من عدمه.
– ما هي الأمراض التي يعالجها “التحريك بالأيدي”؟
أمراض عديدة، على رأسها الاضطرابات الوظيفية في العمود الفقري، وهي ثلاثة أولها اضطراب الفقرات القطنية وتتمثل في تشنج الرقبة الحار، وآلام الرقابة المصاحبة لأمراض الغضروف “البين فقري” والناشئ عن عدم التوافق بين الفقرة العنقية الأولى والثانية، فضلا عن “عرض النسا” وكل ذلك دون جراحة، ويحتاج المريض إلى عدد معين من الجلسات حسب كل حالة على حدة.
– هل هناك أدوية معينة يستعملها المريض الذي يتم علاجه “بالكيروبراكتيك” لتحقيق الشفاء التام؟
لا تستعمل الأدوية بالشكل المكثف المعروف في العلاجات التقليدية، ولكن يستخدم المريض بعض الفيتامينات مثل “ب، ب1، ب12” لتحسين عمليات إعادة البناء داخل العظام وتنشيط الأعصاب، كذلك يتم تعاطي بعض المعادن منها الكالسيوم والماغنسيوم والمنجنيز، من أجل مساعدة العضلات والأربطة على استعادة حالتها المثلى وقوتها الطبيعية، مع الامتناع -تماما- عن شرب المياه الغازية وخاصة السوداء منها “الكولا” لأنها تعمل على هشاشة العظام.
– كيف نجحت في إقناع الناس بهذه الطريقة الغريبة في العلاج؟
لقد قمت بزياة ميدانية لبعض كليات “الكيروبراكتيك” بالولايات المتحدة مثل كليات بالمر/ ناشيونال/ لايف وكليفلاند، وذلك لمشاهدة الطرق المختلفة للفحص والتشخيص والعلاج، والتدريس لهذا العلم حتى أحصل على تصور كامل لـ”الكيروبراكتيك”، وتم ذلك والحمد لله بنجاح في يونيو 1983 بعدها اطمأنت نفسي للجدوى الكبيرة لهذا التخصص بعد متابعة شخصية لكثير من الحالات، وأدعو الله أن يوفقني لنشره في مصر والعالم العربي، فاستخدام هذا العلم في العلاج يوفر استهلاك الأدوية كعمل اقتصادي، وتلافي آثارها الجانبية وإنقاذ الاقتصاد الوطني بزيادة الكفاءة الإنتاجية للعمال.
وقد بدأت بتجهيز مكتبة كاملة بعيادتي تحتوي على الكتب الدراسية الخاصة بـ”الكيروبراكتيك” والمراجع العلمية والأبحاث والمجلات الدورية وأشرطة الفيديو حتى تكون في متناول الزملاء الأطباء وخاصة النائين منهم، وكل من يرغب في التعرف على هذا التخصص، وبذلك تكون نواة لأول مكتبة متخصصة في هذا العلم بالشرق الأوسط.
– هل هناك صعوبات تعوق انتشار هذا التخصص في العالم العربي؟
بالتأكيد، فنحن “نجاهد” تقريبا لإنشاء كلية عربية لـ”الكيروبراكتيك” وهذا ليس ببعيد على الله فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ونحن ما زلنا نكافح لنشر هذا التخصص على مدى 27 عاما (1981-2008).
وفي عام 1988 قدمت كلية لايف لـ”الكيروبراكتيك” خمس منح للأطباء المصريين، وتشكلت لجنة برآسة الدكتور عبدالرحيم الحموي رئيس قسم الطب الطبيعي ومقررها الدكتور محمد طلعت عزالدين وأعضائها عشرة من أساتذة من مختلف الجامعات والقوات المسلحة والصحة ، وظلت اللجنة تجتمع على مدى ستة شهور لمناقشة الاعتراف بهذا التخصص وفعلا تم ذلك وتقدم 19 طبيب وتم اختيار خمسة منهم، وعندما أرسلت الأسماء إلى الكلية بأمريكا كان الرد أنه قد مر وقت طويل على تقديم هذه المنح، لذا تم تحويلها إلى الدول الأفريقية الأخرى وذهبت المنح مع الريح.
طارق الديب