المتاحف ذاكرة الشعوب فهي مراكز تجمع الإنجازات العظيمة، ونادرا ما يكون المتحف مكانا بهيجا، فهي غالبا ما تستحث الشعور بأنه لا شيء يمكن أن يظل ناضرا على الدوم، وهي ليست وسيلة اتصال بين الشعوب وبعضها فقط، بل هي أهم وسيلة اتصال بين الماضي والحاضر، حيث تحتفظ المتاحف في كل مكان بأرقى ما توصل إليه شعب ما، وأعظم ما أبدعه خلال عصور مختلفة.
وهناك أنواع عديدة من المتاحف.. منها متاحف الفن التشكيلي، والمتاحف الموسيقية والمتاحف التي تختص بتطور مجال معين من المنتجات البشرية، مثل متحف قاطرات السكك الحديدية، أو متاحف السيارات. إلا أن الأهم من بين كل المتاحف عادة، هي المتاحف الوطنية التي تسجل تاريخ تطور شعب من الشعوب، ومراحل تاريخه المختلفة، مثل المتحف المصري ومتحف الأكروبول. كما أن هناك عددا من المتاحف الشهيرة في العالم تتخطى هذا الإطار القومي لتجمع مجموعة من المقتنيات تمثل الجنس البشري بمجمله، ولعل من أشهرها متحف اللوفر في باريس ومتحف المتروبوليتان بنيويورك. وهناك ثلاثة أنوع من المتاحف تشكل جزءا حيويا من الثقافة الوطنية والشعبية لمختلف الشعوب وهي المتاحف المفتوحة ومتاحف المجتمع ومتاحف السلام.
المتاحف المفتوحة
احتفل عام 1991 بالعيد المئوي لتأسيس المتحف المفتوح في سكانس في استوكهولم عاصمة السويد والذي يعد علامة بارزة في تطور نوع معين من المتاحف ظل ينمو عددا وشعبية منذ عام 1891.
والمتاحف المفتوحة تهتم بالمجتمعات الريفية والمجتمعات الصناعية الناشئة، من خلال فنونها الشعبية، موسيقاها، وبيوتها، وأثاثاتها، وإنجازات صناعها وعامليها المهرة. وتعد المتاحف المفتوحة الأبرز بين المتاحف، من حيث الشعبية، لذا تجد نفسها منخرطة في صناعة السياحة، كما أن معظم زائري هذه المتاحف ينظرون إليها كجزء من مجال الترفيه لذا تتضمن الجماعات الزائرة لهذه المتاحف أناسا ليس من طبعهم زيارة المتاحف، من هنا فإن المتاحف المفتوحة لديها فرص للتواصل غير متاحة للمتاحف الأكثر تقليدية.
وتتشكل المتاحف المفتوحة بطريقتين: إما نقل شكل المباني العتيقة في مبنى المتحف، أو استغلال هذه المباني ذاتها كإطار لعروض وظيفية.
والهدف من إقامة متاحف الهواء الطلق هو إحياء وتمجيد الماضي وبعضها يسعى لإبراء المجتمع المعاصر مما يسوده من عداوة وخلافات. وقد تحقق ذلك في متحف “أليستر” الخاص بالشعب ووسائل النقل الذي أقيم بالقرب من بلفاست بأيرلندا. وتأسس متحف الشعب لشمال أيرلندا في أواخر الخمسينات، حيث تزايدت حدة عمليات العنف ضد سيطرة المملكة المتحدة على البلاد، وعندما فتح المتحف أبوابه في عام 1964، كان الانقسام حادا في صفوف الشعب في كل نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية، وبلغ ذك الانقسام أوجه في عام 1969م في شكل نزاعات داخلية، وتجددت موجة العنف، وتغيرات اجتماعية عديدة.
وقد أقيم المتحف من أجل توضيح طرق معيشة وعادات وتقاليد شعب أيرلندا الشمالية بشكل عام. وهكذا أتيحت له فرصة العمل من أجل إرساء أسس الاحترام المتبادل لمختلف وجهات النظر في صفوف التي يقدم خدماته إليها.
طاحونة الصقر
نادرا ما يحوي أي متحف سبعة طوابق بارتفاع 29 مترا ذات سطح مطوي يشبه الوطواط الذي يطوي أجنحته تحت منقاره، وتبلغ المساحة بين طرفي أجنحته 27 مترا. ذلك هو متحف طاحونة “فالكون” (الصقر)
أنشئت هذه الطاحونة التي تسمى فالكون، نسبة للقرية التي المواجهة لها عام 1743، وكان هذا الموقع مقرا لسلسلة من الطواحين الهوائية التي يرجع تاريخا إلى عام 1350 وتم افتتاحها كتحف في 2 يونيو 1966م.
ويبلغ عدد الزيارات السنوية لمتحف طاحونة فالكون 43 ألف زائر يشكل الأجانب نسبة 65% منهم.
متاحف المجتمع
أنشأ فردريك ميسترال شاعر بروفنس، أول متحف في مدينة آرليس في فرنسا عام 1899 باسم متحف “آرالتيني” بأمل أن يؤدي هذا إلى افتتاح متاحف مماثلة في كل مدينة فرنسية باعتبار أنها “أفضل طريقة لتعليم الأفراد تاريخهم، وحب أوطانهم والانتماء للأرض التي أنجبتهم واحترام السلف”، وقد دافع في ثنايا هذا المشروع عن اتجاه سياسي هو الفيدرالية. فقد كان الاتجاه السياسي واضحا تماما، عندما أقيم متحف Heimatmu-seen في ألمانيا المهزومة في الثلاثينات، بهدف إعلاء قيمة التقاليد الحضارية الشعبية، وإعادة مشاعر الزهو بالانتساب لألمانيا.
وفي عام 1991، بدأ متحف بزر كشيمات في سبيتال دراو في النمسا تجربة فريدة، وهي إقامة معرض متجول حمل على العربة الخاصة بمتحف كارنشيا، وكان الغرض هو نقل المتحف أو المجموعات المنتقاة منه إلى الجماهير، وتم ذلك بعدة طرق.
متحف المستعمرات
وتتوغل المتاحف المجتمعية في الحياة اليومية لمختلف بقاع العالم أكثر بكثير من أنواع المتاحف الأخرى، لتثير التساؤلات عن العصر الذي نعيشه. فكيف يمكنها أن تفعل ذلك متخذة موقفا غير سياسي في بعض الأحيان أو الانتصار لوجهة نظر سياسية معينة في أحيان أخرى؟ ومن المستحيل فصل النمو التلقائي للمتاحف المجتمعية في القرن التاسع عشر، والتطورات التي حدثت في العلوم التي تبحث في علم الانسانم (الانثروبولجي)، عن الاهتمام الذي ساد في ذلك الوقت من قبل القوى الاستعمارية، حول مملكاتها في الأراضي التي استعمرتها واعتبرتها بما فيها من أملاكها الخاصة.
تطورت من هذا الاتجاه فكرة إنشاء متاحف تبرز أصالة المجتمعات المحلية المستعمرة، الأمر الذي انعكس على البلدان الاستعمارية نفسها، وانتشرت نزعة إنشاء متاحف مجتمعية لهذه المجتمعات ذاتها.
فالتغيرات العميقة التي حدثت في المجتمع الفرنسي منذ عهد الاستعمار يمكن الاطلاع عليها ورؤيتها فيما أطلق عليه اسم “متحف المستعمرات”.
ويقوم هذا المتحف الذي أقيم من أجل نشر أفكار وأيديولوجيات الحقبة التي أقيم خلالها بوظيفة جديدة، إذ يقف في مقدمة الجهود الرائدة لإثراء العلاقات بين الشمال والجنوب، ولدعم الحوار بين الطرفين وإبراز رؤية ومنظور جديد للحضارات التي يعرضها.
متاحف السلام
من شواطئ نورماندي ومعسكرات الاعتقال، حتى مدينة هيروشيما، تحولت مواقع أعنف الحروب البشرية شراسة إلى متاحف للذكرى والوفاق، وقد نشأ بجانبها جيل جديد من المتاحف، ليقدم ديناميات السلام من خلال الفن، وليظهر مدى قوى الفنان في تشكيل وعي الجمهور حول مفهوم الفن.
وقد بدأت فكرة المتاحف التي تحفظ تاريخ صنع السلام (وليس فقط صنع الحروب) قبل الحرب العالمية الأولى وانتشرت خلال هذا القرن عندما قبلت متاحف عديدة هذه الفكرة، وفي العشرين عاما الماضية كان هناك اهتمام كبير بفكرة متاحف السلام خاصة في اليابان وأوروبا وشمال أمريكا.
وكان أول هذه المتاحف المتحف الذي أنشأه “جان دي بلوك” عام 1902 في لوتسون في سويسرا.
ولكنه تحول أثناء الحرب العالمية الأولى إلى مركز للإسعافات، ثم أسس فريدريك متحفا آخر في برلين في 1923م، قامت بتدميره أيضا القوى التي تسببت في الحرب العالمية الثانية، وكان متحف جان دي لوك الدولي للحرب والسلام يعمل على أساس فكرة أن الحرب ذاتها تشهد ضد الحرب، ومما يدعو للسخرية أن المتحف لاقى في البداية تشجيعا من الضباط العسكريين، بينما اثار أسف حركة السلام بسبب تناوله الضعيف والمقل لمواضيع السلام.
وعلى العكس كان متحف فردريك الموجود في برلين ذا اتجاه معاد للحرب أكثر صراحة، فلم يكن من الغريب أن يعتبر العسكريون أهداف هذا المتحف أهدافا مخربة.
وبازدياد قوة الحكومة النازية قامت بتدمير المتحف، وهرب فردريك من ألمانيا لينشئ متحف السلام المتحرك في بروكسل والذي نهب أثناء الغزو الألماني في عام 1940.
متحف آخر هو متحف السلام في شيكاغو الذي افتتح في نوفمبر عام 1981 والمكرس لبحث قضايا الحرب والسلام من خلال الفنون المرئية والأدبية والمؤداة، وتشمل معروضاته الهامة “لنعط السلام فرصة” وهي حملة كبار موسيقيي الموسيقى الشعبية وموسيقى الروك، و”اللهيب الذي لا ينسى” وهي رسومات الذين عاشوا بعد قنابل هيروشيما ونجازاكي.